كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري: الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان تبدأ منذ وقت مبكر، وقبل دخوله حيث يتواصى الناس بالخير، ويذكرون بعضهم بعضاً باقتراب موعد حلول شهر رمضان، ويبدأ بالزحمة في سوق اللحم، إذ يبدأ المواطنون يتراصون أمام «القصابين» لحجز «ذبيحة» تريحهم من المعارك بداية رمضان.ويعتبر أهالي البحرين الشهر الكريم شهر الخير والفرح، وتتجلى المشاعر في الليلة الأخيرة من شهر شعبان، إذ يخرج الناس لمشاهدة هلال رمضان ويتنافسون في مراقبته ويبحثون عن الأماكن المرتفعة، فيصعدون إليها شغفاً وطلباً للفوز برؤية الهلال، إذ إن رؤية الهلال لها رمزية ومكانة عند الناس تلك كانت عاده عرفت عن أهل البحرين وأشقائهم في دول مجلس التعاون أما اليوم فقد تغيرت العادات بدخول التقنيات الحديثة في حياتنا.ويقص لـ»الوطن» الباحث البحريني محمد جمال عن المتغيرات التي دخلت على حياتنا اليوم، قائلاً «بالطبع يختلف شهر رمضان الآن عن أيام زمان نظراً للتطور الذي تشهده مجتمعاتنا الخليجية المنفتحة على العالم، حيث التقنيات الحديثة والتكنولوجيا التي أصبحنا لا نستطيع العيش بدونها فعندما كنا في سن الطفولة كنا ننتظر شهر رمضان بفارغ الصبر لنحتفي به وننشد مختلف الأغاني الشعبية حتى قبل حلوله إلى آخر يوم منه، فكنا في الشهر الفضيل نجهز أنفسنا للألعاب التي تمارس في الليالي الرمضانية ولا تقتصر على الأولاد لكن البنات كان لهن نصيب منها، ونمارس العديد من الألعاب الشعبية مثل «الخشيشة»، و»الصعقير»، و»القلينة والماطوع»، والتي تتطلب منا جهداً بدنياً عالياً نظراً لاعتمادها على الجري والسرعة، فكان آباؤنا وأمهاتنا لا يحملون همنا وكنا لا نخاف بسبب أن الجن يتم ربطهم في شهر رمضان فلا يمسنا ضرهم لأنهم مربوطون والأبواب مغلقة عليهم، فكنا نلعب في كل مكان حتى الخرايب وبالقرب من البحر ليلاً ولا نشعر بأي خوف.عادات متواصلة ويضيف جمال هناك عادات مازالت موجودة رغم الاختلاف في الحياة التي نعيشها والتي اختلفت عن الأمس كتبادل التهاني والتبريكات بمناسبة حلول الشهر، حيث يتبادل الأهل والأصدقاء التهاني بحلول رمضان ويستبشرون الخير من قدومه، سواء بالاتصال أو التوجه مباشرة إلى الأهل كالوالدين وكبار أفراد العائلة، أو عن طريق استخدام الوسائل الحديثة كالرسائل النصية، أما عن الأكلات الرمضانية فهي مازالت حاضرة حيث تعكف بعض الأمهات على الطبخ في رمضان ويتفنن في أكلاته، تجدهن قبل رمضان يبدأن في شراء مستلزماته ومنهن من تقوم بطحن طحين الكباب وتجهيز حب الهريس وخلط البزار وتجهيز ولف السمبوسة بكل أنواعها، وأما اليوم تجد الكثير من الأمهات للأسف صرن يعتمدن على المطاعم في تحضير سفرة رمضان بحجة العمل أو عدم إجادة الطبخ، وكانت قديماً وجبة الإفطار تتكون من الثريد والساكو والنشا واللقيمات والهريس والشربت، وكان الوجهاء من الأغنياء والأعيان يفرشون موائد مجالسهم للفقراء والمحتاجين من أهل الحي ويطعمونهم الأرز واللحم، إضافة للأطباق الرمضانية المعروفة كل مساء.عادات متقاربة ويشير جمال إلى أن عادات رمضان عند المواطنين في دول مجلس التعاون متشابهة حيث تتنوع الأكلات الرمضانية، ومنها مجبوس اللحم والهريس والثريد، وغير ذلك من الحلويات الخليجية المشهورة في الشهر الكريم كالخبيص واللقيمات وقرص العقيلي وخبز الرقاق والكباب والزلابية، إضافة لبعض الحلويات العربية التي أدخلها أشقاؤنا من مصر ودول الشام مثل الكنافة والقطايف والبقلاوة والكثير من الأكلات التركية والهندية التي دخلت على الخط، إضافة إلى الحلوى بلونيها الأحمر والأخضر والتي تشتهر بها البحرين وسلطنة عمان.الليالي الرمضانيةويسرد أن الليالي الرمضانية قد لا تختلف عن غيرها من الدول الخليجية، حيث يلتقي أهل الفريج الواحد في المساجد لأداء صلاة التراويح، وتتفاوت المساجد في أداء عدد ركعات صلاة التراويح حسب ما يراه أئمتها ومشايخها، فالبعض يصلي التراويح عشرين ركعة، والبعض الآخر يصليها ثماني ركعات، واجتماع الناس في رمضان يعتبر ظاهرة مميزة عند أهل الخليج، ويتكرر اجتماعهم أكثر من مرة في اليوم الواحد، إضافة لاجتماعهم وقت أداء الصلوات فإنهم يجتمعون في حلقات لتدارس وقراءة القرآن بعد الفجر والعصر من أيام رمضان، كما يجتمعون عند تناول طعام الفطور في البيت بين الأسرة الواحدة، أو في المسجد رفقة أهل الفريج الواحد، ويلتقي الجميع لشرب القهوة والشاي بعد أداء صلاة التراويح، وتكثر في الشهر المبارك مجالس الصلح والمصالحة بين المتخاصمين والمتشاحنين والمتنافرين، حيث يسامح المتخاصمون بعضهم بعضاً، ويتناسى المتشاحنون ما كان بينهم من بغضاء، ويصل المقاطعون ما أمر الله به أن يوصل، ومن الأشياء الجميلة في شهر رمضان عودة المجالس إلى الحياة لفتح أبوابها لتعود بذلك للحياة ومنها من ينظم الندوات والحلقات الرمضانية وإحضار المتخصصين في إلقاء الندوات الخاصة بالشهر الفضيل والتي تذكر بمحاسن الشهر وسير النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة ولا يبتعد الحضور في المجالس بالحديث عن قضايا الساعة والأحداث التي تشغل العالم من صراعات ومؤامرات وحروب لا تنتهي، ولا يغفل أهل المجالس الحديث عن ذاكرة التاريخ والحديث عن التراث والأمثال الشعبية والألعاب التي كانت في دفاتر رمضان وذهبت إلى دون رجعة.مهنة المسحر وفيما يتعلق بمهنة المسحر التي ارتبطت بهذا الشهر الكريم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول جمال إن بلال بن رباح رضي الله عنه كان أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي حيث كان يجوب الشوارع والطرقات لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب طوال الشهر الكريم، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول «إن بلالاً ينادي بالليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، وكان ابن أم مكتوم هو الذي يتولى أذان الفجر، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسحراتي مهنة رمضانية خالصة، واشتهر من أرباب المهنة «الزمزني» في مكة الذي كان يصعد إلى المئذنة من فوقها معلناً بدء السحور، وفي كل مرة يكرر فيها النداء كان يدلي بقنديلين كبيرين معلقين في طرفي حبل يمسكه في يده حتى يشاهدهما من لا يسمع النداء. أما في مصر فكان أول من قام بمهمة إيقاظ الناس للسحور هو الوالي عنتبة بن إسحاق سنة 832هـ، وكان يسير على قدميه من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة، وحتى مسجد عمرو بن العاص تطوعاً وهو ينادي «عباد الله تسحروا» فإن في السحور بركة، ومنذ تلك الفترة أصبحت مهنة المسحراتي في مصر تلقى احتراماً وتقديراً بعد أن قام بها الوالي بنفسه وتطورت الأشكال التي يؤدي بها المسحراتي عمله، لكن المسحر اليوم في فرجاننا تحول إلى شريط كاسيت في سيارة تجوب الفرجان ولن تشاهده يحمل الطبل ويلاحقه الصبية ليشاركونه السحور إلا في القليل من المناطق التي مازالت تحتفظ برائحة وعادات تلك الأيام.ألعاب شعبية ويستطرد جمال لعل ما يجعلنا نترحم عليه في الشهر الفضيل تلك الألعاب الشعبية الجميلة التي كانت ما تميز ليالي رمضان سواء للبنات أو الأولاد، فإن لم تكن كلها فإن أغلب تلك الألعاب أصبحت في ذاكرة النسيان وتحولت إلى جزء من ماض جميل ذهب إلى غير رجعة، فما إن تلتقي واحداً من رجالات لول إلا وتجده يتحدث بحسرة عن تلك الألعاب ويلوم المسؤولين عندنا في عدم محافظتهم عليها، لافتاً إلى أننا نستقبل رمضان شهر البركة والخير والعبادة والقرآن، وشهر المحبة وزيارة الأهل والسهرات الطيبة والزيارات، والأكلات المتميزة و»الغبكات»، لكنه رمضان الذي فقد أهله الأولين وأكلاته الشعبية التي تربينا عليها وتبادل «صحون الهريس»، والألعاب التي كانت تزين السهرات، ذهبت وتحولت إلى ذاكرة في المسلسلات التلفزيونية.
رمضان لوّل.. «الخشيشة» و«الصعقير» و«المسحر» و«الثريد» و«الساكو»
26 يونيو 2015