كتب - حذيفة إبراهيم:دعا قاضي المحكمة الجعفرية في لبنان سماحة الشيخ معروف رحال ومستشار شيخ الأزهر لشؤون الحوار د.محمود عزب إلى تبني الحوار ونبذ العنف، مطالبين المرجعيات الدينية في أماكن الاضطرابات إلى توجيه أتباعها لنبذ التطرف والتشدد وعدم التعرض للغير بالأذى.وقال سماحة الشيخ معروف رحال ود.محمود عزب، في ندوة نظمها معهد «البحرين للتنمية السياسية»، بعنوان «التسامح الديني في الإسلام»، ليس من حق أي جماعة دينية رمي غيرها بتهم الانحراف متجاوزة دور السلطة القائمة، وأنه لا يمكن فصل التسامح الديني والسياسي عن التسامح الفكري والاجتماعي عموماً.وأشار رحال إلى جملة أخطاء وقعت فيها عدد من الحركات الدينية المعاصرة بدعوى حاكميتها وتنفيذها لأحكام الله متجاوزة بذلك دور السلطة الناظمة للأمور التي لا بد منها لتنظيم مسيرة الأوطان والمجتمعات. فيما شدد د.عزب على ضرورة التفريق بين العمل الوطني والعمل السياسي، داعياً إلى تبني لغة الحوار سبيلاً وحيداً لتجاوز الخلافات.نبذ العنف والتطرفدعا قاضي المحكمة الجعفرية في لبنان سماحة الشيخ معروف رحال المرجعيات الدينية في أماكن الاضطرابات إلى توجيه أتباعها لنبذ العنف والتطرف والتشدد وعدم التعرض للغير بالأذى لأن في ذلك مجافاة وابتعاد عن سماحة الإسلام في مقاصده. وقال الشيخ رحال «لعل من أهم أسباب ولادة ظواهر التطرف والعنف هو تحول الأحزاب الدينية عن النهج الذي درج عليه السلف الصالح من الأئمة والعلماء في اعتماد نهج الدعوة والإرشاد إلى نهج آخر يتم من خلاله استغلال الدين للبحث عن السلطة بأي ثمن والوصول إليها». وأوضح الشيخ رحال أن هناك دعاة يفترض بهم أن يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة لكنهم تحولوا إلى طلاب سلطة بوسائل غير مشروعة، وقد نصَّبوا أنفسهم دون تفويض من أحد، يصدرون الأحكام في خصومهم دون محاكمة، وفي ذلك تعريض المجتمع لأفدح الخسائر التي تنذر بالسقوط والانهيار.وأردف قاضي المحكمة الجعفرية بأن أولئك الدعاة شذّوا عن النظام العام وأحدثوا البغضة والفرقاء بين أبناء المجتمع الواحد وهم يقرؤون قول الله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا»، مؤكداً أن «دور الأئمة والعلماء كان وما زال تعليم الأمة أحكام الشريعة ونشرها، وأما تنفيذ تلك الأحكام فهو متروك للسلطات التنفيذية من باب لزوم نظم الأمر والحفاظ على الأمن العام الذي تحفظ به الحقوق».وأوضح أنه ليس من حق أية جماعة دينية رمي غيرها بتهم الانحراف متجاوزة دور السلطة القائمة، مشيراً إلى جملة أخطاء وقعت فيها عدد من الحركات الدينية المعاصرة بدعوى حاكميتها وتنفيذها لأحكام الله متجاوزة بذلك دور السلطة الناظمة للأمور التي لا بد منها لتنظيم مسيرة الأوطان والمجتمعات.وقال قاضي المحكمة الجعفرية بلبنان إن المقصد من التسامح السياسي هو الصيغة التي تعتمد التساهل في نظم علاقات الشأن العام بين الأفراد والجماعات السياسية، وهذا الصيغة تنبثق عن تعاليم إسلامية تهدف إلى بناء شخصية الإنسان المسلم الذي تتكون منه الجماعة والمجتمع، حيث إن من أهدافها قيام تلك الشخصية على أسس من التسامح في مختلف الميادين السياسية وغير السياسية، ومن هنا جاء قول الله تعالى «رحماء بينهم» تعبيراً عن الصورة المثالية التي كان عليها المؤمنون الذين تشرَّفوا بأنهم كانوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام.وأضاف الشيخ رحال «تاريخنا يحتوي على العديد من الصفحات التي تكشف عن منطق الحوار والتسامح الذي اعتمده أئمة العلم في مناقشة الآخرين واستيعاب أفكارهم، وحتى مناقشة الملحدين، عبر التركيز على لغة الفكر والجدل وعدم مواجهة الجماعات المخالفة عسكرياً، إلا في حال عرضت سلامة المجتمع للخطر وهددت الأمن والاستقرار».ودعا الشيخ رحال المسلمين إلى إعطاء السمة البارزة للجماعة المؤمنة بالشراكة الجامعة ليكونوا قدوة يحتذي بها كل المؤمنين، لافتاً إلى أن موضوع التسامح شغل حيزاً مهماً في شريعتنا السمحاء، حيث يجد الباحث كثيراً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى إصلاح ذات البين، وقال «لقد برزت العناية بإصلاح ذات البين من خلال جملة من التشريعات ذات الأبعاد الجامعة بين مكونات المجتمعات المتعددة والمؤلَّفة بين قلوبها، وبها تحققت نعمة الله على تلك الجماعات المتفرقة والمتناحرة والمتصارعة فجمعتهم بعد الاختلاف وأصبحوا بنعمة الله إخوانا. وتحدث قاضي المحكمة الجعفرية عن عقد الموآخاة الذي قام به الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة بين قبائل الأوس والخزرج والمهاجرين والأنصار ليجعل من التسامح أساساً لقيام المجتمع الجديد، وتحقيق السلم الأهلي، وتحقق قول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة».وأشار الشيخ رحال إلى تعدد الروايات التي جعلت من التعاطف والتسامح منهجاً يصون سلامة المجتمع بكل مكوناته الدينية والعرقية واتجاهاته السياسية والثقافية، لافتاً إلى أن مفهوم الأُخوُة لا يتحقق إلا حيث يكون التعدد والكثرة، وهذا يعني أن الاختلاف بحسب العادة في الطبائع والأفكار والرغبات وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى الخلاف والنزاع الذي يعصف بالوحدة المطلوبة فيما لو تركت أسباب الخلاف دون علاج ، وأضاف «لذلك عمدت الشريعة إلى إيجاد تشريعات وتوجيهات للمحافظة على هذا الركن الركين الذين يشكل حجر الزاوية، فأمرت بالإصلاح بين الناس والحث عليه واعتبرته في طليعة الأعمال التي يجب القيام بها، وكما جاء في قوله تعالى «إنما المؤمنون أخوة».وأوضح الشيخ رحال أن المستفاد من النصوص الدينية أن الحوار مع الآخر ونشر ثقافة التسامح والاعتدال في المجتمع ووضع الضوابط لأدب الخلاف يكون بعدم التجاوز على الحقوق والحرمات وبما لا يتنافى مع الحرية الفكرية.تفعِيل قيم التسامح السياسيمن جانبه دعا مستشار شيخ الأزهر لشؤون الحوار د.محمود عزب إلى تبني خطاب ديني يفعِّل قيم التسامح السياسي، وقال «لا يمكن فصل التسامح الديني والسياسي عن التسامح الفكري والاجتماعي عموماً»، مؤكداً ضرورة انسجام الخطابين الديني والسياسي مع بعضهما. وشدد د.العزب خلال الندوة على أن من شأن إحلال التسامح أن ينسحب على صورة الإسلام في العالم، حيث يحلم الجميع أن يكون هناك درجة من التماهي بين الإسلام والمسلمين، لا أن تسيء تصرفات بعض المسلمين المتطرفين إلى صورة الإسلام عامة، ودعا إلى تبني لغة الحوار سبيلاً وحيداً لتجاوز الخلافات، وتساءل «كيف ندعو إلى حوار إسلامي مسيحي ونحن لا نتحاور بيننا؟».وشدد مستشار شيخ الأزهر على ضرورة التفريق بين العمل الوطني والعمل السياسي، لافتاً إلى أن الأزهر ينحاز للوطن دائماً، وهو ما جعله محل ثقة واحترام جميع الأطراف، وأشار في هذا الصدد إلى إطلاق الأزهر لقناة فضائية خاصة به لنشر قيم التسامح والحوار، مؤكداً أن تلك القناة هي المصدر الحقيقي الصريح للفتوى وتوضيح أمور المسلمين في دينهم، وقال «أكدنا في الأزهر الشريف على حرية الرأي والتعبير، وحرية العقيدة وحرية البحث العلمي وتبادل المعلومات، وحرية الإبداع والفنون والآداب». وتحدث د.العزب عن إشكالية المصطلحات، وقال «نحن نعيش مشكلة تمييع المفردات، وهناك كثير من الضبابية والخلط عندما تستخدم المصطلحات السياسية وانعكاس ذلك على رجل الشارع ونمط حياته، فكلمات مثل الديموقراطية والعلمانية والاشتراكية نادراً ما يوضع فهمها في سياق نصه التاريخي ليختلف الاستخدام في سياق اختلاف التطبيق.وأوضح أنه «أثناء ما يسمى بالربيع العربي أو الإعصار العربي كنا نسمع في الشارع أناساً يتظاهرون مطالبين بالديموقراطية وفي شارع آخر يتظاهر أناس آخرون للتنديد بها معتبرين أنها من رجس الغرب الشيطاني»، وأعرب عن أمله في أن تصب التضحيات والدماء التي سالت فيما سماه «الإعصار العربي بدل الربيع العربي» في تصحيح مسيرة حياة الشعوب العربية والإسلامية، وأن تساهم في تقوية العرب والمسلمين في وجه الأطماع الخارجية.