للمرة الأولى ينجح العلماء في رسم خريطة «لمفاتيح التحكم» الجزيئية التي يمكنها فتح أو إغلاق جينات بعينها داخل الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (دي انايه) في أكثر من 100 نوع من الخلايا البشرية وهو إنجاز يكشف عن مدى تعقد المعلومات الوراثية والتحدي الخاص بتفسيرها.في دورية (نيتشر) كشف الباحثون النقاب الأربعاء عن خريطة ما يعرف باسم «الجينوم الأعلى» إلى جانب معلومات تتعلق به تقع في نحو 20 صفحة. يجيء هذا الجهد العلمي ضمن برنامج بحثي للحكومة الأمريكية يطلق عليه (برنامج خارطة طريق الجينوم الأعلى) الذي يتكلف 240 مليون دولار وانطلق عام 2008 ويستمر عشر سنوات.والجينوم البشري هو مجموع الشفرات الوراثية للإنسان ويضم إجمالاً المخطط التفصيلي لجميع الجينات في خلايا البشر. أما الجينوم الأعلى فيشمل الجينات الفعالة وتلك غير الفعالة من هذا الجينوم بمعنى أنه لو كان الحمض النووي لجينوم فرد ما يرتبط بالإصابة بالسرطان على سبيل المثال لكن هذا الحمض غير فعال بفعل جزيئات في الجينوم الأعلى فإن من المرجح ألا يؤدي الحمض إلى إصابة هذا الشخص بالسرطان.وفيما أصبح فحص التسلسل الجيني لجينوم الأفراد أمراً شائعاً للتنبؤ بمدى مخاطر الأمراض التي قد يتعرضون لها فإنه بات من الأهمية بمكان استكشاف مدى تأثير الجينوم الأعلى على مثل هذه المخاطر علاوة على جوانب صحية أخرى. وفحص تسلسل الجينوم هو جوهر المبادرة التي أعلنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما هذا الشهر.وقال مانوليس كيليس من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا الذي أشرف على بحوث رسم الخريطة الجينية التي ضمت أيضاً علماء في معامل من كرواتيا وحتى كندا والولايات المتحدة «السبيل الوحيد لتحقيق هذه المبادرة هو الجينوم الأعلى».والاختلافات في الجينوم الأعلى أحد الأسباب التي تجعل التوائم المتماثلة -التي لها نفس الحمض النووي الريبوزي (دي إن أيه)- لا تظهر عليها دوماً نفس الأمراض الوراثية ومنها السرطان.وتبين خريطة الجينوم الأعلى التي نشرت مدى اختلاف كل من أنواع الخلايا والأنسجة -التي تضمنتها الدراسة وعددها 127- عن بعضها البعض على مستوى (دي إن أيه). ونظراً لأن العلماء المشاركين في (برنامج خارطة طريق الجينوم الأعلى) يودعون نتائج دراساتهم في قاعدة بيانات عامة وهم يمضون قدماً في أبحاثهم يتولى باحثون آخرون تحليل المعلومات قبل نشر الخريطة رسمياً.ووجد باحثون آخرون أنه نظراً لأن توقيع الجينوم الأعلى على مختلف أنواع الخلايا متفرد فإن بوسعهم أن يتوقعوا بنسبة دقة تصل إلى نحو 90% الموضع الأصلي الذي نشأت عنه الخلايا السرطانية الثانوية وهو أمر غير معروف بالنسبة إلى 2 إلى 5% من المرضى. وقال شامل سوناييف المشارك في هذه الدراسة وهو باحث في علم الوراثة في بريجهام ومستشفى النساء في بوسطن إنه نتيجة لذلك فإن المعلومات الخاصة بالجينوم الأعلى قد تقدم طوق النجاة لإنقاذ الحياة بالنسبة إلى أطباء الأورام الذين يحاولون تحديد العلاج.