كتب - إبراهيم الزياني:لم يكن اختلاف طلبة حول دافعهم للعمل رغم انتظامهم بالدراسة بين «الحاجة المادية» التي يلجأ إليها الطالب مرغماً لتأمين مصرفه الشخصي، و«اكتساب الخبرة» التي يسعى إليها طلبة طائعين لصقل معلوماتهم النظرية بمهارات تطبيقية، كافياً لثنيهم عن الإجماع حول «صعوبة التوفيق بين العمل والدراسة» أياً كان هدفها، فيما نأى خبر بآرائهم عن الطلبة ليؤكدوا أن الدافع الأول لا هذا ولا ذاك بل «طموح ترف نحو الاستقلالية».وإذا كان لا يختلف اثنان على أهمية العلم والعمل، بعد أن أصبحت الشهادات التعليمية ضرورة ملحة تسهل إيجاد وظائف عمل مناسبة وبعض الأحيان «الزواج المناسب» بحسب أحد الطلبة، في وقت لا تقل الخبرة العملية أهمية عن نظيرتها العلمية، إذ تضع معظم المؤسسات والشركات، الخبرة كشرط رئيس لقبول المتقدم للوظيفة.ويبدو أن الجواب عن «ما هو الأهم؟»، أدخل الكثيرين في جدلية طويلة، عقدت عليها مناظرات ومناقشات عديدة، فالفريق العلمي، يرى أن صاحب الشهادة أسرع في اكتساب الخبرة، ويملك من الأساس العلمي ما يجعله أقدر على الإبداع، فيما يعتبر الفريق العملي، أن الخبرة لا يمكن أن تكتسب بالجانب النظري، بل تحتاج إلى النزول للميدان وخوض التجارب والوقوع في مشاكل وأخطاء.ورغم أهمية الشهادات العلمية، يصطدم الشاب بشرط سنوات الخبرة العملية عند التوظيف، ويبقى تساؤلهم الوحيد «إذا كانت كل المؤسسات تطلب شهادة خبرة عند التوظيف، فمن أين نكتسب تلك الخبرة إذا كانت تلك المؤسسات ترفضنا؟».ويعتقد البعض أن عائق شرط الخبرة، الدافع الرئيس والوحيد لجمع الشباب بين الدراسة والعمل، إلا أن استبياناً لـ«الوطن» أظهر أسباباً أخرى ليس آخرها «الحاجة المادية».أحمد يوسف طالب جامعي في كلية تقنية المعلومات بجامعة البحرين، وموظف في إحدى شركات الاتصال، يقول إن «الدمج بين العمل والدراسة صعب ومتعب، إذ أجد صعوبة في التوفيق بين الاثنين، فدائماً ما أجد نفسي مقصراً في أحد الجانبين».ويرجع يوسف أسباب استمرار عمله رغم الصعوبة التي يواجهها، إلى «التخفيف من المصاريف عن الوالدين، فأنا شاب أعي المسؤولية، وأستطيع الاعتماد على نفسي»، ويبين أن «المصاريف الجامعية يتحملها أهلي، فيما أتكفل بأقساط سيارتي ومصروفاتي الشخصية الأخرى».ويتفق خالد العلي، وهو طالب جامعي على وشك التخرج من تخصص البرمجة، ويعمل في مجال دراسته بإحدى الشركات، مع رأي سابقه، إذ يقول العلي «أعمل على مدى ثلاث سنوات مضت، لمدة 8 ساعات يومياً، وأجد نفسي مضطراً للعمل لساعات طويلة، لحاجتي لمرتب يكفي لتغطية رسومي الجامعية».اكتساب المهارةويؤكد طالب الإعلام والصحافي بجريدة «الوطن» حسن عدوان، أهمية العمل لاكتساب الخبرة، ويرى أن تخصصه يحتاج لتطبيق عملي لإتقان المهنة، ويبين «ما إن التحقت بالجريدة وبدأت الكتابة الصحافية، وجدت صعوبة في بادئ الأمر بصياغة المواد، رغم دراستي لمقررات متعلقة بالكتابة وصياغة الأخبار في الجامعة، إلا أن التطبيق العملي يختلف كلياً عن النظري».تأثر المستوى الدراسيمحمد الكعبي طالب في كلية الحقوق، وموظف في إحدى الشركات الخاصة يقول: «لا أنكر أن مستواي الدراسي تأثر قليلاً بسبب الضغوطات التي أعانيها من ضيق الوقت وكثرة الفروض الجامعية التي تطلب مني».ويضيف الكعبي «لا أجد تعاوناً من أساتذتي في الجامعة ومسؤولي، فهم لا يقدرون المشاق التي يعانيها الطلبة العاملون»، إلا أنه غير مستعد للتفريط في عمله رغم تأثر مستوى دراسته.الشعور بالاستقلاليةوتقول أستاذة علم النفس الاجتماعي نورة محمد إن «الشباب يتجهون للعمل، للشعور ببلوغهم سن الرشد والاستقلالية الحقيقية، ويسعون للحصول على مصرف الجيب دون الاعتماد على الوالدين»، وهو ما يؤكده الطالب الجامعي سالم العلي، الذي يعمل بعقد مؤقت في إحدى شركات الاتصال، ويحلم بعقد دائم، يوضح «رغم أن أهلي قادرون على تحمل جميع مصاريفي، إلا أن الشعور بالقدرة على تدبر مسؤولياتي يشعرني بالفخر»، ولم ينف العلي صعوبة القضية، إلا أن صرفه من ماله الخاص الذي كسبه من عمله، عند خروجه مع أصدقائه، ينسيه كل المتاعب التي يمر بها، بحسب قوله. تعاون الأساتذةورغم اتفاق الأساتذة الجامعيين على أهمية العمل، إلا أنهم اختلفوا في مدى إمكانية تعاونهم مع الطالب الموظف، فمنهم من رأى أن عملية التساهل مع الطالب ضرورة لتمكينه من التوفيق بين الجانبين، فيما رأى آخرون أن القوانين تقف دون إمكانية التسهيل على الطلبة، إذ إنهم مقيدون بأنظمة محددة تلزمهم بحد معين من التعاون.ويوضح أستاذ الدراسات الإسلامية باسم عامر في جامعة البحرين أن «اللوائح الداخلية للجامعة تتيح التعاون بشكل محدود، إذ إننا على سبيل المثال مقيدون بالسماح للطالب بالتغيب لمدة معينة ولا يسمح لنا بالتساهل مع من يتجاوز هذه الفترة»، قبل أن يضيف: «بالنسبة لي، أقدر الطالب العامل لحاجته الماسة لظروفه المادية، إلا أنني لا أفضل جمع الطالب بين العمل والوظيفة، إذ أرى أنها تؤثر على تحصيله الدراسي».ويوضح عامر عن مدى التعاون الذي يقدمه للطالب «أتجاوب مع طلب هذه الفئة فيما يتعلق بتغيير مواعيد الامتحانات الفصلية، إلا أنني لا أملك صلاحية تحديد موعد آخر للاختبارات النهائية أو تعديلها، إذ إنها من اختصاص إدارة الجامعة».واختلفت أستاذة قسم الإعلام مها الراشد في جامعة البحرين مع وجهة نظر عامر، إذ رأت أن العمل يكسب الطالب مهارات عملية لا يمكن أن يكتسبها من الجانب النظري، وهو ما أؤكده على طلبتي دائماً.وأبدت الراشد تعاونها الكامل مع الطلبة العاملين، إلا أنها شددت على ضرورة عدم استغلال هذا الجانب للتغيب وإهمال الدراسة، والتواكل على تعاون الأساتذة.وأيدت أستاذ قسم الإعلام أماني الحلواجي فكرة زميلتها، ودعت الطلبة العاملين لشرح أوضاعهم للأساتذة لمعرفة ظروفهم والتعاون معهم بقدر الإمكان. وعبرت الحلواجي عن سعادتها بتدريس عدد كبير من هذه المجموعة، إلا أنها لفتت أن قلة من الطلبة قادرون على التوفيق بين الجانبين.