وتضمن تشديد العقوبات على المتورطين في أي عمل القصد منه تنفيذ غرض إرهابي، والآخر يقضي بالتضييق على عمليات جمع التبرعات التي قد توجه لأغراض إرهابية.وكان المجلس الوطني قد أقر في جلسة استثنائية لا يمكن أن توصف إلا بالتاريخية، عددا من التوصيات للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بالبحرين أو التعرض لأرواح القاطنين فيها بمكروه .. كما أخذت الحكومة الموقرة على عاتقها مسؤولية تنفيذ هذه التوصيات ووضع الخريطة الزمنية والآليات المناسبة لوضعها موضع التطبيق الفعلي، وذلك بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته قبل يومين، وشدد خلاله صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء على ضرورة أن تسخر الوزارات والأجهزة الحكومية جهودها لتنفيذ توصيات ممثلي الشعب وبالسرعة الكافية.وحقيقة الأمر، أن الساحة الوطنية شهدت في الأيام القليلة الماضية زخما كبيرا أثار العديد من ردود الأفعال المرحبة بالجهود الوطنية المخلصة والملبية لتطلعات الرأي العام والمعبرة عن أوجاعه وآماله، خاصة بعد أن اجتمع المجلس الوطني بغرفتيه النواب والشورى للقيام بواجباته المناطة به في الدفاع عن حياض هذا الوطن وتأمين مستقبل أبنائه ودراسة التحديات الطارئة التي تمس مقومات أمنه واستقراره..وكان هذا التحرك قد قوبل بتفاعل عال من العاهل المفدى الذي وجه بسرعة تنفيذ هذه التوصيات، وهو التوجيه الذي تلقته الحكومة الموقرة على الفور وعقدت على أثره العديد من الاجتماعات، كان آخرها تلك التي تفضل فيها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان ال خليفة رئيس مجلس الوزراء بزيارة مقر السلطة التشريعية ووزارة الداخلية حيث التقى كلا من رئيسي مجلسي الشورى والنواب ومعالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية.وهنا لابد من التأكيد على بواعث الضرورة الملحة التي استدعت هذا الزخم في الجهد الوطني الذي يعلي من قيمة الأمن المجتمعي على ما عداه حيث يُشار إلى أن كافة المساعي لإعطاء هذا الأمن أولوية قصوى ، جاءت في وقتها تماما بعد أن بدت الحاجة إلى تحرك وطني، عاجل وشامل، لمواجهة زمرة من الخارجين على القانون والأخلاق والقيم ممن لا يتورعون عن بيع أوطانهم بل وأنفسهم لكل من يدفع لهم أكثر، ولعل من بين بواعث الضرورة هذه:الأول : تزايد وتيرة عمليات التخريب وتجاوز الشرعية خلال الفترة الأخيرة ، خاصة بعد أن طالت يد الإرهاب الغاشم قلب الرفاع النابض في محاولة لانتهاك حرمة الشهر الكريم ومقدسات المسلمين وبث الذعر في نفوس الآمنين من المصلين وغيرهم ، وهي الجرائم التي تزامنت معها وعلى أثرها محاولات عبثية أخرى لتفجير عبوات ناسفة وتفخيخ سيارات بالمتفجرات محلية الصنع تارة في إسكان سند وتارة أخرى في منطقة السيف.الثاني : تجاوز الخارجين لحدود أمن المجتمع بمسلماته ومعتقداته وثوابته في العيش في أجواء من الهدوء والسكينة والسلام، خاصة بعد تردد دعوات غير مرخصة للتظاهر والاعتصام على غرار دعوات شبيهة ضربت دولا مجاورة ونالت من وحدتها واستقرارها، الأمر الذي فرض على البحرين وقيادتها الواعية بمكامن الخطر والتهديد التي تحدق بالبلاد، السعي بكل السبل الممكنة من أجل تجنب أحداث قد تجتر تجارب سابقة كان لها تداعياتها.الثالث : تصاعد وتيرة الاحتقان في المنطقة في ظل المخاوف من احتمالية امتداد التأثير السلبي الناتج عن هذا التوتر من دولة لأخرى، مثلما هو حادث في الوقت الراهن، فمع ظهور موجة من عمليات العنف والاقتتال الداخلي في بعض الدول باتت فرص انتقال مثل هذه العمليات من دولة لأخرى كبيرة، خاصة مع الشحن الذي تقوم به أطراف وجهات لدواع مختلفة، الأمر الذي استشعرت خطره العديد من الدول، ومنها المملكة، واضطرت في إطار مواجهته إلى اتخاذ العديد من الخطط والبرامج الاحترازية.ولقد تبنت البحرين استراتيجية استباقية في إطار مكافحتها للجرائم الإرهابية، ونجحت في صياغة رؤية حازمة للحد من تداعيات هذه التوترات التي تئن من وطأتها بعض الدول في المنطقة والحد من فرص امتدادها إليها، رؤية استطاعت في الحقيقة وخاصة بعد صدور المرسومين الملكيين الأخيرين ـ أن تحدد طبيعة الإجراءات الفاعلة الكافية التي تمكن البلاد من التصدي لكل ما تفرزه أية أحداث طارئة من تحديات أو تهديدات.ويمكن القول إن المرسومين الاستباقيين الأخيرين يمثلان في ذاتهما المرحلة الأولى من مراحل المواجهة الحاسمة ضد الإرهابيين والمتعاونين معهم والمحرضين لهم، ويرسخان الأساس الركين لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها المتورطون في العمليات التخريبية والجرائم الإرهابية، تخطيطا وتمويلا، بل ويُنظر لهما باعتبارهما تأكيدا على مدى وحجم التواصل بين القيادة البحرينية والشعب بكافة مكوناته ، ويعكسان مدى الإجماع الوطني على السبل الكفيلة بتحقيق الأمن وبث الشعور بالسلم الأهلي..وإضافة إلى ما سبق، فإن المرسومين الملكيين يعدان استجابة طبيعية من الجهات المعنية لتطلعات الرأي العام وآماله في مزيد من الاستقرار، ويعززان من قيمة التماثل في الرؤى الى درجة التوحد بين قوى الشعب المختلفة ممن استشعرت التحدي الماثل الذي يجب مواجهته ضمن إطار من التكاتف والتكامل ليس فقط بين أجهزة الدولة وبعضها، وإنما بينها وبين فئات الشعب وقواه الأهلية الفاعلة.ومن المهم التأكيد على أن المملكة قد استندت في تحركاتها الأخيرة لمكافحة الإرهاب وتشديد العقوبات الرادعة على المتورطين في العمليات التخريبية إلى عدة ثوابت، أبرزها:1 ـ استلهام العبر والدروس المستفادة من تجارب الدول التي عانت ولا زالت تعاني من وطأة الجرائم الإرهابية بكافة أشكالها وأنواعها، إذ لا يخفى أن الكثير من الدول في الغرب وفي المنطقة على السواء لم تتوانى عن إعطاء أولوية قصوى للإجراءات التي تكفل تحقيق الأمن الوطني بمفهومه الشامل، ولم تدخر جهدا في تبني القوانين( قوانين مكافحة الإرهاب) واتخاذ العقوبات الرادعة التي تحد من العنف وتقلل من التوتر، وهو ما تبنته البحرين من قبل، وتعمل من أجله الآن حتى تضع حدا لمن يستغلون الأجواء التي تنعم بها في بث بذور الفتنة والكراهية.2 ـ المشاركة المجتمعية الفاعلة في النقاش الدائر حول طبيعة القوانين والإجراءات المطلوبة لمكافحة الإرهاب، حيث شهدت وسائل الإعلام البحرينية في الآونة الأخيرة حملة من ردورد الفعل استهدفت توفير الدعم والمؤازرة الشعبية لهذه الإجراءات المتخذة والمنتظر اتخاذها وتوحيد الصف الوطني وراءها باعتبارها حصنا دستوريا وقانونيا سيحمي الجميع من نزعات التعصب التي تتسرب هنا وهناك.3ـ تعريف المجتمع والرأي العام الداخلي والخارجي على السواء بأهمية الإجراءات الأخيرة التي لا غرض لها سوى إحكام القبضة على المتورطين في أية محاولات إجرامية ترمي إلى تقويض أمن البلاد، ومن ذلك استقبال العاهل المفدى لأصحاب المجالس الرمضانية من المواطنين الكرام، والذي أشاد فيه سموه بالإجراءات الاستباقية لمكافحة الإرهاب، ومن ذلك أيضا لقاء وزير الدولة للشؤون الخارجية بعدد من السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى البحرين نهاية الشهر الفائت لإطلاعهم على توصيات المجلس الوطني في هذا الشأن والإجراءات التي يُنتظر أن تصدر في إطارها.ولا شك أن الهدف من هذا التحركات الداخلية والخارجية هو الرد على تلك الأصوات التي تحاول تضليل الوعي وتستنهض الكراهية الطائفية ، حسب بيان أخير لوزارة العدل نددت فيه بمن يسعى للترويج لأفكار مغلوطة بشأن توصيات مكافحة الإرهاب، وهو أمر عار تماما عن الصحة نجحت المملكة في تفنيده وتعريف الناس بحقيقته باعتباره ضرورة لابد منها في ردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن هذا الوطن.