عبدالعزيز الدوسري*:في تصريحات لوزير النفط السعودي علي النعيمي ذكر أن هبوط أسعار النفط «مشكلة طارئة، سببها تضافر عدة عوامل في وقت واحد»، واختتم بقوله إنه «متفائل» بشأن ما ستؤول إليه الأمور. إذاً فالوزير السعودي يرفض الفرضيات التي تربط القرارات البترولية بأهداف سياسية، ملقياً باللائمة على الدور السلبي للمضاربين في الأسواق البترولية الدولية والمنتجين من خارج منظمة أوبك. فقد بين النعيمي أن فائض الإنتاج النفطي العالمي يأتي من خارج منظمة أوبك، كروسيا والمكسيك. فبينما تلتزم منظمة أوبك بنظام الحصص الإنتاجية لكل من الدول الأعضاء، وبسقف إنتاج كلي عند 30 مليون برميل/يومياً. نجد تزايد معروض النفط يأتي من خارج المنظمة؛ مما تسبب في تخمة الأسواق وتراجعٍ للأسعار. وفي اجتماعها الأخير، قررت المنظمة إبقاء مستوى الإنتاج كما هو دون تغييره. وتبرر أوبك موقفها أيضاً، بكونها تمثل فقط ما يقارب 35% من إنتاج العالم من النفط الخام، وقال مسؤولون من داخل المنظمة إنه لا يمكن أن تتحمل أوبك لوحدها عبء الحفاظ على مستوى الأسعار في هذه الظروف. بهذا يصبح سعر النفط مرهوناً للعوامل الاقتصادية الأساسية «العرض والطلب».في ظروف مثل هذه، تتسابق الدول المصدرة فيما بينها، بتوفير خصومات على مبيعاتها النفطية، مقابل الحفاظ على زبائنها. وما نشهده من تهاوٍ لسعر برميل النفط إلى مستويات قياسية ما هو إلا نتيجة طبيعية لسياسة الحفاظ على الحصص السوقية. وقد بدأت تظهر أعراض انخفاض المردود المالي من صادرات النفط على الدول المصدرة. والسبب في ذلك أنه ليست جميع الدول المصدرة للنفط تتمتع بنفس المرونة الاقتصادية. فكما هو مبين في الجدول، ميزانية إيران مثلاً بحاجة إلى سعر البرميل عند 130.5 دولار، بينما دولة الكويت بإمكانها تحصيل المردود اللازم للميزانية عند سعر 52.3 دولار للبرميل. وأيضاً بإمكان بعض الدول المصدرة التي تتمتع باحتياطيات كبيرة أن تتحمل انخفاض الأسعار- في المديين القريب والمتوسط عن طريق استعمال بعض الاحتياطيات النقدية لتلبية حاجة الميزانية.إن هذا التباين بين قدرات الدول المصدرة للنفط على تحمّل انخفاض الأسعار قد تجلى حتى في تصريحات رؤساء بعض الدول المتضررة. فقد صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن «انخفاض أسعار النفط ليس مجرد أمر عادي أو اقتصادي، وليس نتيجة للركود العالمي فقط، السبب الرئيس له هو مؤامرة سياسية حاكتها دول بعينها ضد مصالح المنطقة والعالم الإسلامي، وتصب في صالح بعض الدول الأخرى فقط».أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فلم يؤكد أو ينفي نظرية المؤامرة، واكتفى بقوله «إنه من الصعب إثبات أن هناك اتفاقاً بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في سوق الطاقة، لخفض أسعار النفط في الأسواق العالمية».إن توقيت انخفاض الطلب العالمي على النفط ورفض أوبك، وفي مقدمتها السعودية، لخفض الإنتاج يأتي في توقيت حساس، حيث إنها تضع المزيد من الضغوط على إيران في محادثاتها النووية التي تم تمديدها إلى مطلع شهر يونيو المقبل. من الآثار المتوقعة أيضاً الحدّ من تأثير النظام الإيراني إقليمياً، ولاسيما في القضايا الساخنة كسوريا واليمن وغيرهمــــا، فهـل سيصمــد اقتصـــــاد «المقاومة»، ويواصل السير على نفس الخط؟ ولعلّ الوضع الروسي أقل سوءاً من الإيراني، ولكن انخفاض الأسعار يأتي متمماً للعقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، من بعد ما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها، وقامت بدعم المسلحين في شرق أوكرانيا. لعل السعودية لا تستطيع لوحدها أن تتحكم في أسعار النفط صعوداً، بسبب وجود منافسين كثرٍ في السوق. لكنها بالسياسات الحالية تسهم بشكل كبير في خفض الأسعار، وبوجود احتياطيات نقدية كبيرة، تستطيع السعودية أن تتعامل مع انخفاض الأسعار، على المدى المتوسط، بينما ستعاني دول نفطية أخرى.ليست الدول المصدّرة هي فقط المهددة من انخفاض الأسعار، بل حتى الشركات النفطية تشهد تراجعاً في أرباحها، بل وستجد نفسها مضطرة إلى إيقاف أو إلغاء المشاريع النفطية ذات الكلفة الإنتاجية العالية. فمعدلات الزيادة في عمليات حفر آبار النفط الصخري الأمريكي بدأت تتراجع؛ حيث تقوم الشركات بالتركيز على الآبار المنخفضة الكلفة وإيقاف الاستثمار في الآبار المكلفة. وأعلنت أيضاً شركات بريطانية تعمل في حقول بحر الشمال أنه في حال بقاء الأسعار منخفضة على هذا النحو، فإن كثيراً من الآبار سوف تكون خاسرة أو على الأقل غير مربحة. ونتيجة لذلك فستجد الشركات البريطانية نفسها مرغمة على أن تخفّض ميزانياتها للعام المقبل، وأن تضع خططاً لتقليل الكادر العمّالي أيضاً. وينطبق هذا الوضع أيضاً على كثير من المشاريع ذات الكلفة العالية في دول أخرى.فهو إذاً صراع بين المنتجين؛ للعمل تحت كفاءة عالية، والمنتج الأقل كفاءة أو عديم الكفاءة عليه أن يستسلم ويترك السوق للأكفأ. هذه هي الواقعية العملية التي تتعامل بها منظمة أوبك مع أسواق النفط. فإن كان للمنتجين من خارج المنظمة رأي آخر حول الإنتاج فلا أقل من توافق جماعي، يتحمل فيه الجميع مسؤولية خفض الإنتاج. أو أن تستمر الأمور على ما هي عليه، ويكون البقاء لمن يستطيع التحمل أكثر. وبعد هذا كله، فلا غرابة إذاً من قيام منظمة أوبك، بقيادة السعودية ومعها دول الخليج، بانتهاج سياسة ظاهرها السلبية المتعمدة تجاه تدهور الأسعار، بينما هي في حقيقتها صراع شديد على الحصص السوقية العالمية.*باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات)