كتب - حسن عدوان:شيّع آلاف البحرينيين، يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة نائب جلالة الملك المفدى ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله ووزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة ووزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، أمس، جثمان المغفور له بإذن الله تعالى رئيس جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، إلى مثواه الأخير في مقبرة الحنينية بالرفاع، بمشاركة علماء دين ومسؤولين وقيادات مجتمعية.وحملت جثمان الشيخ عيسى بن محمد على الأعناق في مشهد مهيب، في طريقه إلى القبر، فيما ساد الحزن وجوه محبيه، الذين فجعوا بوفاته، وكانوا يعبرون عما في نفوسهم من حزن على وفاة الشيخ عيسى فكانوا يذكرونه بالخير، مجمعين على أن مواقف وإنجازات الفقيد الراحل يشهد بها التاريخ، سواء على الصعيد المحلي داخل المملكة أو على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، خاصة في المجال الإنساني والخيري.وفي تعبير صادق يفيض بالحب وخبرة الحياة والعمل قال الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة في فيديو لجمعية الإصلاح لمراحل تأسيس جمعية الإصلاح قبل 75 عاماً والتي تأسست عام 1941..قال الشيخ عيسى «أبتها السموات والأرض واحنه الإنسان الضعيف نحملها، لكن بعزة الله وقوته سنصل بها إن شاء الله إلى منتهاها، هذه أمانة... هذه أمانة» وقصد بها دعوة الإسلام، ولا يدرك معنى هذا الكلام إلا من نذر نفسه لخدمة الوطن والدين وقد أدى واجبها على خير وجه، وكان الله في عون من سيحملها من بعده.وانتقل الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة إلى رحمة الله تعالى، مساء يوم الخميس الماضي خارج البحرين عن عمر يناهز 78 عاماً، وترك الشيخ بصمات مضيئة ومؤثرة في كافة المناصب التي تولاها طوال حياته العامرة بالعمل لصالح المملكة ورفاهية أبنائها منذ أن عمل قاضياً بمحاكم البحرين، مروراً بتوليه وزارة العدل ووزارة العمل، وانتهاء بترؤسه لجمعية الإصلاح التي شهدت بفضل حكمته وقيادته الواعية طفرة نوعية في العمل الخيري ونقلة إيجابية في البرامج والمشروعات والمبادرات التي تلبي الاحتياجات الإنسانية والاجتماعية لكثير من المواطنين. وأشار المشيعون إلى أن الفقيد يعد رمزاً وطنياً تجمع عليه مختلف أطياف البحرين، فهو شخصية جامعة بإنسانيته وحكمته وكرمه وطيب خلقه، ورمزاً وطنياً للعمل الخيري والتطوعي على المستوى المحلي والدولي، رجل أثبت وجوده في المحافل الرسمية عندما تقلد منصب وزير العمل والعدل، والتطوعية بترؤسه جمعية الإصلاح، وحتى عمله في مجال المحاماة.وقالوا إن الفقيد جمع الناس حوله بالحب وطيب المعاملة وحسن الخلق وتواضعه مع الصغير قبل الكبير، فكان بمثابة الأخ للكبير والأب الروحي للصغير وكان دءوباً في عمل الخير ويحرص على أن يكون أول الحاضرين في جميع الفعاليات والأنشطة المعنية بالأعمال الخيرية، والداعم لها قلباً وقالباً.وذكروا أن الفقيد عرف بحكمته وهي من الصفات التي جعلت الجميع يتفق مع إنسانيته وأن اختلف معه فكرياً، فهو شخصية أجمعت جميع الأطياف في البحرين على حبه، وتسابق المختلفين معه بالفكر في رثائه قبل من يجتمع معه بالفكر، مؤكدين أنه رجل يجمع الناس حوله بالمحبة، ولا يجمع الأعداء.واستقال الشيخ عيسى بن محمد، من العمل الرسمي للتفرغ للأنشطة التطوعية، بعد أن كان وزيراً للعمل والعدل لفترة من الزمن، ومن أعماله الخيرية حرصه على إطعام الصائمين في المسجد، وتوزيع الطعام على المصلين بنفسه، ويشرف على تناولهم الطعام، ومن أبرز مناقبه على الصعيد الوطني، ترؤسه لجنة ميثاق العمل الوطني، ولعبه دوراً رئيساً في المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، والداعم لأبرز ما جاء في الميثاق.وأضاف المشيعون أن فضائل الفقيد في العمل التطوعي عديدة، خاصة كرئيس لجمعية الإصلاح إذ كانت له مواقف مشرفة لا ينكرها إنسان، وأنه كان رجلاً يحرص على دعم الأعمال الخيرية في البحرين، والأعمال الإغاثية على المستوى الخارجي، ودعمه لا يقتصر على أنشطة الجمعية بل يمتد إلى فعاليات الجمعيات الخيرية الأخرى، وأن الفقيد ترك بصمة بارزة في الحركة التطوعية والأعمال الخيرية في البحرين.وعرف الفقيد الراحل بين جميع من اقتربوا منه وعاشروه وعملوا معه بكونه «شخصية وطنية جامعة»، وهكذا شهدوا بكونه نموذجاً واضحاً للخلق الرفيع وبالأدب الجم الذي يأسر القلوب وبتواضعه مع الكبير والصغير متجاوزاً كل الحواجز الاجتماعية المصطنعة التي لا يفلح الكثيرون في تخطيها، وصاحب صدر رحب وابتسامة لا تفارق وجهه حتى عندما كان في أشد حالات المرض، يحب الخير للجميع.وأثرى الفقيد عيسى بن محمد حياته العملية بالأخلاق الفاضلة العالية، والأمانة الصادقة، وبالتنظيم المتزن، وبالتطوير المستمر في كل مصلحة أو وزارة شغلها. وكانت له أيادٍ بيضاء، وحسنات حميدة مع موظفيه ومع كل من كانت له معهم علاقة عمل أو أي مصلحة أخرى. ويذكر الكثيرون ممن عاشروه وعملوا معه أنه عندما تسلم وزارة العدل والشؤون الإسلامية ثم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية كانت له أدوار مشرفة في ترقية الكثيرين من موظفيه، ومنهم من ساعدهم لتكملة دراساتهم العليا أو مواصلة الدراسة لمن لم يتمكن من تكملة دراسته الثانوية أو الإعدادية من قبل. وكان يرشح الكثيرين منهم لحضور المؤتمرات والندوات والدورات الدراسية والمراكز التأهيلية التي كانت ترفع من درجاتهم الوظيفية، وتحسن من مستوى مرتبتهم المعيشية.وولد الشيخ عيسى بن محمد بن عبدالله في 25 نوفمبر عام 1938 بمدينة المحرق، ودرس بمدرسة الهداية الخليفية وتخرج فيها عام 1950، ثم واصل دراسته في مدرسة حلوان الثانوية بمصر والتي حصل منها على شهادتي الثقافة والتوجيهي العام 1956م، ودرس الحقوق في جامعة القاهرة حتى حصل على بكالوريوس في القانون عام 1962م.وعمل في الكثير من الوظائف، منها قاضٍ في محاكم البحرين 63-1968م، ورئيس للمحكمة الكبرى 68-1973م، وعضو في محكمة الاستئناف العليا، ووكيل بوزارة العدل 73-1974، وأصبح وزيراً للعدل 74-1975، ثم وزيراً للعمل 75-1980.وترأس الفقيد عدة جمعيات، هي: الإصلاح، ومدرسة ابن خلدون الوطنية 1985م، والمحامين البحرينية 1980م، ومكافحة التدخين. كما أصبح رئيساً لمدرسة ابن الهيثم الإسلامية، ورئيس مجلس أمناء مدارس الفلاح.وشغل الفقيد عضوية الكثير من الجمعيات والهيئات بينها عضو بجمعية المحامين الدولية، وعضو بالمجمع العربي لحماية الملكية الفكرية، وعضو في «المستشارون الخليجيون»، وأمين سر الجمعية الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، وعضو منظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم، وعضو مؤسسة آل البيت بالأردن.