البحرين تدعم مصر لأخذ دورها بالعالم العربي بعد تمدد أطراف خارجيةالمملكة أدركت مبكراً أن الدول العربية تواجه تحديات لا يمكن مواجهتها بشكل منفردمصر والبحرين تعولان على بعضهما كحائط صد لمجابهة مهددات الأمنانتهاز فرصة اجتماع القادة العرب للخروج بنتائج تدعم بنيان الأمن العربي مصر تتصدى لنفوذ دول معادية تحاول ملء فراغ سببه تراجع الدور العربيتقرير- (بنا): ليس بغريب أن تكون البحرين وصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، على رأس قائمة المشاركين في مؤتمر القمة العربية الـ26 المقرر عقدها بشرم الشيخ اليوم، والمخصصة لمناقشة مستجدات الوطن العربي.وإضافة لطبيعة العلاقات الرابطة البلدين والشعبين الصديقين، والمتسمة بالعمق والرسوخ وشمولها القطاعات كافة، الرسمية منها والشعبية، فإن البحرين لا تدخر وسعاً لتقديم العون اللازم لأشقائها، سيما منهم الشقيقة الكبرى مصر، إذ كانت ومازالت خير معين للبحرين وللأمة، وتمثل لها وللعرب جميعاً عمق استراتيجي كبير يمكن التعويل والاعتماد عليه. وتأتي مشاركة العاهل المفدى في القمة، بعد أن انتهت أعمالها التحضيرية، لتؤكد من جديد ليس فقط جهود البحرين في دعم كل ما من شأنه توحيد الصف العربي، وتعزيز اللحمة بين دول الجامعة لمواجهة تحديات تنال من المنطقة، وتهدد من أمنها واستقرارها، سيما بعد انطلاق عملية عاصفة الحزم، وإنما أيضاً وقوفها إلى جانب كل الأشقاء والأصدقاء، وفي مقدمتهم مصر كي تعود مجدداً للمكانة اللائقة بها، ولتتمكن من ممارسة دورها الطليعي في المنطقة بعد غياب طال نتيجة لظروف داخلية مرت بها خلال السنوات الأربعة الأخيرة.وجاءت المشاركة والحضور البحريني في ثاني فعالية يستضيفها منتجع شرم الشيخ في غضون الأسبوعين الأخيرين، بعد ترؤس العاهل المفدى الوفد الكبير المشارك في القمة الاقتصادية الأخيرة المنعقدة منتصف الشهر الجاري وخصصت لدعم مصر اقتصادياً.تقدير مصري وجهد بحرينيوكان العاهل المفدى تسلم قبل فترة رسالة خطية من الرئيس المصري تضمنت دعوته لحضور اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته العادية بمدينة شرم الشيخ، وهي رسالة عبرت في الحقيقة عن عدة أمور أساسية.أولها التقدير المصري للموقف البحريني الداعم لها، ولخطوات تتخذها لاجتياز المرحلة الانتقالية، سواء على صعيد أوضاعها الداخلية، السياسية منها والاقتصادية، أو على صعيد أدوارها الخارجية، وضرورة تجديد الثقة في الثقل الإقليمي الذي تحظى به القاهرة كقطب مهم بمقدوره إعادة التوازن والاستقرار المفقود في العالم العربي، بعد أن تمدد في فنائه الاستراتيجي أطراف وقوى عدة تحاول النيل منه ومن مكتسبات شعوبه.ثانيها جهود البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، المتواصلة لتعزيز استقرار مصر وأمن شعبها، بدليل تلبية العاهل المفدى السريعة لدعوة حضور القمة، ما يعني أن المملكة تظل تعمل من أجل إنجاح الدور المصري التاريخي في قيادة قاطرة العمل العربي المشترك، وأنها لن تتوانى عبر حضورها الفاعل في مؤتمر الجامعة عن خدمة الأمة العربية في هذه المرحلة المهمة من تاريخها، سيما أن للقاهرة الحق الواجب في نصرتها وتعزيز موقعها كما نصرت من قبل ومازالت، قضايا الأمتين العربية والإسلامية.ثالثها استمرار البحرين على موقفها الثابت من التطورات في مصر، ما يكشف عن مستوى عال من الوعي والإدراك بضرورة ممارسة مصر لدورها، وهنا تظهر المواقف البحرينية العديدة لتعكس هذا المعنى، والتي لم ولن يكون آخرها كلمة العاهل المفدى أمام مؤتمر «دعم وتنمية الاقتصاد المصري.. مصر المستقبل»، وأبرز فيها ضرورة أداء «الواجب القومي والأخوي» تجاه شعب مصر، و»تأمين مستقبلها وتعزيز تنميتها واستقرارها لما لذلك من أهداف عديدة ذات أهمية بالغة ليس لمصر فقط، وإنما للمنطقة بأسرها».رابعها تجسيد البحرين لمفهوم التضامن العربي الحقيقي مع الشقيقة مصر وغيرها من دول الجامعة، خاصة أن القمة الـ26 معنية بمناقشة عدد من الملفات ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى لحاضر ومستقبل المنطقة بأسرها، ولا يعكس ذلك المبادرات والريادة البحرينية في هذا الاتجاه فحسب، وكان من شأنها الدفع بأطر العلاقات الثنائية والارتقاء بوشائج التعاون والتنسيق العربي العربي، وإنما أيضاً التعبير عن حرص القيادة البحرينية الرشيدة ومساعيها الدائمة لحماية ركائز تنبني عليها نهضة الأمة العربية ومستقبلها، ولا يمكن لها أن تمضي قدماً دون عمادها وركنها الركين في مصر.وتزداد أهمية دلالات الحضور البحريني لفعاليات القمة العربية بالنظر إلى اعتبارات أخرى عديدة، بجانب ما سبق ذكره، وتنبع في مجملها من الإحساس البحريني العالي بمخاطر تتعرض لها المنطقة، وضرورة الاحتراز منها والتحوط لها، والدفع بالسبل المناسبة لمواجهتها، ومن بين أهم هذه الدلالات ما يتعلق بالأمن والمصير المشترك الرابط بين البحرين ومحيطها، وتاريخ العلاقات الوطيدة بين المملكة وشقيقاتها على المستويات كافة.وواقع الأمر، أنه لم يعد هناك أدنى شك في أن الدول العربية تواجه جملة من التحديات بات من الصعب مواجهتها بشكل منفرد، وهي حقيقة أدركتها القيادة البحرينية منذ زمن بعيد، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة من أجل تأكيد الارتباط بين دوائر أمنها الوطني والخليجي والعربي والإسلامي والدولي والتكامل فيما بينها، سيما في مواجهة مخاطر متزايدة تفرزها تطورات الأوضاع الداخلية وتهديدات البيئة الإقليمية في الوقت الحاضر.الأمن والمصير المشتركوبالنظر إلى ما تواجهه البحرين ومصر من تحديات ومخاطر، يجد المراقب تشابهاً كبيراً بين ظروف البلدين، سيما في ظل ما اختبرتاه من هموم خلال السنوات الأربع الماضية، ودفعت إلى توطيد التعاون الثنائي فيما بينهما لمجابهة هذه الأخطار المتصاعدة، خاصة لجهة محاربة الإرهاب والبواعث الدافعة إليه والتصاعد الملحوظ في رقعة انتشار جرائمه، وتكبدت الدولتان منه خسائر عديدة. ولعل تصريح العاهل المفدى أثناء لقائه سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد يوم 22 مارس الجاري يؤكد هذا المعنى، خاصة عندما أكد «وقوف البحرين مع أشقائها وأصدقائها صفاً واحداً في محاربة الإرهاب والتطرف، ناهيك عما تتطلبه القضايا والتطورات السياسية الراهنة التي تمر بها المنطقة من أمور».ويتأكد هذا المعنى بالنظر إلى مواقف أبداها الجانبان البحريني والمصري، لجهة تطورات الأوضاع الداخلية بهما خلال السنوات القليلة الماضية، وعكست حقيقة مهمة لا تتعلق فحسب بارتباط وتكامل دوائر الأمن لكلتا الدولتين، وهو أمر بديهي ومفروغ منه، مثلما أشير سلفاً، وإنما أيضاً تعويل كل منهما على الآخر كحائط صد يجابهان به مهددات أمنهما، ما يعبر عنه برفض وإدانة جميع الأعمال التي تنال من وحدة ترابهما الوطني ومكتسبات مواطنيهم واستقرار مجتمعاتهم، أو تعرقل جهوداً كبيرة تبذلها الدولتان لتجاوز المرحلة التاريخية الراهنة والآثار اللاحقة باقتصادهما، وبما يوفر الأجواء الملائمة للانطلاق والبناء والتنمية من جديد.الأمر ذاته على المستوى القومي، فأمن البلدين المشترك على المستوى الوطني، هو جزء من كل متكامل على مستوى الدول العربية برمتها، ومع ظروف استثنائية تمر بها الأمة، خاصة بعد التطورات في اليمن، والتدخلات في شؤونها، والفوضى والانهيار الضاربة أطنابها ببعض دولها، وصعود أدوار لقوى وأطراف تضمر الشر لشعوب المنطقة بأسرها، بات من اللازم بل ومن الحتمي أن تبادر البحرين بمواقفها الوطنية والعروبية الثابتة مع الشقيقة الكبرى مصر التي تستضيف القمة الـ26 لانتهاز فرصة اجتماع القادة العرب، والخروج بنتائج جوهرية تصب في دعم بنيان الأمن العربي، والذود عن حياض الأمة، وتعزيز تضامن الشعوب العربية في مواجهة ما يمكن وصفه بأعتى الظروف التي تمر بها المنطقة في تاريخها.يشار هنا، إلى الموقف المصري الثابت من نصرة القضايا الخليجية والعربية والإسلامية في مواجهة المستجدات، سيما لجهتين، إحداها التصدي لامتدادات نفوذ بعض الدول ذات الأجندات المعادية للعرب، والأخرى لملء الفراغ الناتج عن تراجع وانسحاب الدور العربي الإقليمي وتقوقعه على شؤون الداخل، ومحاولة قوى أخرى الحلول محله والقفز فوقه وتجاوزه بالنظر إلى صفقات يمكن أن يتم إبرامها في الفترة المقبلة حول الملفات والقضايا الإقليمية العالقة.ولا أدل على ذلك من البيان الأخير الصادر عن الخارجية المصرية يوم 23 مارس الجاري، الذي جدد التأكيد على الارتباط الدائم لأمن منطقة الخليج العربي بالأمن القومي المصري، واصفاً الأمن الخليجي بأنه «خط أحمر» لا يمكن أن تقبل القاهرة أو تسمح بالمساس به انطلاقاً من ارتباطه بأمن مصر. وهذا يعني بمفهوم آخر، أن القاهرة وبحكم مسؤوليتها التاريخية والأدوار المنوطة بها، لا يمكن لها أن تترك المنطقة نهباً لأوضاع سياسية وأمنية تتسم بالسيولة، وتلقي بظلالها على بقاء الدول العربية ذاتها، مؤكداً البيان «التزام مصر باستمرار العمل والتعاون الوثيق مع أشقائها العرب لمواجهة التهديدات والمخاطر القائمة بما يصون الأمن القومي العربي، وبصفة خاصة أمن الخليج العربي».تاريخ وطيد من العلاقاتمع حضور العاهل المفدى فعاليات القمة العربية الـ26 بشرم الشيخ، يضاف سجل جديد لملف العلاقات الثنائية الوطيدة بين البحرين ومصر، وهو سجل حافل في الحقيقة من التحركات والاتصالات والزيارات لم تنقطع طوال الفترة الماضية، واتسمت بالاستمرارية، وغطت كل أبعاد العلاقات المشتركة البحرينية المصرية، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية والتعليمية، وتجاوزت المستوى الرسمي لتشمل المستوى الأهلي والعلاقات بين الشعبين.وهنا تجدر الإشارة إلى أن السنوات الأخيرة في عمر العلاقات المشتركة البحرينية ـ المصرية شهدت عدداً من الاتصالات والزيارات قام بها مسؤولو البلدين بهدف تمتين العلاقات الراسخة، ومنها الحضور البحريني الفاعل في المؤتمر الاقتصادي الأخير بشرم الشيخ منتصف مارس الجاري، وشهد لقاء العاهل المفدى بالرئيس المصري، ومباحثاتهما الثنائية التي عبرت عن تقدير قيادات البلدين لمستوى العلاقات، ورؤاهما المشتركة إزاء الملفات والقضايا المختلفة. وكذلك مشاركة جلالة الملك في يونيو 2014 بمراسم حفل تنصيب الرئيس المصري، لتكتسب أهميتها من أهمية المناسبة ذاتها باعتبارها محفلاً سياسياً كبيراً حظي باهتمام واسع من جانب الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وعبرت عن حرص العاهل المفدى وتقديره العالي لعلاقات الصداقة مع مصر ورئيسها الجديد، سيما أن هذه الزيارة كانت الثانية في غضون سنة تقريباً، بالنظر إلى زيارة سامية أخرى التقى فيها العاهل المفدى الرئيس المصري المؤقت آنذاك في أكتوبر 2013، والمكالمات الهاتفية والاتصالات الدورية المتبادلة والمشاورات المنتظمة.وعكست هذه العلاقات الثنائية في مجملها مؤازرة المملكة لمصر في هذه المرحلة التاريخية، ورسالتها التضامنية القوية لكافة خطاها لإعادة استقرارها، وتوفير الظروف الملائمة وإيجاد الآليات المناسبة لإعادة إنهاضها كي تواصل دورها الريادي في محيط المنطقة، وتتمكن وبسرعة من تعويض الفترة السابقة التي غابت فيها عن الساحة العربية وتتولى الأعباء المنوطة بها كطرف إقليمي رئيس. وتعتبر العلاقات البحرينية المصرية نموذجاً لما يجب أن يسود العلاقات بين الدول العربية، وهو ما عبر عنه العاهل المفدى في أحد تصريحاته عندما قال إن «العلاقات الأخوية الوثيقة بين البلدين كانت وتظل دائماً مثالاً يحتذى به في العمل المشترك»، في إشارة ليس فقط لفرص تنمية العلاقات بين البلدين، وإنما لوجود عدد من التحديات المشتركة تفرض هي الأخرى العمل معاً وبشكل متكاتف بين الجانبين للتصدي لها، وبينها تحولات سياسية واجتماعية عنيفة شهدتها المنطقة والإرهاب ذي الوجه الديني وغيرها. وهنا تبرز الجهود الحثيثة لزيادة حركة التبادل التجاري بين البلدين، وتأكد ذلك في طبيعة الوفد الاقتصادي المرافق للعاهل المفدى خلال المؤتمر الاقتصادي المخصص لدعم مصر، وضم كبار المسؤولين بوزارتي المالية والصناعة والتجارة، ومصرف البحرين المركزي، ومجلس التنمية الاقتصادية، وشركة ممتلكات البحرين القابضة، إضافة إلى نخبة من ممثلي الشركات والقطاع الخاص وقطاع الأعمال في العديد من المجالات الحيوية ومنها النفط والغاز والبتروكيماويات والسياحة والأغذية والإنشاءات، وتوجيهاته السامية لهم لبحث سبل توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والاستثمار المشترك بين الجانبين.ويبدو مهماً هنا الإشارة إلى ما عبر عنه العاهل المفدى في كلمته أمام المؤتمر الاقتصادي الأخير بشرم الشيخ عندما وصف القاهرة بأنها «محور تجمع الخير وأولويته القصوى»، مجدداً تأكيد موقف المملكة الواضح في دعم ومساندة الأشقاء، وخاصة مصر، باعتبار ذلك أحد المقومات العملية والأسس اللازمة للتصدي «لتحديات جسام تواجه الأمة العربية قاطبة».