باريس - (وكالات): تكتسب زيارة ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى فرنسا أهمية خاصة ومرحلة انطلاق جديدة في تطور العلاقات السعودية الفرنسية، في ظل تسارع التغيرات الدولية والإقليمية، التي تتطلب تبادل الآراء وتنسيق المواقف بين المملكة والدول الأخرى، التي تتبوأ فيها فرنسا موقعاً متميزاً. ومن المقرر أن يلتقي مسؤولون فرنسيون وسعوديون غداً في باريس للبحث في مشاريع تقدر بعشرات مليارات اليورو تتويجاً لتقارب بين الجانبين. وتشكل الزيارة المرتقبة للأمير محمد بن سلمان، إلى فرنسا إضافة في نمو تطور العلاقات بين البلدين، حيث سيلتقي قادة وكبار المسؤولين الفرنسيين.وتأتي الزيارة بعد أيام على زيارة مماثلة قام بها الأمير محمد بن سلمان لروسيا التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين وكبار أركان الحكومة. وسيعقد الاجتماع الأول لـ«اللجنة المشتركة الفرنسية السعودية» برئاسة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان على إثر زيارة أحيطت باهتمام إعلامي كبير قام بها الرئيس فرنسوا هولاند مطلع مايو الماضي إلى الخليج. وأثناء تلك الزيارة وقعت فرنسا التي تفاخر بأنها «شريك كبير» للمنطقة، صفقة لبيع 24 طائرة رافال حربية مع قطر بقيمة 6.3 مليار يورو وأعلنت إمكان إبرام عقود بعشرات مليارات اليورو مع السعودية.وكان هولاند وعد بأنه «سيكون هناك إعلانات يمكن أن تؤكد» في يونيو الحالي، حتى وإن بقي التحفظ سيد الموقف أكان في باريس أم الرياض. وتتصل هذه المشاريع بقطاعات مدنية وعسكرية على حد سواء.وفي مايو الماضي أوضح لوران فابيوس أن المحادثات بين البلدين تتعلق بـ«20 مشروعاً تمثل عشرات مليارات اليورو إن تم تحقيقها بأكملها». وهي تتعلق خصوصاً بحسب قوله بقطاعات التسلح، والطاقة الشمسية والنووية، والصحة والطيران المدني والنقل.وهكذا فإن مجموعة مطارات باريس تعتبر ضمن المؤسسات التي تم اختيارها مسبقاً لالتزام مطار جدة كما أعلن مؤخراً مسؤول سعودي أثناء معرض لوبورجيه الذي أوصت خلاله الخطوط الجوية السعودية على 50 طائرة إيرباص إيه 330 وإيه 320 بقيمة تناهز 7 مليارات يورو بسعر الكاتالوغ. وفي مجال التسلح تفيد معلومات صحافية أن فرنسا قد تبيع طوافات ومروحيات من نوع بوما إلى الرياض. وقد أبرمت باريس والرياض العام الماضي بعد أشهر من المفاوضات عقداً يتعلق ببيع أسلحة فرنسية إلى لبنان ويمول بهبة سعودية بقيمة 3 مليارات دولار. وقد بدأ تسليم أولى الشحنات في أبريل الماضي. ويأتي التقارب الفرنسي السعودي الذي بدأ مع وصول فرنسوا هولاند إلى الرئاسة في 2012، على إثر التشنج بين الرياض وحليفها الأمريكي الكبير بخصوص نظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي عدلت واشنطن عن ضربه في 2013، وخاصة بشأن إيران التي تسعى الولايات المتحدة إلى إبرام اتفاق معها حول برنامجها النووي بحلول نهاية الشهر. وفي المفاوضات الدولية حول هذا الملف تعتمد باريس موقفاً متشدداً يلقى الاستحسان في دول مجلس التعاون الخليجي التي تنظر بارتياب لنفوذ إيران خاصة النووي في المنطقة. وتخوض فرنسا بدون عقد هذه «الشراكة الاستراتيجية» مع دول الخليج وخصوصاً مع السعودية.وكان الأمير محمد بن سلمان قد التقى في أبوظبي في فبراير الماضي وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان، وذلك على هامش انعقاد معرض ومؤتمر الدفاع الدولي الثاني عشر «آيدكس» 2015، وجرى خلال اللقاء استعراض علاقات التعاون المثمرة بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها، كما تسلم رسالة من وزير الدفاع الفرنسي سلمها سفير فرنسا لدى المملكة براتران بزانسنو، خلال استقباله في مكتبه بالمعذر في مارس الماضي. وتجمع السياستين السعودية والفرنسية رغبة مشتركة في الإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في العالم، وخاصة في المنطقة. وتثبت الأحداث والتطورات، عمق العلاقات بين البلدين من خلال التشاور المستمر بين قيادتيهما لإيجاد أفضل السبل لحل الأوضاع في المنطقة، فالمملكة وفرنسا تركزان على السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً، وعلى استعمال الدبلوماسية لحل النزاعات كما أن البلدين قررا التعاون مع بعضهما البعض سعياً لأفضل السبل للتأثير إيجابياً على القضايا التي تواجه المنطقة.وتشهد العلاقات السعودية الفرنسية تطوراً مستمراً بفضل حرص قادتهما على دعمها وتعزيزها لتشمل مجالات أرحب، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما.ويرتكز التعاون الأمني والعسكري بين السعودية وفرنسا على الاتصالات الوثيقة بين البلدين، في مجالات التدريب والتسليح، لتعزيز الأمن الداخلي للمملكة ودفاعها عن مقدساتها وأراضيها والحق والعدل والسلم في العالم، وهو ما بدا واضحاً من خلال الزيارات المتبادلة بين المسؤولين العسكريين والأمنيين في البلدين، من تقارب وجهات النظر السياسية وتعزيز التعاون الأمني والعسكري بينهما.ويتمثل التعاون في هذا المجال في التدريب الأمني وتسليح القوات البرية والبحرية والجوية في المملكة العربية السعودية، فسبق للسعودية وفرنسا أن وقعتا اتفاقية أمنية في مجال قوى الأمن والدفاع. ويعد التعاون الاقتصادي بين المملكة وفرنسا خير شاهد على متانة العلاقات بين البلدين، وتعد فرنسا شريكاً رئيسياً حيث احتلت خلال عام 2012، المرتبة الثامنة من بين أكبر 10 دول مصدرة للمملكة، كما احتلت المرتبة 15 من بين الدول التي تصدر لها المملكة، فقد تضاعف حجم التبادلات التجارية بين البلدين لتصل إلى أكثر من 10 مليارات يورو في عام 2014 بزيادة 10% مقارنة بعام 2013. وتمثل فرنسا المستثمر الثالث في المملكة، وتصل قيمة أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 15.3 مليار دولار أمريكي، في حين بلغت قيمة الاستثمار السعودي في فرنسا 900 مليون يورو، ويعادل الاستثمار المباشر السعودي في فرنسا 3% من قيمة الاستثمار المباشر الأجنبي السعودي في العالم، و30% من الاستثمار المباشر الأجنبي لدول مجلس التعاون في فرنسا. وكان الأمير محمد بن سلمان قد التقى في الرياض، في أبريل الماضي، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والوفد المرافق له، وجرى خلال اللقاء استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا، ومجالات التعاون في مستجدات الأحداث في المنطقة، كما التقى الشهر الماضي في قصر الدرعية للمؤتمرات بالرياض الرئيس فرانسوا هولاند، حيث جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل دعمها وتطويرها في مختلف المجالات وخاصة الجانب الدفاعي، بالإضافة إلى بحث تطورات الأوضاع في المنطقة.