بقلم - د. أشرف محمد كشك* :يخطئ من يظن بأن تطور العلاقات الخليجية - المصرية عامة ومع دولة الكويت على نحو خاص، هو نتيجة متغيرات آنية، بل هو استمرار لمواقف مبدئية للجانبين سجلها التاريخ ابتداءً برفض مصر القاطع لتهديدات عبدالكريم قاسم للكويت، ولسيادتها عام 1961، ومروراً بدور دول الخليج والكويت إبان حربي 1967 و1973، فضلاً عن الخبرة المصرية خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، ووصولاً إلى موقف مصر المبدئي الرافض للغزو العراقي للكويت عام 1990، والإصرار على عودة الشرعية، وهو ما تمثل في إسهام القوات المصرية ضمن قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت عام 1991، ناهيك عن حجم المصالح الاقتصادية المشتركة بين الجانبين، حيث تحتل الكويت المرتبة الثالثة عربياً في حجم الاستثمارات في مصر بنسبة 25% من حجم تلك الاستثمارات، من خلال 500 شركة كويتية تعمل في مصر، وتقدر بعض الدراسات حجم التبادل التجاري بين الجانبين بنحو 14 مليار دولار. وتأسيساً على ذلك لم تكن الزيارة التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدولة الكويت خلال يومي الخامس والسادس من يناير 2015 مجرد زيارة عادية، بل اكتسبت أهمية بالغة سواء من حيث توقيتها أو ما أسفرت عنه من نتائج تعزز ليس فقط من العلاقات المصرية الكويتية بل مجمل قضايا دول مجلس التعاون على المستويات كافة، ومعادلة الأمن الإقليمي الجديدة الآخذة في التشكل ضمن الحوار الغربي - الإيراني وما قد يسفر عنه من نتائج.فعلى صعيد التوقيت جاءت تلك الزيارة قبل ثلاثة أحداث مهمة، أولهـــــا: الانتخابــــات البرلمانيـــــة المصرية التي يتوقع أن تجرى في مصر خلال الأشهر الأولى من العام الجاري ضمن خارطة الطريق التي تم الإعلان عنها في الثلاثين يونيو 2013، وثانيها: القمة الاقتصادية المقرر عقدها في مصر في 13 مارس القادم بمدينة شرم الشيخ، وستشارك فيها دول الخليج، على المستويين الرسمي وغير الرسمي، والثالث: جهود المصالحة المصرية - القطرية والتي كان للكويت فيها دور مهم.تلك الأحداث التي قد تبدو منفصلة بيد أنها متصلة، فقد لخصها الرئيس المصري في عبارة موجزة «بأن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري»، مبدياً «استعداد مصر لحماية أمن الخليج»، ويعكس ذلك التصريح إدراكاً مصرياً بأن أمن الدول العربية كل لا يتجزأ كأمر حتمي لم تفرضه صيرورة الأحداث الداخلية في مصر فحسب وإنما تحولات الوضع الإقليمي ومجملها أن مفهوم الدولة الوطنية الموحدة يواجه تحدي الوجود ذاته في ظل نمو دور الكيانات دون الدول، فضلاً عن تغير سياسات بعض القوى الدولية تجاه المنطقة، الأمر الذي أكد لدى كل من مصر ودول الخليج بما لا يدع مجالاً للشك أن الاتفاق على آليات مشتركة لمواجهة تلك التحديات لم يعد خياراً بقدر ما هو ضرورة ملحة، وخاصة ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود والتي تنذر بمعركة طويلة المدى وتحتاج ربما لآليات عربية لمواجهتها تتوازى مع نظيرتها الدولية. من ناحية أخرى، فإنه إذا كان الأمن الإقليمي هو حاصل جمع الوحدات المكونة له، فإنه بقدر ما تكون قوة تلك الوحدات بقدر ما تكون قوة ذلك الأمن، ومن ثم فإن الدعم الخليجي الواضح لمصر على المستويات السياسية والاقتصادية يعكس توجهاً خليجياً مؤداه أهمية دعم بناء الدول العربية المحورية التي تمثل «رافعة» للأمن الإقليمي والتي ظن أطراف إقليمية ودولية أن انحسار دور تلك الدول بعد تحولات عام 2011 يعني انتهاء وضعيتها كقوة إقليمية. وبرأيي أنه يمكن استثمار حالة التقارب الخليجي المصري الراهنة لوضع فكرة «مأسسة» العلاقــات بين الجانبين موضوع التطبيق، حتى لا تكون تلك العلاقات مرتهنة بتطورات الأحداث، ولا أجافي الواقع بأنه من الصعوبة بمكان الحديث عن انضمام مصر لمجلس التعاون، وذلك بالنظر إلى ميثاق المجلس الذي نشأ جامعاً مانعاً، بيد أن هناك صيغ أخرى يمكن التفكير فيها بشأن العلاقة بين المنظمات الإقليمية الفرعية ودول ليست عضواً فيها، وفي بؤرة تلك المقترحات يبرز المجال الدفاعي، ومن ذلك إمكانية تنظيم مناورات عسكرية مشتركة بين الجانبين بشكل دوري، والتي كانت بدايتها خلال عام 2014 وشاركت فيها القوات المسلحة المصرية مع نظيرتها في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين، وهو ما يحقق مفهوم الردع ومن ثم توازن القوى الإقليمي. أيضاً على المستوى السياسي يمكن التفكير في تأسيس منتدى استراتيجي خليجي - مصري عقد بشكل سنوي لبحث مستجدات الأمن الإقليمي، واقتصادياً يتعين إنهــــاء المعوقـــــات أمـــام تدفـــق الاستثمارات الخليجية إلى مصر، وبخاصة أنه بعد انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى ما دون الخمسين دولاراً فإن أحد خيارات دول الخليج هو تنويع مصادر الدخل سواء بتعزيز التبادل التجاري، وهو ما يمكن أن تسهم فيه مصر التي تمثل سوقاً واعدة لدول الخليج، أو النهوض ببعض الصناعات المحلية في دول الخليج من خلال الاستعانة بالخبرات البشرية المصرية في هذا الشأن.ومع التسليم بما سبق وأهمية الجهود الرسمية في دعم أواصر العلاقات بين الجانبين، وفي ظل إشارة بعض المصادر أن هناك ترتيب لزيارة أخرى للرئيس السيسي سوف تشمل عدة دول خليجية، فإنه لابد وأن يتوازى معها جهود غير رسمية، ومنها دور مراكز الفكر الاستراتيجي والجامعات وجمعيات الصداقة لتحفيز الوعي المجتمعي بأهمية تطوير تلك العلاقات في الوقت الراهن، وآفاقها المستقبلية، بالإضافة إلى أهمية تغيير الصورة النمطية لدى كل جانب عن الآخر، وتلك مهمة وسائل الإعلام بالدرجة الأولى. * باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة