* بقلم: خالد إبراهيم الفضالةيحمل مفهوم البحث العلمي الكثير من المعاني المرتبطة بمدى تقدم الدول وتصنيفها ومؤشرات نجاح مشاريعها التنموية المستقبلية. وتتعلق أنشطة البحث العلمي بصورة عامة بالدراسة والتحليــل والابتكــار والإبداع، ضمـــن منظومــــة متكاملـــة تتبناهـــا الــدول لضمان قدرتها على المنافسة والتنميـة المستدامة. وهو بالتالي أداة لتطوير المجتمع في مختلف جوانبه، باستخدام المعرفة والاستفادة من التراكم العلمي الذي يرثه الإنسان جيلاً بعد جيل.ومع التطور العلمي والمعرفي الــذي شهده العالم خلال القرن المنصرم، بدأت أهمية مشاريع البحث والابتكار والتطوير تتجلى في الحياة اليومية للمجتمعات، بل وترتبط مع مدى نجاح مشاريع التنمية في كل دولة. ومن الأسباب المهمة لتبني مشاريع البحث والابتكار والتطوير:-1 أصبــح البحـث العلمـي فــي القـــرن الحادي والعشرين المحرك الأساس للنظام العالمي الجديد، والمصدر الأول للتنمية الاقتصادية في الدول المتقدمة.-2 ترتبط مشاريع البحث والابتكار والتطوير ارتباطاً وثيقاً بقدرة الدول على تحويل اقتصادها نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، والذي يبنى على هذه النوعية من المشاريع المنتجة للمعرفة.-3 التغلـــب علـــى الصعوبـــات الآنيــة والمستقبلية التي تواجه المجتمعات، سواءكانت سياسية أواقتصادية أو اجتماعية أو صناعية، أو غيرها.-4 مشاريع البحث والابتكار والتطوير هي الأداة الوحيدة التـي يمكــن مــن خلالها ردم الفجوة المعرفية بين المجتمعات النامية والعالم المتقدم.وترتبــط أنشطة البحث العلمي فـــي أي دولـة بما تخصصه هذه الدولـــة من ميزانيات مباشرة وغير مباشرة لمشاريع البحث والابتكار والتطوير، في شتى صورها (البحث الأكاديمـي، المراكــز البحثيــة، مراكــز الدراســات، المؤسسات المتخصصة في التطوير والابتكـــار، وغيرهـــا). فالدولـــة فــي المجتمعات المتقدمة هي المصدر الأساس لدعم البحث العلمي فيها من خلال تبني منظومة مناسبة للبحث والابتكـــــــــار (National Innovation System)، وتشريع القوانين اللازمة لضمان تحقيق أهداف هذه المنظومة، ومنها بلا شك التأكيد على توفير الدعم المستمر للباحثين والمؤسسات المنتجة للبحث والتطوير.ويمكن معرفة مدى اهتمام الدول المتقدمة بالبحث والابتكار والتطوير من خلال دراسة وتحليل نسبة الصرف في القطاعات المتعلقة بهذا الشأن. وعلى سبيل المثال، تنفق إسرائيل ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على مشاريع البحث والابتكار والتطوير، وهي أعلى دولة في العالم من حيث نسبة الإنفاق على هذا القطاع من إجمالي ناتجها القومي، وبقيمة إجمالية بلغت 7‚9 مليار دولار في العام 2013.وبصورة عامة، استطاعت الدول المتقدمة خلق علاقة اقتصادية وثيقة بين مشاريعها التنموية، وخصوصاً الاقتصادية منها، وبين ما يتم تخصيصه من ميزانيات سنوية للإنفاق على مشاريع البحث والابتكار والتطوير، كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي، والتي تعتبر انعكاساً مباشراً لدخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي للدولة.وتبيّن الإحصاءات بأن دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي لعام 2013م في بعض دول مجلس التعاون (قطر، الكويت، والإمارات) كان يتفوق على بعض الدول المتقدمة مثل بريطانيا. في حين أن هذا المعدل في بقية دول مجلس التعاون (البحرين، عمان، والسعوديـــة) مقـــارب لبعــض الــدول المتقدمــة الأخرى (مثل إسرائيـــل). ويستخلص من هذه الإحصاءات بأن معدل دخل الفرد في دول مجلس التعاون مقارب لنظرائه في الدول المتقدمة.ولكن المعضلة الكبيرة التي تواجه قطاع البحث والابتكار والتطوير في دول مجلس التعاون يتمثل في الجزء المكمل لهذه المعادلة، وهو ما يتعلق بنسبة الإنفاق على البحث والابتكار من إجمالي الدخل المحلي لكل دولة.ومن المشاكل الأخرى التي تواجه دول مجلــس التعاون عدم وجود القوانيــن والتشريعات التي تلزم القطاع الخاص في تمويل قطاع البحث والابتكار والتطويـــر. فالقطــاع الحكومــي هـــو الممــول الرئيــس للبحث العلمي فـــي الدول العربية بصورة عامة، إذ تبلغ نسبة التمويل حوالي 85% من مجمــوع التمويل المخصص لمؤسسات البحث العلمــــي (وهــي الجامعــات)، مقارنـــة بـنسبة 15% للقطاع الخاص. بينما نجد أن هذه النسبة تختلف تماماً في الدول المتقدمة، إذ تتراوح نسبة تمويل القطاع الخاص لمشاريع تمويل البحث والابتكار والتطوير ما مجموعة 90? من إجمالي الدعم. كذلك لابد من النظر في نسبة ما تخصصه الدول من دعم لمشاريع البحث والابتكار والتطوير، فهو ضعيف جداً إذا ما تمت مقارنته بالدول المتقدمة من جهة، ومع نسبة دخل الفرد في الدول الخليجية من جهة أخرى.ويتطلب هذا الأمر سرعة اتخاذ الإجراء اللازمة لتصحيح الأوضاع في دول مجلس التعاون لتفادي الوصول إلى نقطـــة اللا عــودة فــي مجال البحـــث والابتكار التطوير، والذي يعتبر من أهمل المجالات المؤثرة في مشاريع التنمية الوطنية في القرن الحادي والعشرين، خصوصاً وأن جميع دول المجلــس قد تبنت مفهوم التحـــول نحو الاقتصاد المعرفي، ولكن للأسف الشديد دون وجود البنية الأساسية اللازمة لهذا الاقتصاد.* رئيس مجلس أمناء مركز البحرينللدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة