كتب – جعفر الديري: تعد حكايات ألف ليلة وليلة العربية، واحدة من أعظم وأندر الكتب على مر العصور. ومنذ أن ترجم المستشرق الفرنسي أنطوان جالان «الليالي» إلى الفرنسية العام 1704، وهي محط اهتمام غربي عظيم، تثير شهية الكتاب والشعراء والمسرحيين والباحثين والنقاد على حد سواء. يقول فولتير بهذا الصدد: «لم أصبح قاصاً إلا بعد أن قرأت ألف ليلة وليلة 14 مرة»، وكان ذلك شأن كل من الناقد الفرنسي ستندال، والروائي الفرنسي أناتول فرانس. بينما تؤكد الناقدة الألمانية أردموتة هللر أن حكايات ألف ليلة وليلة أسهمت في خلق الصور الرومانسية الخيالية عن الشرق، إذ حملته معها ونقلته إلى الغرب. وتسنّى للغرب من خلال حكايات شهرزاد اكتشاف الشرق. ولا يوجد مؤلف شرقي (بفتح اللام) أثّر تأثيراً قوياً في الأدب الأوروبي مثل تلك الحكايات الرائعة والجذابة. وبين ليلة وضحاها أصبح هذا الكتاب جزءاً لا يتجزأ من الأدب العالمي تماماً مثل إلياذة هوميروس، وآينيز، وفرجيل، وديكاميرونة، وبوكاتشيو، والملحمة الألمانية القديمة ( nibelungenlied). أما الباحث والناقد الإنجليزي كولريدج فكتب: «إنّ قصص شهرزاد شبيهة بالأحلام، إذ إنها لا تبعدنا عن الواقع ولكنها تعطينا صورة مغايرة له تلك الصورة التي لا يدركها العقل»، فيما أكد الباحث والناقد جون جو لميير أنّ شخصية شهرزاد أثّرت تأثيراً حاسماً في تاريخ المرأة الأوروبية، وجعلت القرن الثامن عشر أعظم القرون في حياتها، وكان لجمالها وثقتها بنفسها، وتصديها وحدها لشهريار الذي عجز كلّ الرجال عن أن يوقفوه، واستخدامها لسلاح الأنوثة والمعرفة معاً، كان لهذا كله أثر كبير في تكوين شخصية المرأة الأوروبية. الأستاذ المساعد بقسم الدراسات العربية والإسلامية - جامعة وارسو د. أحمد نظمي، يعود بهذا الاهتمام إلى ما قبل العام 1704، إلى عصر النهضة، حين بدأ الاهتمام بالشرق ليس فقط من الناحية الفليولوجية والدراسات اللغوية أو الدينية فقط ولكن شمل ذلك كافة مجالات الفكر الإسلامي من فلسفة وعلوم وآداب، مبيناً أن من ضمن كافة فروع الآداب العربية انفردت حكايات ألف ليلة وليلة وقصص كليلة ودمنة والمقامات العربية باهتمام خاص من قبل المستشرقين الأوربيين. وقد تواكب ذلك مع حدوث نهضة في فن المسرح الذي يعد فناً أوروبياً بالأساس. ومع بداية النشاط المسرحي بدأت تخرج في المسرحيات المقدمة شخصيات وعناصر شرقية (عربية وإسلامية) مستوحاة من الفنون الأدبية. وبحسب المستشرق الألماني اينو ليتمان، نستطيع أن نتتبع بداية دخول حكايات ألف ليلة وليلة إلى الأدب الأوروبي مع منتصف القرن الرابع عشر في كتابات جيوفاني سيركامبي (1347-1424) وكذلك في حكاية استولفو وجيوكوندو التي كتبت في أوائل القرن 16 من ضمن 28 حكاية من حكايات أورلاندو فوريوسو. وتكاملت هذه الظاهرة بشكل أوضح منذ القرن السادس عشر وفيما بعد. وتبلور ذلك في مسرح موليير في القرن السابع عشر ، وقد رسم موليير الشخصيات الشرقية في أعماله المسرحية كما يظهر ذلك في عمله « البرجوازي النبيل» ودخلت الملابس الشرقية سواء العربية أو التركية في هذه المسرحيات. ولم تكن أعمال موليير هي فقط المعبرة عن هذه الظاهرة بل تبعه في ذلك مونتسكو في عمله «رسائل فارسية» وفي أعمال فولتير وشاتوبريان وجوستاف فلوبير، الذي لم يستوح فقط الشرق القريب بل عاد بالذاكرة التاريخية إلى أمجاد قرطاجنة كما في قصته «سلامبو».
«ألف ليلة وليلة» كنز أحلام كتاب الغرب
13 ديسمبر 2014