خلص تقرير متخصص إلى أن التحركات الدبلوماسية التي جرت بين البحرين وقبرص تجسد نموذجاً للتطور الهادئ والتدريجي في مسار التفاعلات بين البلدين اللذين باتا يدركان موقع وأهمية الطرف الآخر في منظومة علاقاتهما وتفاعلاتهما الدولية، باعتبارهما بوابتين لمنطقتي الخليج والاتحاد الأوروبي، كاشفاً أن البلدين يدرسان توقيع اتفاقات إضافية تتعلق بالتعاون الاقتصادي والفني والصحي والسياحي والطاقة والبورصة وتشجيع وحماية الاستثمارات والهجرة غير المشروعة والإعفاء المتبادل على تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والسفن التجارية.وأكد التقرير، الذي بثته وكالة أنباء البحرين «بنا» أمس أن «البحرين وقبرص بوابتا الخليج والاتحاد الأوروبي اللذان يمثلان أكبر وأنجح التكتلات السياسية في العالم اليوم»، مشيراً إلى أن «البلدين يعززان العمق الاستراتيجي للعلاقات بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي باعتبارهما تكتلات وأطراً تنظيمية وقانونية كبيرة ومحورية سواء على مستوى منطقتيهما أو على مستوى العالم». وأشار إلى أن «السنوات الأخيرة شهدت قفزات عدة عبرت عن عزم وإصرار قيادات البلدين من أجل تعزيز أطر التفاهم المشترك وتمتين آليات الاتصالات الثنائية، وبينها استقبال جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أمس الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس، وذلك في أول زيارة رسمية لرئيس قبرصي منذ تاريخ تدشين العلاقات الرسمية بين البلدين وتعيين وكيل قنصلي لجمهورية قبرص في البحرين منتصف يناير 1982».واستهدفت الزيارة والمباحثات التي أجريت خلالها تنمية وتطوير علاقات البلدين والشعبين الشقيقين، وبما يعزز المصالح الثنائية ويرتقي بالآمال والتطلعات المشتركة، انطلاقاً من الرغبة في تعزيز علاقات الصداقة وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك.تطور العلاقاتوشهدت العلاقات البحرينية ـ القبرصية، بحسب التقرير، خلال العام الماضي تنامياً ملحوظاً على المستويات كافة، لاسيما السياسية منها، وذلك بالنظر إلى عدة أمور، إحداها يتعلق باختيار الرئيس القبرصي التوقف في مطار البحرين الدولي في أبريل 2014، حيث استقبله آنذاك الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية، الذي نقل إليه تحيات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وهو ما قوبل بترحيب كبير من جانب الرئيس الضيف، حيث أعرب رئيس جمهورية قبرص وقتها عن شكره وتقديره لما لقيه من حفاوة في الاستقبال، مشيداً بما وصلت إليه العلاقات الثنائية بين البلدين والشعبين الصديقين.الأمر الآخر برز مع مناسبتين، إحداهما كانت زيارة وزير الخارجية القبرصي للمشاركة في منتدى «حوار المنامة» العاشر في ديسمبر 2014، والثانية عند اجتماع الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية بنظيره القبرصي على هامش انعقاد اجتماعات الدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر2014 أيضاً، حيث عكست المناسبتان حرص مسؤولي البلدين على استمرار عمليتي التنسيق والتشاور المنتظم فيما بينهما دعماً لمسيرة العلاقات المتطورة، والتي تمضي قدماً بتوجيهات القيادة الرشيدة لتحقيق آمال وتطلعات مواطني الدولتين في غد أكثر إشراقاً وازدهاراً فيما بينهما.وتعود العلاقات بين مملكة البحرين وقبرص، بحسب التقرير، إلى عقود قليلة مضت، وهي رغم حداثتها النسبية علاقات وطيدة وشاملة، ويكشف مسار تطورها عن عدد من الدلالات المهمة، منها تناغم المواقف بين البلدين إزاء القضايا المشتركة، المحلية منها والإقليمية والدولية، التنسيق الدوري بين مسؤولي البلدين، خاصة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المؤتمرات الأمنية والاستراتيجية المعنية بدراسة ومواجهة التهديدات متعدية الحدود، وهو ما يضاف بالتأكيد إلى عزم قيادتي البلدين وإصرارهما على العمل بكل ما من شأنه دعم مسيرة العلاقات المشتركة.ولحظ التقرير «الإرادة السياسية والرغبة في تعزيز فرص التعاون الثنائي بين البلدين، والذي بدا في أكثر من حدث ومناسبة، والتي زادت وتيرتها خلال فترة قصيرة نسبياً لا تتجاوز الأعوام الثلاثة الماضية، حيث شهدت هذه السنوات جملة من التحركات والاتصالات بين المسؤولين البحرينيين والقبرصيين استهدفت حث الخطى، والسعي لتمتين أواصر المصالح المشتركة بين البلدين، وتأطيرها ضمن الإطار التنظيمي والقانوني الملائم لها».اتصالات منتظمةوقال التقرير إن من «أبرز التحركات والاتصالات المنتظمة بين الجانبين استقبال وزير الدولة للشؤون الخارجية غانم البوعينين في فبراير 2014 سفير قبرص لدى المملكة، المقيم في أبوظبي، وهو اللقاء الذي عبر عن مسعى كل من البحرين وقبرص للوصول بعلاقات الصداقة بينهما إلى علاقات سياسية واقتصادية كاملة، حيث بحث المسؤولان ملفات التعاون والتنسيق الثنائي المتبادل».وأشار التقرير إلى «اجتماعي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية بنظيره القبرصي في يونيو 2013 و2012، على هامش الاجتماع الوزاري المشترك بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ والمنامة على التوالي. وكان الاجتماعان، وهما الدورة الـ22 والـ23 للمجلس الوزاري المشترك بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، فرصة جيدة لاستعراض المسائل والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وتم التوافق فيهما على إعداد ومتابعة برنامج العمل المشترك للمرحلة القادمة(2013-2016) وتحديد أولوياته وأهدافه».وعبر الاجتماعان، بحسب التقرير عن حقيقتين، الأولى إدراك البلدين لموقع وأهمية الطرف الآخر في منظومة علاقاتهما وتفاعلاتهما الدولية، وذلك باعتبارهما بوابتين لمنطقتي الخليج والاتحاد الأوروبي، اللذين يمثلان أكبر وأنجح التكتلات السياسية في العالم اليوم، ويقدمان نموذجاً يحتذى للدول ذات الخلفيات الحضارية والمصلحية المشتركة، وكيف يمكن تأطير الرؤى الواحدة والمواقف المتناغمة وتدعيمها للوصول إلى كيان واحد قوي يستطيع التعاطي مع تحديات العالم المعاصر الذي يفرض ليس فقط التواجد بقوة في صدارة المشهد، وعلى الساحتين الإقليمية والدولية، وإنما التكتل أيضاً مع البلدان ذات الاهتمامات المشتركة، وبما يخدم مسيرة تنميتها ومستقبلها المنشود.وأضاف التقرير أن «الحقيقة الثانية قيادة كل من البلدين، البحرين وقبرص، لجانب مهم من جهود دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي لتعزيز العمق الاستراتيجي للعلاقات بينهما باعتبارهما تكتلات وأطراً تنظيمية وقانونية كبيرة ومحورية سواء على مستوى منطقتيهما أو على مستوى العالم. وبدت أهمية هذه الجهود مع ترؤس قبرص التي انضمت قبل سنوات قليلة للاتحاد الأوروبي عام 2004 لدورة الاتحاد عام 2013، ومع اتفاق الوزراء المجتمعين على عقد اجتماعهم الـ23 بالعاصمة البحرينية المنامة، المشار إليه سلفاً واستضافته المملكة أواخر يونيو 2013».وتعكس الريادة التي قادها البلدان، بحسب التقرير، حقيقة جهودهما لتعزيز العمل الثنائي المشترك، ومساعيهما معاً من أجل تعزيز السلام والأمن، والتكامل الإقليمي، والنمو الاقتصادي والرفاهية، والتنمية المستدامة، وتشجيع التواصل بين الشعوب، باعتبارها من أهم أهداف دول التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، مثلما أشارت إلى ذلك البيانات الرئاسية للدورتين الـ22 والـ23 المذكورتين.الاستفادة المتبادلةوأبرز التقرير استقبال صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء في يناير 2011 لوزير خارجية قبرص، الذي زار المملكة لبحث علاقات بلاده مع البحرين وسبل تعزيزها ودفعها في جميع المجالات. ولخص التقرير أهمية اللقاء بـ»حرص مملكة البحرين على تطوير مجالات التعاون مع قبرص في الشؤون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وهو ما قوبل بالحرص ذاته من جانب المسؤول القبرصي، الذي أعرب عن تطلع بلاده لمزيد من التعاون مع مملكة البحرين، و تشابه الكثير من الظروف بين البلدين وبخاصة في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والتوجه الاستثماري، حيث يسعى البلدان لجذب مزيد من التدفقات الاستثمارية والانفتاح على الأسواق المختلفة وتجارب العالم التنموية».وأشار التقرير إلى أن شواهد عدة تؤكد مدى وحجم الاستفادة المتبادلة التي يمكن أن تقدمها الدولتان للأخرى، خاصة أن الاتصالات بين البلدين، وكما هو واضح مستمرة ولم تتوقف، وتعود إلى أبريل عام 1981 عندما اجتمع سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة مع وزير خارجية جمهورية قبرص، وتم خلال الاجتماع الاتفاق على إقامة العلاقات الدبلوماسية وتعيين وكيل قنصلي قبرصي في البحرين. وتوالت بعد ذلك هذه اللقاءات، وكان أبرزها في يوليو 2001، عندما قام وزير الخارجية القبرصي بزيارة إلى المملكة لإجراء مباحثات مع المسؤولين في البحرين، وهي ما تضاف إلى زيارة العبور التي قام بها الرئيس القبرصي آنذاك إلى البحرين في مايو 2009. وأوضح التقرير أن «من بين الشواهد التي تؤكد فرص الاستفادة المتبادلة بين البلدين حجم الاتفاقات ومذكرات التفاهم والتعاون بين البلدين الموقعة خلال زيارة الرئيس القبرصي، أو التي قيد الدراسة، وتشمل تجنب الازدواج الضريبي والخدمات الجوية والتعاون الاقتصادي والفني والصحي والسياحي والطاقة والبورصة وتشجيع وحماية الاستثمارات ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والإتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية والهجرة الغير مشروعة والإعفاء المتبادل على تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والسفن التجارية وغيرها».وتحدث التقرير عن «مشاركة وفد اقتصادي قبرصي كبير في المنتدى الاستثماري الدولي الأول لرواد الأعمال الذي عقد في البحرين خلال الفترة من 19-21 يناير 2015 الماضي، ما عكس الرغبة القبرصية في الانفتاح على البحرين والاستفادة من تجربتها ووضعيتها الاقتصادية ومكانتها وسط منطقة الخليج».ولحظ التقرير «تطبيق جمهورية قبرص النموذج البحريني العربي لتدريب وتنمية رواد الأعمال والاستثمار، وذلك حسب ما أكدته منظمة الأمم المتحدة «اليونيدو»، وهو النموذج الذي يعد أداة لتفعيل التبادل التجاري بين البلدين ورواد الأعمال، ولتأكيد فكرة الربط بينهما باعتبار البحرين بوابة لقبرص إلى الخليج، وباعتبار الأخيرة بوابة للأولى إلى أوروبا، خصوصاً مع تشابه التجربة التنموية لهما واقتصادهما القائم على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واستقبال قبرص لقطاع مهم من السياحة البحرينية، ولعل تسيير طيران الخليج مؤخراً لست رحلات أسبوعياً إلى قبرص تعبير واضح عن ذلك».وخلص التقرير إلى أن «استقبال العاهل المفدى للرئيس القبرصي سيدعم من خطوات البلدين نحو إقامة علاقات أكثر قوة في المجالات كافة، وبحيث يبنى على مذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين منذ عام 1991 و2011 بشأن خدمات النقل الجوي والتشاور بين وزارتي خارجية البلدين على التوالي، وبما يمكن البلدين من رفع قيمة التبادل التجاري بينهما والتي زادت من 946.606 عام 2009 إلى 1.268.791 دينار بحريني عام 2012».