تأليف د. .على على حبيش * عرض د.بهاء الدين مكاويصدر كتاب (الموجة الثالثة وقضايا البقاء)عن مؤسسة الأهرام بالقاهرة ضمن سلسلة (كتاب الأهرام الاقتصادي). وقد جاء هذا الكتاب في 256 صفحة واشتمل على ستة فصول.ويعد الكتاب من أفضل الكتب في مجال التنمية بمفهومها الحديث، كما إن مؤلفه من العلماء المصريين المشهود لهم بالكفاءة والاقتدار، ليس فقط في مصر وإنما على المستوى العالمي.ويشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى أن المجتمع الإنساني يمر- حالياً- بتحولات هائلة تتمثل في الثورة العلمية والتكنولوجيا، وسيطرة القطب الواحد، والتوجه نحو اقتصاد السوق، والتغيير النسبي لعناصر الإنتاج، وبروز اقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات. وبالتالي فإن العصر الجديد سوف يشهد (تغييراً شاملاً في طبيعة المعرفة وفى أنماط الإنتاج والاستهلاك، وفى نظام السلطة والإدارة، بل وفى خصائص الحياة اليومية).وبحسب تعبير المؤلف، فإن هذه التحديات «لن يتصدي لها إلا رأس المال البشري دائم الترقي، ودائم النمو، سواء على المستوى الفردي أو على صعيد المجتمعات». وبالتالي يدور الكتاب حول كيفية تطوير رأس المال البشري وترقيته بما يمكنه من مواجهة هذه التحديات وتحقيق التنمية المنشودة والتعامل معها. على أن مما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام هو أن التنمية البشرية- كما أوضح المؤلف- لا تتعلق فقط بالسعي لزيادة الدخل (الفردي أو القومي) وإنما بخلق بيئة يستطيع الأفراد فيها تنمية قدراتهم، وأن يحيوا حياة منتجة ومبدعة تتوافق مع حاجاتهم ومصالحهم. والتنمية تعني تحقيق مزيد من الإشباعات المادية وغير المادية بمختلف أنواعها في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية لكل أفراد الشعب وهى تبنى مجتمعا سوياً: عقلاً وروحاً وضميراً وبنية وحياة.هذه التنمية المنشودة تتحقق- وفقاً لرأي المؤلف- من خلال السعي لتطوير أربعة جوانب مهمة هي: التعليم، والتكنولوجيا، وزيادة المكون التكنولوجي في النمو الاقتصادي، وتحسين البيئة.غطت الفصول الأربعة الأولى من الكتاب هذه الموضوعات المذكورة وبالترتيب الوارد أعلاه بينما تناول الفصلان الأخيران الأوضاع المصرية وسنحاول التركيز على استعراض هذه الجوانب الأربعة التي أشار لها الكتاب كأساس لتحقيق التنمية المنشودة. التعليمخصص الفصل الأول من الكتاب لمناقشة موضوع التعليم وجاء بعنوان: (التعليم في القرن الحادي والعشرين). يؤكد المؤلف في مطلع هذا الفصل أنه «لا تنمية بدون تربية وتعليم وتعلم.... فأول شروط التنمية هو بناء إنسان التنمية» ويوضح المؤلف أن العقبة التي تعوق التنمية في العالم العربي عامة لا تكمن في قلة الموارد أو نقص التمويل وإنما في «غياب إنسان التنمية» ويستشهد بتجربة اليابان التي» لا تملك الكثير من الموارد الطبيعية ولكنها... تملك إنسان التنمية».ويلخص الكاتب تصوره للتعليم في كلمات مضغوطة بقوله «نحتاج تعليماً يحفظ للأمة هويتها وتميزها وخبرتها.. تعليماً يعتمد على التكنولوجيا... تعليماً ينتقل بالأمة من العمالة العضلية إلى العمالة العقلية، ومن التخصص الضعيف إلى المرونة والمعرفة الشاملة، ومن المركزية إلى اللامركزية، ومن التنظيم الهرمي إلى التنظيم الشبكي... ومن النمطية إلى التميز، ومن الخيار الواحد إلى الخيارات المتعددة». ولكي تتم الاستجابة للتحولات الراهنة لابد من إحداث ابتكارات وإبداعات في العملية التعليمية تتضمن هيكلة جديدة «تخلع الأمة من سيناريو التدهور، وتدفع بها إلى سيناريو الانطلاق والتقدم».ويقترح المؤلف في هذا الصدد اعتماد مفهوم «الشجرة التعليمية» بدلاً عن «السلم التعليمي» ثم يشرع في توضيح الفرق بين المفهومين، فالسلم التعليمي يشير إلى بداية محددة وتسلسل محدد ونهاية محددة أما مفهوم الشجرة التعليمية فإنه يتضمن معنى البناء المستمر وينطوي على جذع أساس- هو التعليم الأساسي- وعلى فروع وأغصان متعددة تمكن أبناء الوطن من التسلق إلى أعلى فروع الشجرة والانتقال الأفقي من فرع إلى فرع، كما إنه يتيح فرصة دائمة للمواطن لدخول النظام التعليمي مهما كان عمره ومستوى تعليمه السابق وتخصصه.إن تطوير التعليم- كما يقول مؤلف الكتاب- يحتاج إلى (المعلم القدوة)، وهو المعلم الذي يتميز بـ (علو الكفاءة، ورفعة المستوى الأكاديمي والمهني والأخلاقي، والقدرة على الإسهام الفعال في التعلم الذي هو علم صناعة الإنسانية).كذلك لابد من ربط التعليم بالتدريب والممارسة والإنماء المعرفي القادر على صنع التقدم وتوكيد التنافسية وبناء حضارة التكنولوجيا، وهذا يتطلب نظاماً تعليمياً وتربوياً وثقافياً يزرع قيمة الوقت وقيمة الجودة وقيمة الإتقان.وحول (محاور الرؤية المستقبلية للتعليم العالي) يقترح الكتاب التوسع في القبول بالجامعات «لأن التعليم العالي هو الرصيد الاستراتيجى للدولة، وتطوير المقررات الدراسية وفقاً للاتجاهات الحديثة وإنشاء مراكز للمستقبليات في كل جامعة لمعرفة الجديد في العلوم والتكنولوجيا، مع إيلاء اهتمام خاص للهندسة الوراثية والمعلوماتية والإلكترونيات الدقيقة وعلوم الفضاء. كما يقترح إدخال اللغة الأجنبية كمادة إجبارية في كل كليات الجامعة وكذا مادة الكمبيوتر ومقررات التسويق وإدارة الأعمال والقانون. مع ضرورة تشجيع الأساتذة على التفرغ للبحوث العلمية والسعي لإيجاد الأستاذ المحترف بدلاً عن نظام الهواة المتبع حالياً. كما يقترح المؤلف انفتاح الجامعة على المجتمع، ودعم الأنشطة الطلابية، وتقييم الأداء في ظل نظام الجودة الشاملة وإنشاء مؤسسة قومية مستقلة غير حكومية تتولى مسؤولية التقويم الخارجي للجودة في مؤسسات التعليم العالي، ويكون لها اتصال بالمؤسسات المماثلة في دول العالم المتقدم. التكنولوجياجاء الفصل الثاني من الكتاب بعنوان «التنمية والتقدم العلمي والتكنولوجي:. أشار المؤلف في هذا الفصل إلى أن العالم يشهد تطورات وتحولات كبيرة بسبب التقدم التكنولوجي السريع في مجالات تكنولوجيا الإنتاج والتوزيع والمعلومات والاتصالات. وإن الفجوة الواسعة بين العالمين: المتقدم والنامي، تعزى إلى الفرق في إنتاج وإتقان واستخدام العلم والتكنولوجيا. وفى هذا الصدد يقول الكاتب إنه، ولكي تعمل منظومة العلم والتكنولوجيا بكفاءة عالية لخدمة أغراض التنمية، يتوجب عليها امتلاك الآتي:1. نخبة من العلماء والخبراء القادرين على تحديد أهداف تكنولوجية واقعية، مع تنظيم إمكانات المجتمع لتحقيق هذه الأهداف.2. القدرة على تعبئة العلماء والتكنولوجيين والقوي البشرية الماهرة من أجل إبداع وابتكار المستوى التكنولوجي المرغوب وتطويره والمحافظة عليه.3. أن تتمكن الدولة من تدبير الموارد الكافية والمدخلات الضرورية اللازمة لإحراز التمكن من التكنولوجيا المتقدمة والجديدة.4. حتمية وجود سوق محلية وخارجية لتصريف المنتجات التكنولوجية المتميزة وفقاً للمعايير الدولية.5. ضرورة توافر إرادة سياسية واعية لدعم تسخير العلم والتكنولوجيا لأغراض التنمية في طليعة مهام الدولة الاستراتيجية.6. أن يكون للعلم والتكنولوجيا مكانة في المجتمع وتأييد شعبي من الجماهير. وتحت عنوان (التجارب العالمية المقارنة في التطور التكنولوجي والاقتصاد) تعرض المؤلف وفق المنهج المقارن لتجارب عدة دول مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي السابق واليابان، الصين وكوريا الجنوبية، وتايوان والهند، وهونج كونج، وسنغافورة، وماليزيا، وإندونيسيا، والمغرب وتونس. ورغم اختلاف هذه التجارب فإن الدرس المستفاد هو ضرورة التركيز على التعليم والانفتاح على العالم الخارجي واستخدام التكنولوجيا العالية وتشجيع البحث العلمي التطبيقي كأسس لازمة لتحقيق التنمية.. وهذا أوضح ما يكون في تجارب دول جنوب شرق آسيا. المكون التكنولوجي في التنميةعلى الرغم من أن الفصل الثاني ناقش موضوع التكنولوجيا، فإن المؤلف آثر أن يستمر في مناقشة موضوع التكنولوجيا في الفصل الثالث تحت عنوان (المكون التكنولوجي في النمو الاقتصادي) على فرضية أن نسبة المكون التكنولوجي من القيمة المضافة هي مؤشر لتقدم أو تخلف الدولة المعنية. وهذا المكون التكنولوجي يتمثل في الآلات والمعدات والأجهزة التي تستخدم في الإنتاج السلعي والخدمي ويوصف بأنه (الحزمة المعرفية التي تتضمن تصميمات المنتج وتقنيات الإنتاج والمعالجة الصناعية) وأن المكون التكنولوجي، يتولد أساساً من البحث والتطوير.يشير المؤلف إلى أن خطط التنمية تقوم على أربعة مكونات رئيسية هي: الموارد الطبيعية، والعمل، ورأس المال، والتكنولوجيا. ويلعب المكون التكنولوجي الدور الأكبر في اقتصاديات الدول المتقدمة حيث تصل أحياناً إلى 80% من القيمة المضافة مقابل 20% للمكونات الأخرى. فكلما تقدمت الدولة زاد المكون التكنولوجي، وكلما تخلفت قل هذا المكون وزادت نسبة المكونات الأخرى.ويقترح المؤلف في هذا الجانب: رسم وتبني سياسة تكنولوجية، وتقييم المكون التكنولوجي في المؤسسات الإنتاجية والخدمية بهدف تطويره ورفع نسبته، تعظيم مساهمة التكنولوجيا المنقولة في بناء الإمكانات التكنولوجية المحلية، والدخول في شراكات وتحالفات مع الدول المتقدمة والدول الحديثة التصنيع بهدف تسهيل نقل التكنولوجيا. البيئةخصص الفصل الرابع من الكتاب لموضوع البيئة وعلاقة البيئة بالتنمية، وأوضح الكاتب أن العصر الحالي يشهد المزيد من مخاطر التلوث البيئي بسبب الثورة الصناعية. وتتمثل هذه الأخطار في الغازات والأبخرة من المصانع، والتلوث بالبترول، إضافةً إلى المواد المشعة والسامة والمبيدات الحشرية.... الخ. وقد استشعرت الدول الصناعية الأخطار الناجمة عن التلوث البيئي منذ فترة فدعت عام 1972م إلى مؤتمر لـ (إدارة البيئة البشرية) بالسويد وتم الاتفاق على وضع استراتيجية لمعالجة ظاهرة التلوث البيئي. كما دعت الأمم المتحدة منذ أواخر الثمانينات للمحافظة على البيئة والالتزام بنظافتها وربطت بين نظافة البيئة والتنمية المستدامة.ويعتبر مؤتمر «قمة الأرض» الذي عقد في ريودي جانيرو بالبرازيل عام 1992م علامة فارقة في تاريخ التطور الحضاري للبشرية لما تناوله من قضايا تستهدف إنقاذ كوكب الأرض من الكوارث التي يمكن أن تحيق به جراء التلوث البيئي. كما أعطت الاتفاقية العامة للتعريفة والتجارة عام 1994م والتي تعمل بموجبها الآن منظمة التجارة العالمية، الحق لأي دولة في وضع قيود أمام السلع الداخلة إلى أراضيها ذات التأثير الضار على البيئة.كذلك أشار المؤلف إلى أن التنمية تتضمن – ليس فقط النواحي المادية للازدهار- ولكن أيضاً جودة الحياة Quality of Life. كما إن التنمية المستدامة تعتمد على الطرق والأساليب الصديقة للبيئة الراقية Environmentally Friendly Modes
الأمة تحتاج تعليماً يحفظ هويتها وتميزها وخبرتها
21 مارس 2015