بقلم - يوسف صلاح الدين:ترتبط أغلب المدن بأحداث وأحقاب تاريخية تميزها عن باقى المدن، ومدينة المنامة إحدى هذه المدن؛ فقد تم اختيارها لتكون عاصمة مملكة البحرين فى مايو 1923، وهى فترة زمنية قصيرة فى تاريخ العواصم، الا أن هناك كثيرا من العوامل أهلتها لذلك، فهى عريقة وغنية بالأحداث التاريخية والحضارية، ولها تراث اجتماعي وإنساني واقتصادي يقارب السبعمائة عاما، وتميزت بأنها مدينة الريادة في مجالات عدة في مملكة البحرين ودول المنطقة، فقد كان لها السبق بأخذ كثير من الأمور الأمنية والتنظيمية والحضارية والمعيشية التى تميزت بها العواصم المتقدمة، مما ساهم فى تمركز أغلب الحرف التجارية والصناعية فيها وجعلها مسكنا لكثير من العوائل الكريمة. ذكرت مدينة المنامة من قبل عدة رحالة، وذكرت فى وثائق فارسية فى سنة 1348م، وفى وثائق عثمانية فى سنة 1540م. ومن الأمور المنطقية أن تكون المنامة موجودة قبل تلك الفترة، وهناك اعتقاد بأن بداية تكوينها كان فى المنطقة المعروفة حاليا بالمنامة القديمة، وهي محصورة بين أربعة شوارع معروفة الآن باسم: الخليفة، وباب البحرين، والشيخ عبدالله، والشيخ عيسى. وهناك أقوال بأنها كانت تمتد أبعد من ذلك.سمعت فى صغرى من جدى الحاج أحمد بن حسن إبراهيم رحمه الله بأنه سمع فى صغره بأن مدينة المنامة القديمة كانت محدودة المساحة ولها سور وأن كثيرا من المناطق المعروفة حاليا مثل مناطق النعيم والقضيبية والحورة كانت خارج السور، وأنه شاهد فى صغره أثناء ذهابه إلى مدرسة الارسالية الامريكية فى بداية القرن الماضى أطلال سور متهالك قد تكون من بقايا سور المنامة بالقرب من جامع الفاروق الحالي، ولكنه لا يجزم بذلك.وهناك روايات عدة ومختلفة عن أصل تسمية مدينة المنامة لا مجال لذكرها فى هذا المقال، ولكن لابد من ذكر بعض العوامل باختصار ساهمت فى بروز مدينة المنامة منها:فتح الحكومة الهندية البريطانية مكتب بريد فى أغسطس 1884، وتمديد كابل بحرى لإرسال واستقبال البرقيات، وإنشاء محجر صحي، ووصول المبشر صمويل زويمر إلى البحرين وفتح أول عيادة طبية حديثة نسبيا، وتطورت بعد ذلك إلى انشاء المستشفى الأمريكى فى سنة 1902، وإنشاء الإدارة البريطانية مستشفى فيكتوريا التذكاري فى سنة 1900، وإنشاء حكومة البحرين عيادة طبية للشرطة فى سنة 1932، وتحولها بعد ذلك الى مستشفى النعيم فى سنة 1937، وإنشاء أول مستشفى للنساء فى سنة 1941، وقيام المغفور لها بأذن الله صاحبة السمو الشيخة عائشة بنت راشد آل خليفة حرم المغفور له بأذن الله صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى بن على آل خليفة حاكم البحرين فى ذلك الوقت بافتتاحه بحضور فعاليات نسائية بحرينية، كما أن وجود مدارس تدار من بعض المطاوعة فى منتصف القرن التاسع عشر لتعليم القران الكريم ومدارس معدودة لتعليم الحساب ومسك الدفاتر بإشراف بعض المدرسين ساهم فى تميز مدينة المنامة خاصة بعد إنشاء أول مدرسة نظامية خاصة لتعليم البنات، وهى مدرسة شجرة البلوط فى سنة 1899، وبعدها بثلاث سنوات تم انشاء أول مدرسة نظامية خاصة لتعليم الأولاد من قبل الإرسالية الأمريكية، وبعدها بدأت بعض المدارس الأهلية مثل مدرسة العجم فى سنة 1914، ومدرسة الهداية الخليفية فى سنة 1921 بعد سنتين من فتح مدرسة الهداية الخليفية للاولاد فى المحرق والمدرسة المباركية فى سنة 1925، ومدارس أخرى ساهمت فى تخريج كثير من العلماء والمدرسين والوجهاء والتجار ورجال الأعمال والموظفين فى بداية القرن الماضى.وقام صاحب السمو المغفور له بأذن الله الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البلاد فى ذلك الوقت وبتبرعات من بعض كبار التجار بإنشاء رصيف بحري في سنة 1901، وطور فى سنة 1912، ليكون فرضة المنامة (ميناء)، وأسست أول بلدية في المنطقة، وثالث بلدية في العالم العربي فى سنة 1919، وقامت بإصدار كثير من التشريعات والتنظيمات، وتأسست دائرة للشرطة فى سنة 1921، ونقل المكتب السياسي البريطانى للخليج من مدينة بوشهر إلى مدينة المنامة، ونزول الطائرات فى منطقة العدلية قبل انتقالها الى مدينة المحرق، كما أن اكتشاف النفط ساهم فى أن تكون مدينة المنامة مقرا لكثير من الشركات العالمية العاملة فى المنطقة. ومن هذا المنطلق الهام لتاريخ مدينة المنامة قام صاحب السعادة الشيخ هشام بن عبدالرحمن بن محمد ال خليفة محافظ محافظة العاصمة بالمبادرة مشكورا بدعوة المواطنين والمقيمين إلى التواصل مع المحافظة والمساهمة فى تدوين وتوثيق معالم العاصمة مبدئيا بالصور الفوتوغرافية، خاصة النادرة وغير المتداولة لعرضها فى أماكن يتم اختيارها لاحقا لتكون مرجعا للمواطنين والمقيمين والزوار وطلاب المدارس والمعاهد والجامعات والباحثين.وانا بدورى أود أن أحث المواطنين والمقيمين على إرسال صور الأماكن والمعالم لمدينة المنامة، وتدوين وتوثيق الأحداث والوقائع حفظا لها من الضياع أو النسيان ولتكون مرجعا للأجيال القادمة وتكون ملهمة لهم فى حياتهم المقبلة.ومهما قلت عن مدينة المنامة فإنى لا استطيع أن أعطيها حقها فقد أسكنها الحب قلبى وروحى وأستهوت والهمت قلوب وعقول ساكنيها وزوارها ومحبيها وفى الختام أقول كما قال الشاعر وبتصرف:ولقــد وردنـا مـن (المنامة) منهـلاعذبــــا تدفــــق جانبــــاه سخــــاءعلماؤها رمــز الفضيلــة والنهــىقــــد دعمــــوا بربوعهـــا السمحــاء