كتب - جعفر الديري: إن لجحا اسماً كبيراً وحضوراً مدهشاً في البحرين. الرجل الذي حفظ الناس حكاياته الحكيمة والظريفة، حظي باهتمام أهل البحرين قديماً وحديثاً. وبعيداً عن أصله ومن أي البلاد هو، صاحب البحرينيون جحا، حتى عدوه واحداً منهم يعيش بين ظهرانيهم، ونسجوا له من القصص، ما يوافق بيئتهم، بل زادوا وأضافوا الكثير من المقالب والمواقف، ما جعله يفوز بالقدح المعلى من الاهتمام والإكبار. أمر مدهش بالفعل أن تعيش شخصية كل هذا البهاء!. لقد استطاعت أن تدخل مجالي التراث والأدب من أوسع الأبواب، وأن تنسخ منها شخصيات شتى، وأن تنسج لها حكايات هي الآن سلوة السمار في مجالسهم، وأداة المعلمين في دروسهم، ومنبع الكتاب في إبداعهم!. عباس محمود العقاد في كتابه «جحا الضاحك المضحك»، يعد شخصية جحا من أهم الشخصيات التاريخية الضاحكة التي أضحكت الناس بنوادرها وذكائها حيناً، وغفلتها حيناً آخر، ورغم حكيه أشهر نوادر جحا وتتبعه لهذه الشخصية عبر التاريخ، يتساءل العقاد: أكانت شخصية حقيقية أم نسجاً من الخيال؟ إلا أن أحمد بن محمد بن عثمان الذهبي يورد في كتابه «سير أعلام النبلاء» «أن جحا هو «أبو الغصن ، صاحب النوادر ، دجين بن ثابت، اليربوعي، البصري. وقيل: هذا آخر. رأى دجين أنساً، وروى عن أسلم، وهشام بن عروة شيئاً يسيراً. وعنه: ابن المبارك، ومسلم بن إبراهيم، وأبو جابر محمد بن عبد «ص: 173» الملك، والأصمعي، وبشر بن محمد السكري، وأبو عمر الحوضي. قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: ما يرويه ليس بمحفوظ. وروي عن ابن معين قال: دجين بن ثابت هو جحا. وخطأ ابن عدي من حكى هذا عن يحيى، وقال: لأنه أعلم بالرجال من أن يقول هذا، والدجين إذا روى عنه ابن المبارك، ووكيع، وعبدالصمد، فهؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا. وأما أحمد الشيرازي، فذكر في «الألقاب» أنه جحا، ثم روى عن مكي بن إبراهيم قال: رأيت جحا الذي يقال فيه: مكذوب عليه، وكان فتى ظريفاً... قال عباد بن صهيب: حدثنا أبو الغصن جحا -وما رأيت أعقل منه- قال كاتبه: لعله كان يمزح أيام الشبيبة، فلما شاخ، أقبل على شأنه، وأخذ عنه المحدثون. وقد قيل: إن جحا المتماجن أصغر من دجين، لأن عثمان بن أبي شيبة لحق جحا، فالله أعلم. وكذلك وهم من قال: إن أبا الغصن ثابت بن قيس المدني هو جحا». والحقيقة أن كل الشعوب وكل الأمم صممت لها (جحا) خاصاً بها بما يتـلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية فيها. ومع أن الأسماء تختلف وشكل الحكايات ربما يختلف أيضاً، ولكن شخصية (جحا) الذكي البارع الذي يدعي الحماقة وحماره لم تتغير وهكذا تجد شخصية نصر الدين خوجه في تركيا، وملا نصر الدين في إيران وكردستان. ومن الشخصيات التي شابهت جحا بالشخصية إلا أنها لم تكن به فنذكر غابروفو بلغاريا المحبوب، وأرتين أرمينيا صاحب اللسان السليط، وآرو يوغسلافيا المغفل.وبعودة بسيطة إلى التاريخ تكتشف أن كل هذه الشخصيات في تلك الأمم قد ولدت واشتهرت في القرون المتأخرة، مما يدل أنها كونت شخصياتها بناء على شخصية دجين العربية الذي سبقهم. بل إنك تجد الطرائف الواردة في كتاب «نوادر جحا» (أي جحا العربي) المذكور في فهرست ابن النديم (377هـ) هي نفسها مستعملة في نوادر الأمم الأخرى ولم يختلف فيها غير أسماء المدن والملوك وتاريخ وقوع الحكاية مما يدل على الأصل العربي لهذه الشخصية.