علي تقي.. سيرة عشق مع ميكرفون الإذاعة

كتب ـ علي الشرقاوي: يصادف اليوم 29 مايو الذكرى الخامسة لرحيل الإذاعي المتألق والمربي الفاضل علي محمد تقي، بعد أن أفنى زهرة شبابه يربي أبناء البحرين ويعلمهم، وليخرج من بين يديه عشرات آلاف الطلبة، من بناة نهضة البحرين الحديثة.عشرون عاماً قضاها تقي ما بين 1955-1975 موظفاً بإذاعة البحرين، مذيعاً ومعداً للبرامج والتمثيليات الإذاعية، وبراتب هزيل بدأه بـ10 دنانير شهرياً، ودينار واحد عن المشاركة في التمثيليات الإذاعية.أول عناق بين تقي والميكرفون سبق هذا التاريخ بكثير، عندما كان يقرأ القرآن في إذاعة الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية، وبعدها بسنوات طويلة وكان قد ترك الإذاعة، طلب منه وزير الإعلام الراحل طارق المؤيد العودة للإذاعة وبراتب مجز لكنه رفض.التحق تقي بالتعليم سنة 1941 بتكليف من المستشار تشارلز بلجريف وبراتب قدره 5 دنانير شهرياً، وغادره متقاعداً عام 1983، قبل أن يكرمه سمو رئيس الوزراء مارس 1984 تقديراً لعطائه التربوي الكبير.عناق الميكرفونيقول الذوادي عن الأستاذ الفاضل علي محمد تقي «غادرنا علي محمد تقي يوم 29 مايو 2010 بعد عطاء غني في حقل التربية والتعليم والإعلام من خلال إذاعة البحرين منذ يومها الأول عام 1955، وكان من مذيعيها الأوائل إلى جانب إبراهيم علي كانو وأحمد يتيم وعبدالرحمن عبدالله». ويضيف الذوادي «علي تقي عانق الميكروفون قبل إذاعة البحرين، إبان الحرب العالمية الثانية في الأربعينات وهي إذاعة الحلفاء، وكان يقرأ القرآن الكريم عبر إذاعة الحلفاء، ومقرها مركز بتلكو في أم الأحياء البحرينية الحورة بحالة بني أنس الغالية».التمثيليات الإذاعية ويسرد الباحث البحريني عبدالله الذوادي تفاصيل رحلة علي تقي الإذاعية «ربما يكون هذا السبق مع الميكرفون الإذاعي في الأربعينات، هو ما دعا صديقه وزميله إبراهيم كانو للاستعانة به منذ اليوم الأول لانطلاق إذاعة البحرين».ويعدد الذوادي أنشطة علي تقي في الإذاعة وتنقله من مذيع للأخبار إلى الربط البرامجي، وتقديم ما يطلبه المستمعون، والمشاركة في التمثيليات الإذاعية مرة أو مرتين أسبوعياً «كان لي شرف المشاركة في التمثيليات الإذاعية من خلال جمعية البحرين التمثيلية، وكان يرأسها المربي الجليل محمد القحطاني، وبمشاركة الزملاء حسين شرفي، علي الناصر، سلمان الدلال، وأحمد الجاسم وآخرين».التعاون مع الإذاعة بحب ويتوقف الذوادي عند محطات علي تقي الإعلامية «إبراهيم كانو كلف علي تقي بإعداد تمثيلية دينية من 30 حلقة لشهر رمضان ونجحت التمثيلية، ولم يقتصر عمل علي تقي على الأعمال الإذاعية، بل كان يصحح الأخبار لغوياً، ويشكل الأخبار ومختلف البرامج المذاعة باللغة العربية».ويصفه بالقول «كان شعلة نشاط متوقدة، طوع خبرته الثرية خدمة لصوت البحرين المسموع عبر الإذاعة، مقابل مبلغ شهري لم يتجاوز 10 دنانير، ودينار واحد عن أدواره في التمثيليات، ووصلت مجموع مكافآته الشهرية إلى 35 ديناراً عام 1975، وأمضى 20 عاماً في الإذاعة كمتعاون وليس مذيعاً رسمياً، وبراتب ضئيل لا يسمن ولا يغني من جوع».الذوادي وهو يستذكر المربي علي تقي، يستذكر أيضاً من عمل معهم وجايلهم وتعلم منهم الكثير من الأساليب التربوية «هكذا هم الرواد الأوائل لا يهمهم المال بقدر ما يهم العطاء لوطن أحبوه وأفنوا أعمارهم في خدمته».ويردف «للأستاذ علي تقي ذكريات جميلة أثناء عمله في الإذاعة، منها عشق الجمهور له وللمذيعين الآخرين، بدليل ما كان يرسله لهم الجمهور من وجبات طعام وباقات ورد وزياراتهم للإذاعة للتعرف على المذيعين، وكأنهم من نجوم السينما ونجوم الفن بمختلف أنواعه، والبعض كان يقف خارج الإذاعة ليرى المذيعين لدى خروجهم فيحيونهم ويصفقون لهم».ويروي الذوادي إحدى الطرائف عن علي تقي «ذات مرة سمح لبعض الأشخاص بدخول الإذاعة للاطلاع عليها، وكان بينهم شخص أصر على أن يلقي كلمة على الهواء مباشرة وإلا سيتخذ إجراء لا تحمد عقباه، ووافق إبراهيم كانو على الفكرة لحماية أجهزة الإذاعة ومبناها المتواضع، فسمح له بإلقاء كلمته، ولكنهم أوقفوا الإرسال أثناء إلقاء الكلمة».ويقول «كثيرة هي ذكريات الراحل علي تقي في الإذاعة الذي خدمها 20 عاماً ما بين عامي 1955-1975، حين قدم استقالته للتفرغ لعمله الرسمي التربوي، بعد أن رأى أنه أهم من عمله بالإذاعة».ويقول توفيق علي تقي إن الوزير الراحل طارق المؤيد عندما تولى وزارة الإعلام، عرض على تقي العودة للإذاعة للاستفادة من خبرته، خاصة بعد بدء البث التلفزيوني، وطلب منه مساعدة المذيعين خاصة الجدد منهم في مجال الإذاعة والتلفزيون مقابل راتب كبير، إلا أن علي تقي رفض العرض، لإعطاء كل وقته لدوره التربوي كمدير لمدرسته وعمله التربوي الذي أحبه مذ كان مدرساً إلى أن أصبح مديراً.مدرس الرياضةوعن التاريخ التربوي الكبير للأستاذ علي تقي يقول الباحث الذوادي «علي محمد تقي التحق بالتعليم عام 1941 بتكليف من مستشار حكومة البحرين تشارلز بلجريف وبصفة مؤقتة بداية وبراتب قدره 5 دنانير شهرياً، بموجب خطاب تسلمه من مدير المعارف».ويضيف الذوادي «بعدما أثبت علي تقي كفاءته عين رسمياً مدرساً، وكان من أوائل مدرسي التربية الرياضية، وعدد المدرسين البحرينيين قليل في ذلك الوقت، وهو أثبت جدارة فائقة لسعة ثقافته واطلاعه، وكان محط تقدير الإدارة المدرسية لغزارة إنتاجه التربوي في المدرسة الشرقية». ويتابع الذوادي سرد قصة تقي مع التعليم في المدارس البحرينية «عينته إدارة المعارف مديراً لمدرسة البديع سنة 1952، حيث أدارها بكل كفاءة واقتدار لقوة شخصيته وسعة أفقه الثقافي، ما أكسبه ثقة المسؤولين في إدارة المعارف، ثم ابتعث إلى الجامعة الأمريكية في بيروت مع مجموعة من زملائه لحضور دورة في الإدارة المدرسية، وكرمه مدير الجامعة».ويواصل حكاية تقي «بعد عودته من بيروت، أدار عدة مدارس مثل مدرسة الرفاع الشرقي، والإمام علي، والمدرسة الشمالية (بيت النافع)، ومدرسة الرشيد في بيت محمد عيد الخاجة في فريق كانو، ومدرسة عثمان بن عفان في بيت إبراهيم قمبر بفريج الفاضل».مساحات التدريس وحول أسباب وجود الكثير من المدارس الابتدائية في بيوت كبيرة يقول الذوادي «وزارة التربية والتعليم لجأت إلى استئجار البيوت الكبيرة في المنامة والمحرق بعد أن هجرها أصحابها إلى المناطق السكنية الجديدة، بسبب الإقبال الشديد على التعليم».ويذكر الذوادي من هذه البيوت في المحرق «بيت حجي الزياني، حيث عينت مدرساً فيها عام 1956، ومدارس أخرى كثيرة لا أذكرها، بعدما كانت مدرسة الهداية الخليفية المدرسة الوحيدة في المحرق لعدة سنوات».ويقول «في المنامة تم استئجار بيت حاتم في فريق الذواودة عام 1957، وعينت سكرتيراً للمدرسة مع خليل إبراهيم زباري مديراً للمدرسة، وبيت العجاجي لمدرستين للبنين والبنات هما مدرسة الخنساء وابن سينا، وبيت محمد عيد الخاجة مدرسة الرشيد بفريج كانو، وبيت سلمان الزياني بالقضيبية وكنت مديراً لها».ويسرد قائمة البيوت الكبيرة المستأجرة كمدارس في المنامة «بيت محمد طيب خنجي بفريج العوضية، وملجأ الأيتام بفريج المخارقة (بيت الإمام علي)، وبيت آخر في فريج النعيم لا أذكر اسم المدرسة».ويضيف «قبل التوسع كانت هناك مدرسة واحدة في الحد، والهداية في المحرق، والمدرسة الشرقية والغربية في المنامة، إلى جانب مدرسة الصنايع ومدرسة الخميس ومدرسة الرفاع الشرقي ومدرسة الرفاع الغربي». ويردف «أدار علي تقي بكل جدارة واقتدار مجموعة من المدارس عبر 31 عاماً من العطاء التربوي، وتخرج على يديه آلاف بل عشرات آلاف الطلبة، تبوؤوا أعلى المراكز الوظيفية في البلاد، وحظي باحترام المسؤولين عن التعليم وبمقدمتهم المربي الكبير أحمد العمران مدير المعارف ومن ثم وزير التربية والتعليم، وخليفته الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة، ود.علي محمد فخرو».تقي مصححاًيقول الذوادي «علي محمد تقي كان مرجعاً ثقافياً وأديباً ولغوياً، وكثيراً ما لجأت إليه عندما يشكل علي أمر لغوي، وكان يرحب بي ويصحح لي الجملة أو الكلمة وموقعها من الإعراب».ويضيف «كان لعلي تقي الفضل في المسيرة التعليمية في البحرين، وكان يتمتع بدماثة الخلق وحسن المعشر وهدوء الأعصاب، لذا كان محبوباً من الجميع». ويتابع «إلى جانب كونه مريباً فاضلاً كان أباً صالحاً ربى أبناءه على الخلق الرفيع، وهم محمد متقاعد حالياً، توفيق يعمل في مؤسسة يوسف بن أحمد كانو، والابنة الوحيدة نجاة ربة منزل، ونبيل يعمل لدى شركة أسري، وحسين محام، وفؤاد موظف في بنك الخليج التجاري، وكانوا جميعاً بارين بوالدهم حفظوا له سمعته واسمه».ويذكر ابنه توفيق أنه ذات مرة رافق والده إلى تقديم واجب عزاء لأسرة القصيبي في سار، وأمسك بيد والده ليتخطى عتبات السلم، وما هي إلا لحظات حتى قدم د.غازي بن عبدالرحمن القصيبي بعد أن كان يجلس مع كبار المعزين من وزراء ووجهاء.ويضيف توفيق تقي «أمسك القصيبي بيد والدي وأدخله القاعة، وقال للحضور هذا الأستاذ له فضل كبير علي فيما أنا به من مكانه أدبية».متى تذكر وزارة التربية والتعليم هؤلاء المربين الأفاضل وتعد مجلداً عن تاريخ التعليم في البحرين، وتخلد ذكرى أولئك الرجال والنساء الذين أسسوا للنهضة التعليمية في أول بلد خليجي عرف التعليم النظامي؟هكذا كان الأستاذ علي محمد تقي الذي التحق بمهنة التعليم عام 1941 وغادرها متقاعداً عام 1983، حيث كرمه في حفل مهيب صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء 13 مارس من عام 1984.علي تقي مثقفاًيقول عبدالله الذوادي «لم يقتصر عمل الأستاذ علي تقي على العمل في مجال التربية والتعليم والإعلام من خلال إذاعة البحرين فقط، وإنما كان له دور في المجال الثقافي والاجتماعي، وكان أحد مؤسسي النادي الأهلي، وأصبح في ما بعد أميناً للصندوق، إذ نما مدخول النادي بشراء الأسهم وإقامة الأنشطة الثقافية والفنية والمسرحية».ويذكر بعض المسرحيات التي قدمها النادي الأهلي إبان تلك الفترة «مسرحية عبدالرحمن الناصر، ومسرحية الهادي وهما تاريخيتان، والمسرحية الاجتماعية لولا المحامي لقتل خالد».كان النادي الأهلي يستأجر دور السينما لعرض بعض الأفلام السينمائية، إذ عرض فيلم البوسطجي من تمثيل محمود شكوكو وهاجر حمدي في سينما اللؤلؤ، وكانت مداخيل هذه الفعاليات الفنية تخصص لتنمية دخل النادي لتنفيذ أنشطته الثقافية والرياضية.