بقلم - د. خالد الشنو:ذات مرة، ونحن في السيارة، فاجأتني ابنتي الصغيرة وهي تردد بكل ثقة وجدية:أمي، أبي، معلمي، معلمتي:ليس اليتيم من انتهى أبواه منهم الحيـــــاة، وخلفاه ذليلاإن اليتيــم هو الذي تلقــــى لهأما تخلت، أو أباً مشغولا!التفتت زوجتي إليها، وهي مندهشة مما سمعت! وهي تتساءل في نفسها: ألهذه الدرجة قصرت مع ابنتي الصغيرة، لتقول هذا الكلمات الكبيرة؟!أحبتي الكرام، جميل ورائع أن يعلن الآباء والأمهات حالة الطوارئ في أيام الامتحانات، فيهتموا بمذاكرة دروس أبنائهم وبناتهم، ويهيئوا لهم الجو المناسب للدراسة من الهدوء والغذاء الجيد والنوم الكافي وأدوات القرطاسية والدروس الخصوصية!لكن الأجمل والأروع أن يكون الاهتمام منصباً مثلاً بمثل على ديانة، وأخلاق، ونوعية صحبة الأبناء والبنات، بل هذه الأمور هي مربط الفرس، والاستثمار التربوي الحقيقي، ورأس المال الباقي لهم أثناء حياتنا وبعد وفاتنا!نركز أحياناً في تربيتنا لأولادنا على القالب، ونغفل عن القلب!نسائلهم بشدة: هل ذاكرت دروسك؟!، ونغفل عن السؤال المصيري: هل صليت الفرض الفلاني؟!نسعد جداً بل ونكافئهم -وهذا حقهم- إن حصدوا الدرجات العليا في مادة العلوم أو الحساب! ولا نكترث إذا قصروا في العبادات أو كانت أعمالهم صفراً في ميزان يوم الحساب!نحرص أشد الحرص على فتح حساب توفير ندخر فيه لأولادنا مبالغ تنفعهم للدراسة أو الزواج أو مستقبلهم المشرق، ونفرط في فتح حساب أخروي ندخر فيه أعمالاً صالحة تنفعهم! قال الله تعالى: «يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم».لا غرابة في توفير دروس خصوصية لأولادنا لدراسة المواد غير السهلة، لكن الغرابة في الأمية الثقافية الدينية لدى بعض أولادنا، حين يجهل بعضهم كيفية غسل الجنابة وعمره تجاوز الـ15 سنة! أو لا يحفظ من القرآن إلا سور الإخلاص والفلق والناس وسورة الفاتحة التي يلحن فيها لـحنا يفوق اللحن الجلي! أو يجهل أبجديات السيرة النبوية، وأساسيات الآداب والدين!أصبحت أهداف بعض الآباء أن يكون ابنه الأول على الصف أو المدرسة أو الجامعة، أو تكون ابنته طبيبة أو مهندسة أو محامية، وهي أهداف نبيلة تتماشى مع الهدي القرآني، قال الله تعالى «يا يحيى خذ الكتاب بقوة»، ولكن ما جدوى تحقق الأهداف النبيلة هذه مع إهمال ديانة الأولاد وهويتهم العربية والإسلامية، فيصبح كمن قال الله فيه «واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين».لعلكم تتفقون معي على ضرورة تفريغ أوقاتنا وجهدنا -ولو كان قليلاً ولكنه دائم- للاهتمام بفلذات أكبادنا، ليس في الدراسة فحسب، بل ليحوزوا الدرجات العلى في امتحان الدنيا، وامتحان الآخرة وهو المحك.أخيراً.. أتدرون من نجح وفاز؟! قال الله تعالى: «فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز».بالمناسبة، حفظت ابنتي الصغيرة الشعر السابق من إحدى الإذاعات دون معرفة معناه، فقامت بترديده تقليداً والحمد لله!