عواصم - (وكالات): أحرز تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي تقدماً جديداً في سوريا على حساب قوات النظام على جبهة ومقاتلي المعارضة وعلى جبهة أخرى، ما يعيد رسم خريطة النزاع المستمر منذ أكثر من 4 سنوات ويزيد من تعقيداته، بينما قتل 6657 شخصاً في سوريا خلال شهر مايو الماضي، معظمهم من قوات النظام والمقاتلين الجهاديين، في حصيلة قتلى هي الأعلى منذ بدء العام الحالي، وفق ما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان.وتتواصل المعارك بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة وتنظيم الدولة من جهة أخرى في الريف الجنوبي الغربي لمدينة تدمر الأثرية، «وسط محاولات من التنظيم للتقدم في اتجاه بلدتي مهين والقريتين في ريف حمص»، بحسب المرصد.وتمكن التنظيم الإرهابي السبت الماضي من السيطرة على بلدة البصيري جنوب تدمر التي استولى عليها في 21 مايو الماضي. وتقع البصيري على مفترق طرق يؤدي إلى دمشق جنوباً وإلى حمص غرباً.ويأتي التراجع الجديد للنظام بعد هزائم متتالية تعرض لها خلال الشهرين الماضيين في محافظة حمص على أيدي «داعش» وفي محافظتي إدلب ودرعا على أيدي فصائل المعارضة. وعزز «داعش» من جهته مواقعه في منطقة واسعة ممتدة من تدمر في محافظة حمص وصولاً إلى محافظة الأنبار العراقية في الجانب الآخر من الحدود. وبات بذلك يسيطر على مساحة تقارب الـ300 ألف كيلومتر مربع من الأراضي بين البلدين، بحسب الاختصاصي في الجغرافيا والخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش، وعلى نصف مساحة الأراضي السورية، بحسب المرصد.وفي الشمال، وصل التنظيم إلى مسافة كيلومترين تقريباً من مدينة الحسكة حيث يخوض معارك مع قوات النظام. وذكر المرصد أن عنصراً من «داعش» «فجر نفسه بجرار زراعي وصهريج مفخخ على حاجز لقوات النظام والدفاع الوطني قرب مدينة الحسكة، ما أدى إلى مقتل 9 عناصر على الحاجز وإصابة آخرين بجروح». على جبهة أخرى في الشمال في محافظة حلب، سيطر التنظيم على بلدة صوران ومحيطها بعد معارك عنيفة مع مقاتلي المعارضة وبينهم جبهة النصرة، ذراع القاعدة في سوريا. وهو يحاول التقدم نحو بلدة مارع الواقعة على طريق إمداد رئيسية لفصائل المعارضة نحو تركيا. وبات على بعد 10 كيلومترات تقريباً من معبر باب السلامة على الحدود التركية.واستقدمت جبهة النصرة والفصائل المقاتلة تعزيزات إلى المنطقة. وتسببت المعارك المستمرة منذ السبت الماضي بمقتل 30 مقاتلاً من «داعش» و45 مقاتلاً معارضاً، بحسب المرصد. ويقول مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن أحد أسباب «هذا الانهيار السريع لقوات النظام عدم القدرة على تعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي يتكبدها».وأوضح أن «هناك تخلفاً كبيراً عن الالتحاق بالخدمة العسكرية. كما أن هناك شعوراً متنامياً في أوساط القوات المسلحة وقوات الدفاع الوطني الموالية لها برفض الدفاع عن مناطق لا يشارك أهلها في القتال»، في إشارة إلى المناطق ذات الغالبية السنية إجمالا حيث «لا حاضنة شعبية» للنظام العلوي.وغالباً ما يعبر موالون للنظام على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا الشعور. وقد أوردت صفحة شبكة أخبار جبلة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي يتحدر منها الرئيس بشار الأسد على «فيسبوك» تعليقاً في هذا الإطار جاء فيه: «التعبئة العامة لا يجب أن تقتصر على أهل الساحل السوريين الذين قدموا آلاف الشهداء والجرحى (...) إنما للسوريين الموجودين في الساحل من كل المحافظات تحت اسم مهجرين وعددهم مليون شاب»، داعياً هؤلاء إلى أن «يحملوا السلاح (...) وإلا فعودوا إلى محافظاتكم».وتعزز التطورات الميدانية الخشية من حصول «تقسيم بحكم الأمر الواقع» في سوريا حيث يتقلص وجود النظام إلى المنطقة الممتدة من دمشق في اتجاه الشمال نحو الوسط السوري «الجزء الأكبر من محافظتي حمص وحماة» وصولاً إلى الساحل غرباً «طرطوس واللاذقية»، بينما يتفرد «داعش» بالسيطرة على المنطقة الشرقية صعوداً نحو الشمال «جزء من محافظة الحسكة وكل محافظة الرقة وبعض حلب». في حين يسيطر مقاتلو المعارضة على رأسهم جبهة النصرة، على الجزء الآخر من الشمال في حلب وإدلب. ويتنازع النظام والمعارضة المنطقة الجنوبية، مع أرجحية للمعارضة.في المقابل، يخسر «داعش» في المعارك المستمرة منذ أشهر بينه وبين المقاتلين الأكراد في أجزاء من محافظتي الحسكة وحلب، إذ يحظى المقاتلون الأكراد بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة أمريكية. وقد تمكنوا من السيطرة على قرى عدة في محافظة الرقة، معقل التنظيم المتطرف.ويزيد الواقع الميداني من صعوبة حسم الوضع في البلاد حيث تسببت الحرب بمقتل أكثر من 220 ألف شخص منذ مارس 2011، ولا يبدو في الأفق أي بريق أمل لحل سياسي قريب.وفي مقال كتبه المحلل آرون لوند على الموقع الإلكتروني لمركز «كارنيغي» للأبحاث أخيراً، قال «بغض النظر عمن يربح وعمن يخسر الحرب في سوريا حالياً، يمكن التأكيد أن لا أحد يملك حظوظاً في الانتصار». وأضاف «في هذه المرحلة، من المستحيل تصوّر دولة نهائية واقعية ومستقرة «بغض النظر عن الديمقراطية» يديرها أحد الأطراف الثلاثة الرئيسية المتنافسة على السلطة في سوريا»، في إشارة إلى النظام وتنظيم الدولة «داعش»، والمعارضة المسلحة حيث النفوذ الأقوى للمتطرفين المتمثل في «النصرة».وخلص لوند إلى أن «المدن قد تسقط ثم تستعاد، المعارك قد تنتهي بالربح أو بالخسارة (...) لكن لا يمكن الانتصار في حرب مثل الحرب السورية، بالقدر نفسه الذي لا يمكن التغلب على وباء أو على زلزال».من ناحية أخرى، قتل 6657 شخصاً في سوريا خلال مايو الماضي، بينهم 1285 مدنياً، 272 منهم من الأطفال. وأحصى المرصد مقتل 793 من مقاتلي المعارضة والأكراد السوريين، و2109 مقاتلين من جبهة النصرة و»داعش»، و2450 قتيلاً في صفوف قوات النظام والمسلحين الموالين لها و»حزب الله» الشيعي اللبناني.