تحقيق - حسين التتان: قد يؤكد معظم البحرينيين أنَّ المحرق هي قلب البحرين، وقد يكونون في هذا محقين فالمحرق عبق الماضي ورائحة البحر والتاريخ، لكن تلك المناطق المشبّعة بروح العتيق من الطرقات والبيوت والمساجد والمقاهي، والتي يفوح الماضي من كل شبر فيها، فهي لم يتغير منها الكثير وبقيت تمثّل الذاكرة الأصيلة للبحرين. بعد انتهاء عصر الغوص واللؤلؤ، وبعد العمران الذي طال مدن البحرين كلها، ها هي الطائرات تحلِّق قريباً من رؤوس أهالي المحرق، لتعلن عهداً جديداً من المدنية الحديثة.. أماكن تشبه الآثار، تحاول أنْ تقف إلى جانب المباني الحديثة، وطرقات رملية يريد مرتادوها أن تُعَبَّد، يريدون محرق جديدة لكن شريطة أنْ تبقى محطة للذاكرة الجمعية ونموذجاً راقياً للتسامح والتعايش والذوبان الوطني. الكلمة الفصل للأهالي: لمعرفة نصف الحقيقة أو ثلاثة أرباعها، هو أنْ نستمع إلى المواطنين، أما بقية الحقيقة فنسمعها من المسؤولين، لتكتمل الصورة ونفهم الوضع كما هو. سلطان الإخلاصي من مجمع 204 يختصر مشكلات المجمّع قائلاً: نحن نحتاج إلى إضافة مطبّات في الأحياء السكنية ونريد تعاون الجهات المسؤولة معنا، وهناك مشكلة مواقف السيارات لكنها ليست بالمشكلة الكبيرة، لكن عندنا مشكلة على الطريق 413 وهو شارع صُمَّمَ بصفة خاطئة لا يستوعب السيارات التي تستخدم المخبز، مما يشلّ الحركة عنده وتحدث فوضى مرورية كبيرة، خصوصاً مع وقت العشاء، ولهذا نناشد وزارة الأشغال إعادة تصميم هذا الطريق، ومن حق رئيس مجلس بلدي المحرق عبدالناصر المحميد أنْ نشكره على حضوره معنا ما احتجنا إليه. وإذا عدَّ الإخلاصي مواقف السيارات مشكلة بسيطة، فإنَّ سعد محمد من مجمّع 209 يتحدّث عن هذه المشكلة من جديد، ويقول : اليوم توفّرت بعض من مواقف السيارات بعد إزالة المباني القديمة، لكن هناك مشكلة، وهي أنَّ هذه المواقف غير مخططة للوقوف عليها بانتظام، وشارع الشيخ عيسى فيه مواقف للسيارات، لكنه يحتاج أيضاً إلى تخطيط ورصف، خصوصاً وأنَّ المنطقة ضيقة. مشكلات أخرى يتعرّض لها محمد ويجملها بقوله : إنَّ الإنارة ضعيفة في الحي السياسي وتحديداً خلف بيت سيادي، فهذا المكان قبلة للسائحين ولهذا يجب أنْ تكون إنارته جيدة.. وتوجد أيضاً طرقات وأراضٍ تحتاج إلى الرصف، خصوصاً عند المناطق التراثية والسياحية في المجمع نفسه، والتي من المفترض أنْ تكون طريق اللؤلؤ!!. ويعود جاسم الملا من المجمّع 205 ليؤكد أنَّ مواقف السيارات من مشكلات هذا المجمّع، ويقول: إنَّ مشكلة المشكلات هي شحّ مواقف السيارات، ففي الوقت الذي تمتلك البلديات كراجاً تضع فيه أشياء منتهية الصلاحية يسع لأكثر من 150 سيارة، لكنه ولعدم التخطيط ووجود (كجرتها) فيه، أصبح يستوعب 30 سيارة فقط وبصفة غير منظمة.. وتدَّعي البلدية أنها أعطته إلى مستثمر لإقامة مشاريع استثمارية عليه، في الوقت الذي نحتاجه مواقف لسياراتنا، ونحن نعتقد أنَّ المحميد لم يقدم أي شيء يذكر في هذا الملف. ويضيف الملا: ما زالت طرقات 205 مصممة على الطريقة القديمة جداً، ففيها مساران، بينما هي لا تستوعب سوى مسار واحد.. وشوارع الدائرة كافة تحتاج اليوم إلى تخطيط جديد يتناسب وحجم الازدحامات وأعداد السيارات، التي تزايدت في الآونة الأخيرة. ودّعنا الأهالي واتجهنا إلى الشخص الذي انتخبه أهل الثالثة في المحرق، للوقوف على بعض ردوده ومقترحاته وملاحظاته، خصوصاً فيما طرحه المواطنون. مع الرئيس عبدالناصر الدائرة الثالثة في محافظة المحرق، هي قلبها وروحها وتاريخها، وهي بحسب رئيس المجلس البلدي للمحرق السيد عبدالناصر المحميد، أم البحرين الحنون ورئتها. هذه الدائرة، تحتوي على مجمّعات 204-205-206-209- وتضمُّ أعرق الفرجان القديمة، ولعلّ من أبرزها فريج الشيوخ، والحياج وسيادي والمحميد وبن شدِّة وستيشن وبن نايم والحدادة والمري وأجزاء من فرجان الصاغة والبوخميس. فريج الشيوخ تحديداً يعدّه أهل المحرق قلب المنطقة، فخلال حكم آل خليفة تعاقب الحكام منهم على هذا الفريج، ومنهم من حكم البحرين منذ قديم الزمان، كما أنجبت هذه المنطقة كبار تجار البحرين من العائلات الكريمة والعريقة. ويؤكد رئيس المجلس البلدي في المحرق وممثل الدائرة الثالثة عبدالناصر المحميد أن دائرته تعد من الدوائر المضغوطة في المحرق، وهي ذات كثافة سكانية كبيرة، إذ يتجاوز عدد سكانها الـ7 الآف نسمة، وبما أنها منطقة مكتظة بالناس والمباني، بالإضافة إلى قِدمها فإنَّ تطويرها وتوسعتها أمر في غاية الصعوبة، ولهذا فهي ليست من المناطق التي يمكن أنْ تتمدد مع الوقت ليطالها التطوير والخدمات الأخرى. رحَّب بنا رئيس المجلس، وتحدث إلينا وهو واقف على رجليه فوق الأرض وبين يديه تفاصيل المحرق. فتح الخارطة ليسرد علينا الرواية وأصل الحكاية بعدما انتهى من البداية. شوارعنا غير مؤهلة يقول المحميد: تعاني الدائرة الثالثة في المحرق من مجموعة من المشكلات، التي ربما تعاني منها بقية المناطق، وهي تطوير الشوارع، والبنية التحتية وضعف الخدمات وشح مواقف السيارات، وتكدّس العمالة العازبة، وانتشار الشاحنات في وسط الأحياء السكنية الضيقة، بالإضافة إلى المشكلات الإسكانية، لكن الفرق بين الثالثة وغيرها من مناطق البحرين، هو أنَّ الأولى لا توجد فيها مساحات فارغة يمكن أنْ تقام عليها مشاريع خدمية لأهالي المنطقة، بينما يتوفر ذلك في المناطق الأخرى. ويؤكد المحميد أنَّ غالبية الشوارع في السابق كانت غير مؤهلة وقديمة للغاية، لكن بفضل تعاون وزارة الأشغال مع المجلس فإنَّ معظمها طالها التطوير، كما تمَّ تطوير شارع ولي العهد وشارع البلدية وشارع الشيخ دعيج، إذ كانت هذه الشوارع الثلاثة قديمة لكن الوزارة طوَّرتها خلال العام الماضي، وانتهت من رصفها بعد إنشاء شبكتي الصرف الصحي والأمطار، ومن ثمَّ تمَّ وضع الطوب الأحمر في تلك الشوارع. ويضيف: إنَّ معظم شوارع مجمّع 205 تمَّ تطويرها، بعد أنْ تمَّ الانتهاء من شبكة الصرف الصحي، لكن في مجمّع 206 هناك شوارع سيئة جداً، على الرغم من تحسين بعضها، لكن الوزارة وضعت خطة لتطوير شوارع هذا المجمّع كافة بانتهاء شهر أبريل من هذا العام، لتتم المرحلة الأخرى من تطوير شوارع مجمّع 205. أما بالنسبة لمجمّع 204 فإنه تمَّ رصف غالبية الشوارع فيه. لا بد ونحن نتجوّل في الدائرة الثالثة أنْ نسأل عن حديقة الكازينو الشهيرة، والتي ظلّت مهملة لسنوات عديدة، وحدثنا المحميد عنها قائلاً: حالياً يجري العمل لتجديد حديقة الكازينو، واليوم تمّت إضافة ملعب جميل وحديث للمِّ شمل شباب المنطقة وصغارها للعب فيه، كما تمَّ إنشاء مصلّى، واستبدال أرضية الحديقة، وبالاتفاق مع البلدية ستوضع اللمسات الأخيرة عليها، مثل تطوير سور الحديقة وإضافة جلسات فيها، كما سيستغل بعض أجزاء من أطراف الحديقة لعمل مشاريع استثمارية عليها. ليس هنالك ما يؤرق أهالي الثالثة كما يؤرقهم شحّ مواقف السيارات فيها، فما هو المخرج من هذه الأزمة؟ يجيب المحميد قائلاً : لا توجد مواقف للسيارات في الثالثة، لطبيعتها الضيّقة كما ذكرنا، ونحن اليوم نسعى لاستملاك أراضٍ ومنازل قديمة لجعلها مواقف للسيارات، وبهذا أيضاً نتخلص من تلك المنازل القديمة التي تحوّلت إلى وكر للدعارة وتعاطي المخدرات. ويطالب المحميد وزارة البلديات بأنْ تتعاون بصفة أكبر مع المجلس البلدي بخصوص موضوع الاستملاك، كما يطالب الحكومة بأنْ توفر موازنات إضافية للخدمات الناقصة، خصوصاً في الأحياء السكنية الصغيرة المكتظة بالمباني والناس، ويقول: إنَّ الدولة تناشد أهل المحرق البقاء في مناطقهم وعدم الخروج منها، لكنها لا توفّر الأرضية الملائمة للعيش فيها، ولهذا وجدنا عشرات الأسر تغادر المحرق العريقة، بسبب ضعف الخدمات فيها. أما بالنسبة لمجمّع 209 فستنفَّذ فيه بعض المشاريع المتعلقة بمواقف السيارات، خصوصاً مقابل مسجد سيادي الأثري، وكذلك خلف بيت سيادي، ونحن في المقابل نحاول استملاك بعض الأراضي هناك، لكن نتمنى تعاون الحكومة معنا أيضاً. أما بالنسبة للشوارع في هذا المجمّع، فإنه تمَّ العمل لتطوير بعضها، وجاري العمل لتطوير بقية الشوارع. وتستمر المعاناة ويتحدث المحميد قليلاً عن كراج البلدية الشهير، ويقول: في هذا المجمّع تحديداً هناك كراج يسمى (كراج البلدية)، وهو عبارة عن أرض كبيرة فيها آليات البلديات، وفي جزء منها هناك مواقف للسيارات، ونحن من قبل أعطيناه إلى أحد المستثمرين، لكنه لم ينجز من مشروع الكراج أي شيء، وعلى إثر ذلك تمَّ سحب الاستثمار منه، وها نحن اليوم سنقيم مواقف للسيارات، ومجلساً ومحال تجارية لأجل الاستثمار. يعاني أهالي 205 من ازدحام السيارات اليومي على شارع الشيخ خليفة بن سلمان، المكتظ بالمطاعم التي تفتح من الصباح حتى منتصف الليل، كذلك يحدث هذا الأمر على شارع جمال الدين الأفغاني، ومشكلة شوارع المطاعم أنَّ السيارات تقف فيها بنحو مزدوج، مما يسبب إرباكاً للسائقين، وعليه يتمنى المحميد من إدارة المرور التعاون بهذا الخصوص ومراقبة هذين الشارعين تحديداً بنحو يومي. يقول المحميد: إنَّ من أكبر المشكلات التي تعاني منها دائرتي اليوم هي مشكلة تكاثر سكن العزاب، وعلى الرغم من وجود قانون جيد لهذه المشكلة إلا أنه حبيس أدراج النواب. ولما كانت المنطقة صغيرة وقديمة والكثير من أهلها رحلوا عنها بسبب عدم تطويرها فالعمالة الأجنبية حلَّت محلهم، ولهذا يضعف الأمن الأهلي وتترتب على وجودهم مشكلات أخرى، لعل من أهمها عدم حصول أهالي الدائرة على مواقف للسيارات، لأن هؤلاء العمال يملكون سيارات خاصة بهم ويوقفون شاحناتهم الكبيرة في مواقف الأهالي أيضاً، والحل المؤقت وربما الدائم لهذه المشكلة هو إيجاد استملاك أراضي أو (تحويط) بعضها لجعلها مواقف للسيارات. يرى المحميد أنَّ المشروع الإسكاني في مجمّع 204 يعدّ من أقدم المشاريع الإسكانية في البحرين ويحتاج إلى تطوير بالكامل، وبالأمس نحن ناشدنا سمو رئيس الوزراء الموقر أنْ تُحلّ هذه المشكلة، وبالفعل أمر سموه الجهة المختصة وهي وزارة الإسكان بتطوير هذا المشروع القديم، ونحن ما زلنا في انتظار ردها!!. أشياء تستحق الاهتمام مشكلات مبعثرة هنا وهناك يتحدث عنها المحميد قائلاً : إنَّ دوائر المحرق كلها فيها واجهات بحرية إلا دائرتي، ولهذا فإنَّ من الضروري إيجاد متنفس للأهالي بخلق مساحات للترفيه ولعب الأطفال واستجمام الأسر. أما بالنسبة للإنارة فهي جيدة ويعود ذلك إلى التعاون بيننا وبين الإدارة المعنية بهيئة الكهرباء والماء، وهم في كل مرة يزورون الدائرة لمتابعة موضوع الإنارة. أنا لا أقول إنَّ الإنارة كلها ممتازة ولكن غالبيتها جيدة. وحين يعود المحميد إلى الحديث عن مجمّع 209، فإنه يتذكر بين الحين والحين مشكلاته، فيقول: بعض مواقف السيارات في 209 تحتاج إلى تخطيط، كما يحتاج المجمّع إلى حديقة، فهناك بعض الأراضي كذلك تحتاج إلى استملاك، وأوجد ملعب الكازينو حلاً لكثير من مشكلات الفراغ لدى الشباب، وهو مفتوح لهم بالمجان، فيأتونه من مناطق المحرق والبحرين كلها، بل أتمنى أنْ تنشئ الجهات المسؤولة ملاعب مشابهة لملعب الكازينو في مناطق المحرق كلها، من أجل الشباب. وعن استملاك الأراضي يقول المحميد: هناك اليوم فكرة عن محاولة لاستملاك أرض لتحويلها إلى مراكز شبابية وثقافية بالمجمّع 204، لكن الإجراءات الحكومية عادة ما تتأخر، وهذه الأرض ملك لوزارة الصحة، ونحن طلبنا من وزارة البلديات أنْ تستملكها لتحويلها لمركز شبابي. ويعتقد المحيميد أنَّ دور العبادة في الدائرة الثالثة وضعها جيد، وتمَّ تطوير مساجد عديدة مثل مسجد بن مطر وبن نصر ومسجد حسن إبراهيم كمال، كما تمَّ افتتاح مسجد صغير داخل مشروع حديقة الكازينو. وتحدَّث عن حاجة الدائرة إلى جوامع أخرى جديدة غير الثلاثة الموجودة حالياً، أما المآتم فهي كثيرة ومنتشرة أيضاً وتتمتع بالحرية الدينية في المحرق. المطار والمقاهي والمجالس لا بدّ ونحن في المحرق العزيزة أنْ نتناول أهم ما تمتاز به هذه المنطقة: المطار والمقاهي الشعبية والمجالس المشتركة من أبناء الطائفتين الكريمتين. ماذا عن المطار، وما تأثيره السلبي على الدائرة الثالثة بالمحرق؟ يجيب المحميد قائلاً: لا شك أنَّ وجود المطار في المحرق، يؤثر تأثيراً واضحاً ومباشراً على حركة المرور وسير المركبات في أنحاء المحرق، مما يسببه من ازدحامات مرورية خانقة في جميع الأوقات، كما لا يمكن تجاهل أصوات ضجيج الطائرات، خصوصاً للمناطق المحاذية للمطار، لكن يبقى ذلك ضريبة المطارات في أنحاء العالم كله. هناك مقاهي شعبية مشهورة في الدائرة الثالثة، لعلَّ من أبرزها قهوة بوخلف وقهوة أبو سعد، وبعض المقاهي في السوق، ويقول المحميد: مازالت المقاهي الشعبية في المحرق حيَّة بمرتاديها من الآباء وحتى الأبناء، ويمكن لنا أنْ نطوّرها في حال أقمنا مشاريع كالحدائق وغيرها، ونحن اقترحنا على وزارة البلديات أنْ تُطوّر قهوة بوخلف. أما فيما يخص المجالس فيقول المحميد: إنَّ منطقة المحرق وفرجانها من أرقى وأشهر المناطق في البحرين عبر تاريخها بما ضربتْ لنا من أمثلة رائعة في العيش المشترك، فمذ كنا صغاراً والمجالس والمنازل مفتوحة على بعضها بعضاً، وكنَّا ندخل جميع البيوت، لكن لم نكن نعرف هوياتهم، وما يساعد المجتمع على التلاقي هو أنْ تستمر تلكم المجالس المشتركة التي أسسها الأجداد، ولعلّ من أهمها اليوم في الدائرة الثالثة، مجلس الشكر والغاوي والساعي والبيت العود. غادرنا المحرق، ولم نكن نرغب أنْ نغادرها لقوة عبقها التاريخي والوطني وأصالتها، وما تربطنا بها من ذكريات، وبقي أنْ ننتظر مع المنتظرين أنْ تنالها يد التطوير والاهتمام.
Files
اكتظاظ السكان وضيق المساحة يعوقان التطوير في ثالثة المحرق
15 أبريل 2012