خلص تقرير متخصص إلى أن أهمية ميثاق العمل الوطني لا تنبع فقط من كونه أسس لدولة عصرية حديثة تضاهي الديمقراطيات العالمية، بل كونه وثيقة وطنية نبعت من قلب المجتمع، وكتبت بيد أبنائه، ما جعله أكثر تعبيراً عن المواطن البحريني وتطلعاته وأكثر تعبيراً عن المجتمع ومتطلباته وكيفية تطويره، مشيراً إلى أن «رؤية صاحب الجلالة الملك المفدى كانت أن استيراد أي مشروع خارجي سيكون مصيره الفشل وأن المشروع الإصلاحي الناجح هو ما ينبع من ضمير الشعب وداخله وقد كان».وقال التقرير الذي بثته وكالة أنباء البحرين «بنا» أمس إن «ما تحقق من تطور سياسي كبير -شهد به العالم أجمع- وفي هذه المدة القصيرة يؤكد العزم من لدن صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى على استمرار مسيرة الإصلاح والتطوير وعدم توقفها على أن تسير وفق خطى مدروسة وبنهج وطني خالص يدرك حاجات المجتمع ومتطلباته ويسعى لتحقيق آماله وتطلعاته».وأضاف أن «يوم الرابع عشر من فبراير عام 2001 لم يكن يوماً عادياً في تاريخ البحرين الحديث، ففي هذا اليوم المجيد من أيام المملكة تم التصويت على ميثاق العمل الوطني، حيث خرج الشعب ملبياً لنداء جلالة الملك المفدى، فكانت مشاهد في حب الوطن سجلها التاريخ بأحرف من نور، وكانت النتيجة النهائية للتصويت علامة فارقة أكدت على إيمان الشعب العميق بأن مليكه المفدى بمشروعه الإصلاحي الكبير سينتقل بالبحرين إلى مرحلة جديدة من التطور والتحديث لم يسبق لها مثيل، فكان التصويت بنسبة %98.4.وتحتفل مملكة البحرين هذا العام بالذكرى الرابعة عشرة للتصويت على الميثاق وهي في زهو وفخر بما تحقق من إنجازات على كافة المستويات كان الركيزة فيها ميثاق العمل الوطني، باعتباره الأساس المتين لمشروع جلالة الملك الإصلاحي، والقاعدة التي بنيت عليها الإصلاحات المتوالية والكبيرة التي قادها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى.بداية يجب التأكيد على حقيقة مهمة ألا وهي أن الميثاق لا تنبع أهميته فقط من كونه قد أسس لدولة عصرية حديثة تضاهي الديمقراطيات العالمية، ولكن ـوهذا الأهمـ فإنه وثيقة وطنية نبعت من قلب هذا المجتمع، وكتبت بيد أبنائه، مما جعله أكثر تعبيراً عن المواطن البحريني وتطلعاته وأكثر تعبيراً عن المجتمع ومتطلباته وكيفية تطويره.. وكانت هذه هي رؤية صاحب الجلالة الملك المفدى حيث رأى جلالته أن استيراد أي مشروع خارجي سيكون مصيره الفشل وأن المشروع الإصلاحي الناجح هو ما ينبع من ضمير الشعب وداخله وقد كان.ومنذ تولي جلالته الأمانة عام 1999 وحتى إعداد الميثاق كان هناك عمل وجهد كبير شاركت فيه القيادة الرشيدة والقوى الوطنية ورجال الدولة للخروج بميثاق العمل الوطني كوثيقة متكاملة للإصلاح.إن الإنجازات التي تحققت خلال أربعة عشر عاماً من عمر الميثاق متعددة ومتفرعة وتشمل جميع المجالات، وسيتطرق التقرير للإصلاح السياسي في المملكة منذ إقرار الميثاق والذي اختطه الملك باعتبار الإصلاح السياسي ركناً أساسياً مرسخاً للحكم الصالح، وهو تجديد للحياة السياسية، وتصحيح لمساراتها، ولصيغها الدستورية والقانونية، وكان أبرز مظاهره سيادة القانون والشفافية والمشاركة الشعبية والعدل وفعالية الإنجاز وكفاءة الإدارة والمحاسبة والمسائلة والرؤية الاستراتيجية.إن أبرز المحطات التي تلت إقرار الميثاق هي التعديلات الدستورية التي وضعت بنود ميثاق العمل الوطني موضع التنفيذ فكان ذلك إيذاناً بدخول المملكة مرحلة جديدة من الإصلاح والتطوير، فلم يكن للمبادئ التي وردت في الميثاق أن ترى النور إلا بإدخالها في النص التشريعي، كما تم إزالة أو تعديل كل القوانين التي تخالف مبادئ وتوجيهات الميثاق.المشاركـة الشعبيـة أحـد أهم مكتسبات الإصلاح السياسيإن ميثاق العمل الوطني أسس لدولة عصرية تقوم على المشاركة الشعبية، ولذلك كان من أبرز التعديلات التي جرت على الدستور البحريني إنشاء مجلس وطني بغرفتيه النواب والشورى يكون ممثلا للشعب على أن يكون المجلس الأول بالانتخاب، مما أتاح للمواطن حق اختيار ممثله في مجلس النواب كل أربع سنوات، وبالتالي جعل المواطن رقيباً على عمل النائب الذي يمثله وهذا يعد أيضاً أحد أوجه المشاركة السياسية للمواطن حيث يتفاعل بشكل مستمر مع عمل مجلس النواب ويكون على اطلاع دائم بالموضوعات التي يبحثها والتي تؤثر بشكل مباشر عليه.وقد جرت الانتخابات النيابية الأولى في أكتوبر عام 2002 وفقاً للدستور الجديد وتم تأسيس أول سلطة تشريعية وفقاً لميثاق العمل الوطني والدستور فكانت البداية الحقيقية لفصل جديد من فصول المجد للمملكة بمشاركة أبنائها في البناء السياسي للوطن، فأعطت للسلطة التشريعية الحق في التشريع والرقابة على عمل الحكومة، كما تم إنشاء مجالس بلدية بالانتخاب المباشر من جانب المواطنين. واستمرت التجربة تنطلق عاماً بعد عام وفصلاً تشريعياً بعد آخر في نجاح لم يعقه أي معوق بل قدم جلالة الملك كل الدعم والمساندة للسلطة التشريعية للقيام بدورها خير قيام، فأكمل المجلس الوطني دوراته الثلاث السابقة وسط تعاون كبير مع الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وبدعم ومساندة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء نائب القائد الأعلى.ودعا جلالة الملك -وفقاً للتدرج الذي اختطه المشروع الإصلاحي- إلى حوار التوافق الوطني عام 2011 حيث كان هناك الشق السياسي من الحوار والذي انتهى إلى إصلاحات كبيرة شملت تدعيم السلطة التشريعية وقد شاهدنا أحدث فصولها مؤخراً في عرض برنامج عمل الحكومة على مجلس النواب وإقراره في تعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية تحقيقاً لرؤية ميثاق العمل الوطني بالشراكة السياسية الدستورية بين الشعب ممثلاً بنوابه والحكومة، وصبت أبرز مخرجات الحوار الوطني في شقه السياسي في صالح تدعيم السلطة التشريعية لتكون شريكاً مسؤولاً مع السلطة التنفيذية ودعم الشفافية وسيادة القانون والفصل بين السلطات.حماية الحقوق والحرياتوضع الدستور أساساً راسخاً لحماية الحقوق والحريات؛ حيث تنص المادة (4) منه على أن «العدل أساس الحكم، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة»، كما تنص المادة (31) على «ألا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية»، وهي الحريات التي تضمنها البابان الثاني والثالث، بالإضافة إلى الحرية الشخصية، وحرية الضمير وحرمة دور العبادة وممارسة الشعائر الدينية، وحرية الرأي والصحافة، واحترام الأسرة وحقوق المرأة، وهو ما يأتي في إطار المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة المواطنين وفق ما نصت المادة (18) التي أكدت على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».وعززت البحرين من هذه الالتزامات الدستورية لحماية الحريات بتصديقها على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 2006، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية عام 2007.وأطلقت المملكة حرية التعبير، بحيث أصبحت الساحة السياسية والإعلامية مفتوحة لكل الآراء. هذا بالإضافة إلى تعزيز مكانة مؤسسات المجتمع المدني ودعم جلالة الملك المستمر للجهود الأهلية، ليعلن جلالة الملك بأنه «لا سجون ولا معتقلات سياسية في البحرين ولا محكمة لأمن الدولة ولا لاجئون في الخارج ولا قيود على حرية الاجتماع والتعبير وفق القانون»، وأن «عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء فنحن جميعًا حماة الديمقراطية».واستمر المشروع الإصلاحي في تطوره بهدى من ميثاق العمل الوطني، فكان السماح للجمعيات السياسية بالعمل وفق أطر قانونية تنظم العمل السياسي وتضعه في إطاره المشروع، فباعتبار العمل السياسي عمل يختلف عن العمل الأهلي والخيري تم فصل هذه الجمعيات عن الجمعيات الأهلية وخصها بقانون ينظم شؤونها هو قانون الجمعيات السياسية لعام 2006 والذي يعتبر قانوناً متقدماً على مستوى المنطقة لا مثيل له يؤطر العمر السياسي.وكان الإعلام هو أحد أكبر المستفيدين من التوجه الملكي الإصلاحي باتجاه إطلاق حريات الرأي والتعبير، وهو ما انعكس في زيادة عدد الصحف، كما شهدت السنوات السابقة إطلاق قنوات تلفزيونية وإذاعية جديدة.تمكين المرأة سياسياًكان الخطاب الذي ألقاه عاهل البلاد المفدى بمناسبة العيد الوطني عام 2001، والذي أعلن فيه أن «دخول المرأة العملية السياسية، يمثل عامل استقرار وتوازن بحكم طبيعتها المسؤولة في الأسرة والمجتمع» - بمثابة إعلان عن بدء مرحلة جديدة بحصول المرأة على حقوقها السياسية.ومثل الدستور نقلة نوعية في دور المرأة ومشاركتها في الحياة العامة، حيث جاء متضمناً نصاً نوعياً بإقرار حق المشاركة السياسية للمرأة والرجل، وهو الدستور العربي الوحيد الذي اشتمل على مثل هذا النص. كما تضمن نصوصاً تقر تمتع المرأة بالحقوق السياسية عامة. وقد مهد ذلك لاحتلال المرأة أرفع المناصب ومنها موقعها كوزيرة وسفيرة وقاضية وبرلمانية...ومن أجل إرساء البعد المؤسسي الضامن لحقوق المرأة، أصدر الملك الأمر رقم (44) لسنة 2001 بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة، الذي ترأسه صاحبة السمو الملكي الأميرة «سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة»، ويختص بكل ما يتعلق بقضايا المرأة، من حيث اقتراح السياسة العامة في مجال تنمية وتطوير شؤون المرأة في مؤسسات المجتمع الدستورية والمدنية، وتمكينها من أداء دورها في الحياة العامة وإدماج جهودها في برامج التنمية الشاملة مع الحفاظ على عدم التمييز ضدها. وقام المجلس بتدشين الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة كما قام باعتماد الخطة الوطنية لتنفيذ تلك الاستراتيجية.وانضمت المملكة في عام 2002 إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو»، ومنذ بداية المشروع الإصلاحي تضاعف اطراداً عدد الجمعيات النسائية حتى وصلت إلى 18 جمعية عام 2004 ثم أكثر من 20 جمعية عام 2014.