منذ شهر كامل، في 17 من تموز 2015، توقفت شركة «سوكلين» المكلفة بجمع ومعالجة النفايات، عن جمع نفايات محافظتي بيروت وجبل لبنان بسبب إقفال أهالي منطقة الناعمة جنوب العاصمة، للمطمر الذي أنشئ فيها.هذا المطمر الذي اتخذته «سوكلين» لطمر نفايات بيروت وجبل لبنان قد أتخم منذ سنوات، ولم يعد يستوعب المزيد من النفايات، إلا أن الشركة لم تتوقف عن اتخامه بمزيد منها، ما اضطر أهل المنطقة إلى الاعتصام أمام المطمر ومنع شاحنات نقل النفايات من الدخول إليه.من حينها يواجه لبنان «أزمة نفايات»، ولم تأخذ هذه الأزمة أكثر من يومين كي يشعر بها جميع المواطنين، وما إن أكملت الأسبوع حتى تحولت بيروت وضواحيها من جبل لبنان، إلى مكب نفاياتٍ كبير، فتحت كل بيت وفي كل شارع دون استثناء، مستوعبات أتخمت فتحولت إلى مكب كبير حيث أغلق عدد منها بعض الطرقات، فيما تطارد رائحة كريهة المارة أينما ذهبوا.ولم يتعد التعامل مع الأزمة في الأيام الأولى استخدام «سوكلين» لمادة كلسية بيضاء تساعد في تخفيف الرائحة، أما المواطنون الغاضبون فعملوا على إحراق النفايات للتقليص من حجمها. وقد تم الحرق في كثير من الأحيان خلال اعتصامات أغلقت فيها الطرقات بمكبات النفايات لإحراقها، في مشهد يشبه اعتصامات سابقة استخدمت فيها الإطارات المشتعلة لإغلاق الطرقات.وعملت بعض البلديات على إزالة النفايات من الأحياء السكنية مستعينة بجرافاتها، وذهبت بها إلى مكان مجهول. لنكتشف بعد حين أنها اتخذت مطامر خاصة بها بشكل مؤقت ريثما يتوصل المعنيون إلى حل.واللافت أن بعض هذه المواقع كان عبارة عن أماكن عشوائية مثل الوديان الجبلية والأحراش التي جعلت المشكلة أكبر، وأصبح تجمع النفايات عشوائي يهدد المساحات الخضراء، حتى أنه وصل إلى بعض المناطق البقاعية.وفي خضم هذه الأزمة حاولت الدولة، التي عجزت حتى اليوم عن إيجاد حلول جذرية لها، العثور على مطامر في مناطق أخرى تركز معظمها في إقليم الخروب جنوب بيروت، فجاءت ردة فعل أهالي تلك المناطق سريعة، حيث عمدوا إلى الاعتصام وإغلاق طرقات رئيسة، منعاً لتحول منطقتهم كما منطقة الناعمة، إلى منطقة ملوثة تتسبب النفايات فيها بالأمراض والأوبئة.مبادرات مدنيةمنذ بدء الأزمة تشكلت مجموعات من الناشطين الذين ترجموا اعتراضهم على مواقع التواصل الاجتماعي بتحركات ومظاهرات أمام السراي الحكومي (مقر مجلس الوزراء).وأبرز هذه المجموعات (#طلعت_ريحتكم)، التي استطاعت حشد الآلاف من المواطنين الغاضبين. هذه المجموعة لم تكتف فقط بالاعتراض، بل استعانت بخبراء بيئيين وطرحت في تحركها الأخير حلولاً بيئية على الدولة وعلى المواطنين، وتركزت معظم الحلول المطروحة على البدء بفرز النفايات من المصدر، أي أن يستخدم كل منزل ثلاثة مستوعبات لرمي النفايات، يوضع في إحداها الزجاج والبلاستيك، وفي الأخرى الأوراق والكارتون، أما في الثالثة فتُرمى فيها بقايا المأكولات والأطعمة.حتى أن مجموعاتٍ أخرى بادرت إلى توزيع أكياس من النفايات بألوان مختلفة على المنازل، وطلبت أن تقسم النفايات داخلها، على أن يمر أفراد من المجموعة لجمع الأكياس من المنازل كي يقوموا كمبادرة فردية بإعادة تدويرها.ويحاول المجتمع المدني تكريس فكرة فرز النفايات وطرح طرائق للاستفادة منها، كما يعمل على توعية المواطنين من خلال كشف ملفات ما أسموه «سرقة سوكلين». هذه الملفات تكشف بالأرقام عائدات الشركة المحتكرة «سوكلين» المرتفعة جداً، وتوضح لهم أن هذه الأموال التي تتقاضاها هذه الشركة هي من جيوبهم.مصالح سياسيةلا يمكن حصر مسؤولية النفايات بوزارة البيئة، فكما هو حال معظم المشاريع الحيوية في لبنان، تتقاسم جهات حزبية متعددة «قالب الحلوى»، إذ أن شركة «سوكلين» التي يقترب موعد انتهاء عقدها بعد بضعة أشهر، عبارة عن شراكة بين عدد من الشخصيات الحزبية النافذة في لبنان، وهذه الشخصيات تسعى بشكل مستمر إلى تجديد عقد هذه الشركة الذي بدأ التزامه في العام 1994.وتوضح دراسات أجرتها جهات مستقلة ورسمية أن عائدات هذه الشركة من الدولة اللبنانية قد تضاعف عشرات المرات، ووصل إلى أرقام خيالية غير منطقية لمعالجة الطن الواحد من النفايات. ومع هذا، تتذرع الجهة المختصة بإبرام العقد، بعدم تقدم أي شركة أخرى خلال فترة طرح المناقصة التي تجرى لالتزام شركة تعنى بجمع ومعالجة النفايات، وبهذه الطريقة استمرت شركة سوكلين حتى يومنا هذا.يربط عدد كبير من المواطنين والسياسيين (غير المستفيدين من سوكلين) أزمة النفايات بأزمة الشركة، ويدعون إلى إجراء مناقصات عادلة تؤمن تقديم شركات مختلفة لعروض تنافسية لاستلام مهمة النفايات، وعدم التجديد لشركة «سوكلين».«العربية نت»