بقلم - الشيخ خالد السعدون:ثمة قاعدة ربانية لو عمل بها المسلمون في نزاعاتهم وخلافاتهم، فضلاً عن أحكامهم على خصومهم، لما وقع ما هو واقع من بغضاء وشقاق. فمن منهج أئمة الجرح والتعديل في الحكم على الرواة، أن من كثر مقبول حديثه على مردوده صار مقبول الحديث، والناس في هذا القبول درجات فمنهم من صار أوثق الناس لتمام صدقه وضبطه، ومنهم من صار صدوقا له أوهام، ويقابل ذلك الضعفاء إذ انحطوا عن رتبة القبول، لغلبة الخطأ على الصواب، فهم في ذلك دركات، فمن صدوق كثير خطأ، إلى سيئ حفظ نزولاً إلى كذاب أثيم.- مراتب الشرف في الدين كمراتب القبول في الرواية: فمن كثر صدق دينه ظاهراً، صار عزيزاً شريفاً، ومن غلب انحرافه وشططه على استقامته، صار سافلاً وضيعاً، والناس في ذلك دركات، كما إنهم في الشرف مراتب ودرجات. فإذا كنا مأمورين بالمقاربة مع الكافرين، ممن يشتركون معنا في أصل واحد، فكيف لا نلتقي بمن يشاركنا جل الفروع فضلاً عن كل الأصول: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون». - قاعدة الإنصاف في الحكم على الناس: «الحكم بالفروع لا يقضي على غلبة الأصول»، فلو حكمنا على مسلم أو كافر، أو زائغ فاجر، في يوم من الدهر غبر، أو ليوم آن وحضر، فحكمنا لأمر شذ عن أصله فخالف ما منه معهود، فهذا لا يعني أننا غلبنا قليله على كثيره، أو رجحنا ما شذ وندر، على ما طغى واستقر، فقليل الشر مع كثير الخير مغتفر، وأما قليل الخير في كثير السوء فالطاغي هو الشر، ومن حاد عن ذا الوزن فلا إنصاف عنده ولا نظر. فلو وصفنا صالحاً بسوء لأمر ما فهذا لا يعني أننا نسفنا ما طول عمره يبتنيه، ويقابله فيما لو امتدحنا طالحاً فالميزان لا يستلزم تزكية لقبيح مساويه. فالحكم يكون لما به الموازين ثقلت، لا لما طاشت وخفت، فلك الله يا أمة تكالب عليها أدعياء نصرها، فنهشوا بسهامهم أوصالها، ذباً «دفاعاً» بزعمهم عن سنة نبيها، ظناً أن الرفعة لا تكون إلا بهتك أعراض دعاتها، ولم يسلم منهم موافق ولا مخالف، فلم يقبلوا من الناس إلا التحزب للرجال والأشخاص، وطفقوا بإخوانهم يتربصون، فنجى من سهامهم فارس والروم، ولكنهم لإخوانهم أحسنوا التصويب بمقتل، كتصويب الميل في مكحل: أخرج يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ عن سفيان بن حسين قال: «كنت عند إياس بن معاوية وعنده رجل تخوفت إن قمت من عنده أن يقع في! قال: فجلست حتى قام، فلما قام ذكرته لإياس! قال: فجعل ينظر في وجهي فلا يقول لي شيئاً حتى فرغت، فقال لي: أغزوت الديلم؟ قلت: لا، قال غزوت السند؟ قلت: لا، قال: غزوت الروم؟ قلت: لا. قال: فسلم منك الديلم والسند والهند والروم! وليس يسلم «منك» أخوك هذا؟ فلم يعد سفيان إلى ذلك». قلت: فجميل نصح إياس، وأجمل منه انتصاح سفيان، فلقد أخذ بالنصح ولم يستحي فعرف سوء فعله، فانتهى.والأصل في بني آدم الخطأ: روى الإمام مسلم عن أبي أيوب: «أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقاً يذنبون يغفر لهم». وفي رواية له عن أبي هريرة مرفوعاً: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم». لذا فقد قال بعضهم: لا تصاحب من أرادك أن تكون معصوماَ، فهذا ما لا يكون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، رواه ابن ماجه عن أنس وحسنه الألباني.
قاعدة في الأخوة ونبذ الشقاق «1-2»
28 نوفمبر 2014