«عاصفة الحزم» قادرة على تفكيك التحالف التكتيكي بين صالح والحوثيين وإيرانلولا حكمة وصبر عبداللطيف الزياني على تعنت صالح لفشلت المبادرة الخليجيةثروة صالح تقدر بـ 60 مليار دولار جمعها من الفساد والاختلاسات بينما يعاني اليمن فقراً مدقعاًالأسابيع المقبلة تحدد مصير صالح ودوره في مستقبل اليمنبقاء صالح باليمن يعني تقويض المرحلة الانتقالية بطريقة ممنهجةهادي لم يستطع تخفيف قبضة صالح لاحتفاظه بولاء ثلث الجيشكتب - وليد صبري:«الحكم في اليمن مثل الرقص على رؤوس الثعابين»، هكذا وصف الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، الحكم في بلاده، وكأن الرجل كان يعاني على مدار فترة 33 عاماً من الحكم، فهو من قال أيضاً إنه «سيتم تصفير العداد»، في إشارة إلى عدم ترشحه لولاية جديدة في بلاده، لكن عودته المبهرة عن طريق الصفقات مع زعماء القبائل والقوى الدولية وحتى «تنظيم القاعدة»، جعلت العديد يتساءلون ما إذا كان «صالح» نفسه هو الثعبان الأكبر؟!وربما اعتقد البعض أن الرجل «اعتزل الرقص» بتخليه عن السلطة في اليمن فبراير 2012، إثر احتجاجات حاشدة ضد حكمه، بعد توقيعه على المبادرة الخليجية لانتقال السلطة في الرياض في 23 نوفمبر 2011، لكن عشق الرجل للحكم و»الرقص» على حد تعبيره، جعله يعاود ممارسة هوايته مرة أخرى، لكن هذه المرة بالتحالف مع المتمردين الحوثيين وإيران -أعداء الأمس، وأصدقاء اليوم- من أجل زعزعة استقرار حكم خلفه ونائبه، الرئيس الجنوبي عبدربه منصور هادي، فخذل الرجل شعبه مرتين، الأولى خلال حكمه على مدار 3 عقود، والثانية بعد تخليه عن السلطة وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية. ومن مجرد ضابط صف لم يصب إلا قسطاً متواضعاً من التعليم، استطاع صالح أن يصبح في الـ36 من عمره رئيساً لليمن الشمالي، ثم في 1990 رئيساً لليمن بشطريه، ليمضي 33 عاماً في الحكم على طريقة «الرقص على رؤوس الثعابين» كما شبه هو الطريقة التي يجب أن يدار بها البلد، وإن كانت تلك الطريقة واجهت امتحاناً حاسماً في 2010 و2011 بوجه احتجاجات حاشدة على غرار ثورات ما يعرف بـ»الربيع العربي».وطيلة 3 عقود، حكم صالح اليمن، وعرفت البلاد حرباً أهلية وانتفاضات وحملات على من يوصفون بـ»المتشددين»، وصراعات قبيلة.ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير الماضي فإن أحد الأشياء التي فعلها «صالح» عندما تهدد حكمه بقيام ثورات «الربيع العربي» عام 2011 هو إبرامه اتفاقاً يعطي بموجبه الإقليم الجنوبي بكامله لـ «تنظيم القاعدة»، وكلما أمكنه تصوير أن اليمن يسقط في براثن المسلحين، زادت رغبة الغرب في إبقائه في سدة السلطة مهما كان الثمن.لكن المفاجئة المدوية التي وردت في التقرير، ان صالح تمكن من جمع ثروة تصل إلى 60 مليار دولار عن طريق الفساد، من خلال عقود النفط والغاز، وحصوله على رشاوى مقابل امتيازات تنقيب حصرية، إضافة إلى اختلاس أموال برنامج دعم الصناعة النفطية وبالتورط في عمليات احتيال وسرقة أموال، بينما يرزح شعبه تحت الفقر المدقع، ما جعل ثلثي سكان اليمن يعيشون على دولارين في اليوم.يقول معارضوه إنه فشل طيلة سنوات حكمه في توفير الاحتياجات الأساسية للشعب، في يمنٍ تتراجع ثروته النفطية وتنضب مياهه، ويبقى فقيراً على الرغم من بدئه في تصدير الغاز الطبيعي المسال في 2009.واستطاع صالح رغم الانتقادات المحافظة على دعم الغرب والدول العربية، حتى لو أغضب -لبعض الوقت- بعضاً من هذه الدول العربية، كما الشأن مع المملكة العربية السعودية والكويت بعد حرب الخليج الثانية، لكنه غضبٌ عرف كيف يمتصه بسرعة. وزاد دعم الولايات المتحدة لصالح بعد هجمات 2001، حين تنبهت إلى أن اليمن مصدرٌ لمسلحي القاعدة، وهو تنظيمٌ تعاونَ الرئيس اليمني في محاربته، لكنه استطاع تنظيم صفوفه ثانية في 2007، ووحّد جناحيه في السعودية واليمن، لتزداد هجماته جرأة على الأهداف الأمريكية والسعودية وعلى السياح. لكن بالموازاة مع هذا الدعم، واجه صالح خلال عامي 2010 و2011 احتجاجات حاشدة، حتى تكثفت، وبلغت ذروتها بوقوع اشتباكات بين قبيلة حاشد -التي ينحدر منها- وقوات موالية له في صنعاء ومدن أخرى.وكان أبلغ مؤشر على الخطر الذي يواجهه محاولة اغتيال بقنبلة استهدفته في يونيو2011، نجا منها، لكنها ألحقت به إصابة بالغة اضطرته إلى العلاج في الرياض. ومع ذلك عاد صالح إلى اليمن، في خطوة مفاجئة رآها محللون أنها ستكرس احتمالات الحرب الأهلية. لكن الولايات المتحدة أبدت صراحة مخاوفها بشأن الخليفة المحتمل لصالح حليفها في الحرب ضد القاعدة. ورغم أن حكم صالح بدا في السنوات الأخيرة غير قابل للزعزعة -حين ضغط أنصاره من أجل تعديلات تسمح بترشحه لولايات رئاسية مفتوحة، وحين سرت تكهنات بأنه يعدّ ابنه لخلافته- فإن ثورات ما يعرف بـ»الربيع العربي» في تونس ومصر جاءت لتثبت أن هذا الحال لن يدوم.فقد بدأ صالح بعرض تنازلات شفهية، فقال بداية إنه لن يرشح نفسه لولاية جديدة في 2013، ونفى أن يكون يحضر ابنه لخلافته، ثم عرض استفتاء على دستور جديد، والانتقال إلى «نظام برلماني» ديمقراطي.ثم جاءت هزة أخرى في مارس 2011 بعد مقتل 52 شخصاً معظمهم سقط برصاص قناصة، مما دفع ضباطاً كباراً وشيوخ قبائل ودبلوماسيين ووزراء إلى الانضمام إلى المحتجين، وكان كثير منهم من «الأحمر» و»سنحان»، وهما قبيلتان تربط صالح بهما صلة قرابة، وكان يعيّن أفرادهما في مناصب أمنية وحكومية مهمة.بعد كل هذه الأحداث، كاد صالح في 3 مرات يوقع اتفاقاً لنقل السلطة بوساطة خليجية لكنه تراجع في كل مرة في اللحظة الأخيرة، ليطول أمد المواجهة. ولولا صبر وحكمة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي د.عبداللطيف الزياني على تعنت صالح لفشلت المبادرة الخليجية.وواجه صالح في ذلك الوقت إلى جانب المطالبين برحيله تمرد الحوثيين في الشمال، وحراكاً يريد الانفصال بالجنوب الذي يشعر أبناؤه بالتهميش.أمام هذه التحديات، ردت واشنطن وحلفاؤها بزيادة الدعم المالي لتعزيز حكم صالح، الذي يملك إلى جانب عزيمته القوية، كثيراً من الكاريزما، ولم يعد في أوقات كثيرة شعبية، بين أبناء مجتمع يفهم جيدا تفاصيله. وسوف تثبت الأيام المقبلة قدرة صالح المستمرة على نشر قوات وشغل مقعد على أي طاولة مفاوضات، دوره المحوري في مستقبل اليمن نظراً لقاعدة دعمه الواسعة في الجيش والهيكل الإداري.ومع ذلك فإن الأسابيع المقبلة قد تحدد مصير صالح ومدى قدرته على مواصلة الرقص على رؤوس الثعابين، وهو الذي صمد أمام العديد من الأعداء عندما أثبت مراراً للقوى الأجنبية أنه الخيار الأقل ضرراً.وعلى الرغم من إجباره على التنحي في عام 2012، حصل صالح على حصانة من الملاحقة القضائية وظل لاعبا سياسيا قويا من وراء الكواليس. ويبدو الآن أن قرار السماح لصالح بالبقاء في اليمن قبل 3 سنوات كان سوء تقدير، لأنه ببساطة سعى بكل قوته لتقويض المرحلة الانتقالية بطريقة ممنهجة. ولم يتوان صالح عن دعم الحوثيين من خلال المساعدة في وقف أي مقاومة جادة للجيش عندما بسطوا سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي وباستخدام هيمنة حزبه المستمرة في البرلمان لإضعاف حكومة هادي.ولعل الهدف النهائي لصالح هو مساعدة الحوثيين في هزيمة الخصوم المشتركين ثم استخدام قاعدته السياسية الواسعة ليسيطر على ميزان القوى قبل التخلص من الحوثيين وتنصيب ابنه أحمد علي صالح رئيساً.وفي صراع يتسم بالمفارقات التاريخية، شن صالح 6 حروب على الحوثيين المدعومين من ايران منذ 2002 إلى 2009 وكان لسنوات طويلة حليفا لدول عربية وغربية. وعمل هادي نائبا للرئيس صالح لعقدين وكان قياديا بجيشه خلال الحرب الأهلية الأخيرة في اليمن عام 1994.وكانت تلك التحولات الكبيرة في الولاء - والتي باتت السمة الأساسية للمشهد السياسي المعقد والمتغير باستمرار في اليمن - قد بدأت مع احتجاجات الربيع العربي في 2011 التي أدت في نهاية المطاف إلى الإطاحة بصالح من الحكم.وفي هذا الصدد، رأى محللون أن تحالف القبائل الشمالية القائم منذ عقود والذي كان يدعم صالح ذات يوم، تفكك خلال الاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد 2011، ليتحول صالح إلى الحوثيين خصوم الأمس من خلال قضية مشتركة ضد أعداء مشتركين. وقد حاول هادي تخفيف قبضة صالح على أفرع رئيسية في القوات المسلحة من خلال تفكيك وحدات الحرس الجمهوري وإعادة تنظيم الجيش في عام 2013 لكن الرئيس السابق مازال يحتفظ بولاء نحو ثلث الجيش.ولهذا فان قرار التحالف الدولي لدعم الشرعية في اليمن بإطلاق عملية «عاصفة الحزم» ضد متمردي الحوثي وقوات صالح جاء في الوقت المناسب لكي يتم تفكيك التحالف التكتيكي بين صالح والحوثيين وإيران، الذي يعتبره محللون لايزال هشاً للغاية، فلايزال الطرفان -صالح والحوثيون- يتشككان بشدة في دوافع كل منهما، كما أنه لا يوجد بينهما اتفاق أيديولوجي يذكر.