لم تغب تلك الأيام التي عشتها في سوريا الجريحة بمحافظة إدلب مع مؤسس تجمع شباب الخليج العربي ورفيق الدرب حمود المطيري (رحمه الله) وبعض الزملاء، مع قسوة الظروف المعيشية والأمنية وحلكة ليل وسط أجواء شتاء قارس يكشف عن سخونة أرض تعطشت لدماء الأبرياء، هناك حيث يكمن الظلم ويفتك الإنسان بغيره ممن يعارضه لأجل مصالح شخصية تديرها تحالفات عالمية، فما زالت الصور تجول في المخيلة وأنا أتذكر بلاد الشام التي تزخر بالتراث والتقدم، البلد السياحي الأخضر الذي عاشت عليه عديد من الحضارات على مختلف العصور، بينما آل كثير من آثارها القديمة إلى الدمار الشامل والضياع إلى جانب إبادة كل مظاهر الحياة البشرية.مضت فترة من الزمن لم نعد نسمع أخباراً مفصلة ودائمة عن أحوال السوريين في الداخل والخارج، حالهم لا يختلف عن معاناة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين فلسطين الحبيبة، لكن ما شدني إلى استذكار جزء من رحلتي السابقتين هو خبر وفاة 313 شخصاً بينهم أطفال خلال العام 2014 وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وذلك بسبب نقص المواد الغذائية والطبية في بعض محافظات سوريا نتيجة الحصار الخانق الذي يفرضه النظام السوري على هذه المناطق، ونحن نعرف كم هي رخيصة الأرواح العربية والمسلمة بنظر الغرب مقارنة بروح أحد مواطنيه. رأينا حاجة النازحين إلى لقمة يسدون بها جوعهم وقطرة ماء تروي عطشهم وقطعة قماش تكسو ما تعرى من أجسادهم المتهالكة، وما زاد من وقع الأمر سوءاً أن تصلنا رسائل استغاثة يرتجي فيها الأهالي ولو أقل القليل، إذ تم إيقاف برنامج المساعدات الإغاثية من الدول المشتركة الحدود مع سوريا، وقالوا بأن هذا الإجراء ضروري لتجنب ضخ الأموال إلى برنامج تسليح المنظمات الإرهابية، ونحن نؤيد الخطوات التي تصب في المسار الصحيح لكن دون أن نغفل عن مساعدة المحتاجين وهم كثر، كما أننا لا ننكر بأن البعض قد استغل الأوضاع القائمة واستلام المساعدات وبيعها كدخل إضافي له، فمع الحملات العديدة إلا أنها لا تصل كلها إلى المستحقين من الأسر المحتاجة.وتضيء بارقة أمل بأن تعود الحياة الكريمة للسوري ويعيش بكرامته بعيداً عن الصراعات التي لا طائل منها، مع أن المشوار طويل وقد يأخذ دهراً كي تسترد البلاد جمالها ورونقها المعهود، كما أننا نطمح مع كل أصحاب الضمائر الحية بأن يفتح المجال للثقات فقط في القيام بالحملات، وعبر قنوات رسمية تراقب عمل الأفراد والمنظمات الإغاثية التي تعمل في هذا المجال، فالحال في الداخل شيء يبعث على الأسى والألم في القلب من هول المشاهد والعيون الحائرة التي تنتظر الفرج، بعد أن توجهت الحملات الإغاثية إلى اللاجئين في دول الجوار مثل الأردن وتركيا ولبنان، ناهيك عما يتعرضون له من أذى وغياب للقانون والحقوق في دول ومناطق أخرى. كل ما استطعنا أن نرد على رسالة أبو عبدو مسؤول المخابز من منطقة أرمناز السورية، صاحب المعلومات الثقافية الغزيرة عن وطنه والمرافق للوفد الإغاثي في كل مرة، هو أن نعده بأننا سوف نبذل كل ما في يدنا موقنين بأن قدرة الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وأننا سنضع يدنا بيدهم ونسخر دعاءنا لنصرة المستضعفين بأن يزيل كل مظاهر العنف والحروب التي دمرت الأخضر واليابس، فالإنسان يستحق الحياة في البيئة المناسبة التي يعيش فيها مع أسرته دون أن يخاف على أن يخرج من منزله ولا يكتب له العودة.عبدالله الشاووش
سوريا تشكو الجوع وسط الحصار
30 ديسمبر 2014