كتب - جعفر الديري: كان تاريخ البحرين منذ فجر الخليقة؛ مشبعاً بطاقة الحلم والرغبة بالسلام والتسامح وحب الآخرين وإفساح المجال طواعية لهم في العيش والتفكير وممارسة الطقوس والمعتقدات ما جعل البحرين بلد الثقافات واللغات والعقائد والديانات.ذلك ما يؤكد عليه الناقد والأكاديمي البحريني د.علوي الهاشمي، مشيراً إلى أنه في البحرين تربة صالحة لاستزراع أو تخلق بذرة الحرية في البحرين. ما جعل الإنسان في البحرين ديمقراطياً بطبعه. لا يحب القمع أو الاستبداد بل نراه على طول خط التاريخ وخصوصاً الحديث منه والمعاصر. فنراه مهيأ لاستقبال رياح التغيير والمطالبة عبر مختلف الحركات الوطنية بالحرية والديمقراطية منذ فجر القرن الماضي بل قبل ذلك بزمن طويل.د.الهاشمي يذكر في كتابه «التفكير الحضاري في البحرين في ضوء أشكال العلاقة بين الواقع والمثال»، أن سكان القرى في البحرين كانوا يتمتعون بقسط وافر من الحكم الذاتي والديمقراطية المباشرة حين ينتخبون شيوخ قراهم البالغ عددها 330 ليدير كل شيخ قريته أو مدينته. وكانوا يدفعون الضرائب إلى الحاكم آل مذكور. طالما أن هؤلاء الحكام يتركون سكان هذه القرى يحكمون أنفسهم. فهو وضع قديم مضى عليه أكثر من 200 و240 عاماً. فيعكس طبع الإنسان البحريني وهو أنه بسبب تقاطعاته التي يعيشها في وسط البحر ومرور الناس عليه من الشمال والجنوب والشرق والغرب تعلم خاصية حب الحرية لأنك لا تستطيع أن تتعامل مع كل الكتل البشرية المتقاطعة عليك إلا بوعي واسع ورغبة في التحرر من أشياء كثيرة. تقوم أنت بسجن نفسك فيها. ويضيف د.الهاشمي: لا نشك لحظة في أن الإنسان في البحرين قد ورث كل ذلك من تراثه العظيم المختزن في ذاكرته التاريخية القريبة والبعيدة وخصوصاً قصة الطوفان الأعظم وملحمة جلجامش ملك أورك، الذي ظل يبحث عن زهرة الخلود ولم يجدها إلا في البحرين أو دلمون القديمة أرض الخلود. وقد كان ذلك مثار بحث طويل بالنسبة إلي إذ اقتنعت أخيراً بأننا طالما أغرينا ملكاً من الملوك لم يكن يحلم بغزو ولا بفتح ولا باستعمار ولا بسيطرة وإنما يحلم بالحياة التي يخلد بها. وحين يفكر باقتناص هذه العشبة أو اقتطافها لا يجدها إلا في البحرين. فلا يمكن أن ننسى ما يمكن أن تنطوي عليه زهرة الخلود من رحيق الحرية الفواح في الرغبة في الانعتاق من قوانين الزمان والمكان والتاريخ والجغرافيا. لكي تصير الحياة ديمومة متصلة في جنة لا حدود لها. ولأن كان دخول جنة الخلود لا يتم إلا عبر بوابة الموت ­بالنسبة لأسطورة الخلود ­وهذا شيء طبيعي ومفهوم، فإن هناك مرحلة تسبق حياة الموت يقوم فيها الإنسان بالإعداد والتدرب على حريته المطلقة بوجوه كثيرة من الحريات النسبية والرغبة في معرفة الخلود وتذوق رحيق الجنة في الحياة قبل الموت.