كتب - مصطفى الوهيب: القضية المعروفة إعلامياً بـ «خلية حزب الله» بالكويت أُشبعت تغطية ونقداً وتحليلاً واستقصاء في عالمنا العربي؛ لخصوصيات تتعلق بتفاصيل القضية وسياقها الخليجي الكويتي وحساسيتها الطائفية، فهي تمس مباشرة الأمن الاجتماعي والاستقرار لدولة الكويت، وترتبط مباشرة وعضوياً بالصراع الطائفي الذي تقوده إيران في المنطقة، لذلك لا عجب أن أهل الحي، في الخليج العربي، استُنفروا جميعاً لمتابعة هذا اللون الجديد من التنظيمات المسلحة الإرهابية: ونقصد الشيعية! ولكن ماذا عن الإعلام الغربي، وكيف تعاطى مع هذه القضية؟حتى نكون موضوعيين ونستخلص الحقيقة، والحقيقة فقط، لن نفترض أي وجود لنظرية المؤامرة، ولن نضع أي أحكام مسبقة، بل سنتتبع الحقيقة بحياد موضوعي، بارد عاطفياً، وسنسعى في هذا المقال إلى تحليل السياسة الإعلامية الغربية تجاه أكثر القضايا إلحاحاً في الشرق الأوسط بالوقت الحالي، ونعني الصراع الطائفي الذي تقوده إيران وتوجهه ضد أمن الخليج العربي.وسنفترض من باب الموضوعية والحياد، أن الإعلام الغربي محايدٌ في تعاطيه مع الصراع الطائفي، وينحاز ضد «الإرهاب المسلح» كائناً من كانت هويته وانتماؤه ومذهبه! وأن الإعلام الغربي هو رافد حضارته الغربية التي تسعى، ولو ظاهرياً، لتعضيد السلم العالمي وكبح الصراعات المسلحة!ولكي نتوصل إلى استنتاج قاطع بخصوص التغطية الإعلامية الغربية لحادثة الخلية الشيعية في الكويت، قمنا باستقصاء شامل في كبريات الصحف الغربية حول طريقة تناولها للأحداث «الإرهابية» التي مسّت أمن الكويت مؤخراً، باعتبارها المصدر الرئيس للمعلومات في بحثنا هذا، والمرآة العاكسة للسياسات الإعلامية في الغرب، وحتى لا نحيد كثيراً عن الأصول البحثية المتعارف عليها، فقد حددنا سياق البحث بالصحف الغربية الناطقة بالإنجليزية، باعتبار أن الخليج تناوب على استعماره البريطانيون ثم الأمريكيون حصراً، وشؤونه ترتبط عضوياً بمصالح تلك الدولتين الاستعماريتين، ومن ثم استبعدنا الصحف الألمانية والفرنسية والإيطالية وغيرها، ثم ركزنا على الصحف الأكثر انتشاراً في تلك الدولتين، وخصصنا استقصاءنا بالصحف الجادة فقط، واستبعدنا الصحافة الصفراء.وحتى تتشكل لدينا مقارنة موضوعية؛ اخترنا البحث في التغطية الإعلامية الغربية لحدثين أمنيين مسّا أمن الكويت مؤخراً؛ وهما تفجير مسجد الإمام الصادق، واكتشاف خلية حزب الله في الكويت؛ لتشابه هذين الحدثين من ناحية استهدافهما لإمارة خليجية نفطية، ووجود بعد طائفي مذهبي في كليهما، واشتمالهما على عناصر العنف المسلح المضاد لأمن البلاد واستقرارها، فضلاً عن ارتباطهما بمنظومة إيران، عداء (ولو نظرياً في حالة تفجير مسجد الإمام الصادق) أو موالاةً (كما في حالة خلية حزب الله الكويتية)، فضلاً عن أن الحدثين وقعا في فترة زمنية متقاربة جداً، فتفجير الإمام الصادق وقع في 2015/6/26 وخلية حزب الله الكويت كُشفت في 2015/8/13.بادئ ذي بدئ، نستعرض الطريقة التي غطت بها الصحف الأمريكية الرئيسة تفجير «مسجد الإمام الصادق» وتبنته داعش، الذي حاز تغطية شاملة من جميع الصحف الأمريكية الكبرى، وبجميع تفاصيل الخبر بدءاً من التفجير وانتهاء بتشييع الضحايا، وبنسبة 100% في جميع الصحف التالية (مرتبة بحسب درجة انتشارها وتوزيعها بالولايات المتحدة الأمريكية بدءاً من الأعلى): يو أس إي توداي USA Today، ووال ستريت جورنال The Wall Street Journal، نيويورك تايمز The New York Times، لوس أنجلس تايمز Los Angeles Times، ديلي نيوز Daily News، نيوز داي Newsday، والواشنطن بوست The Washington Post. وبالإمكان البحث مباشرة في جميع تلك الصحف من خلال الكلمة المفتاحية Kuwait، لاستطلاع تغطيتها المباشرة والمكثفة لتفجير مسجد الإمام الصادق وتبني داعش مسؤوليتها عن ذلك التفجير.لكن من الناحية الأخرى، وجدنا شيئاً مثيراً للاهتمام بتغطية نفس تلك الصحف لقضية ما يُعرف بـ «خلية حزب الله الكويت»، التي برزت مؤخراً. فمن بين جميع تلك الصحف، لم يرد أي ذكر لذلك الخبر نهائياً، وكأن شيئاً لم يكن في الكويت، وكأن الحياة الطبيعية تمضي في الكويت دون اكتشاف لترسانة ضخمة من أسلحة مدفونة تحت الأرض وموزعة من قبل مواطنين كويتيين (وغير كويتيين) يتبعون حزب الله اللبناني وتدعمهم إيران!الاستثناءات القليلة التي تناولت الخبر لم تذكره إلا بشكل مقتضب وبصياغة إعلامية سلبية (سنأتي لتفصيلها لاحقاً)، حيث اقتصرت التغطية الهزيلة لخلية حزب الله الكويت على الصحيفتين الأقل انتشاراً وتوزيعاً في الولايات المتحدة، واللتين تأتيان في ذيل القائمة، وهما الـ «نيوز داي» والـ«واشنطن بوست»، أما بقية الصحف فالتزمت الصمت التام، والتجاهل لكل خبر يتعلق بموضوع اكتشاف الأسلحة القادمة من إيران، والتدريب الذي تلقاه أفراد هذه الخلية في حزب الله، وهو خبر بالغ الأهمية في إمارة نفطية تربطها بالولايات المتحدة علاقات اقتصادية واستراتيجية عميقة!إذاً؛ اثنتان فقط من مجموع الصحف الأمريكية السبع الكبرى التي أشرنا إليها غطت الخبر وبطريقة مقتضبة جداً، حيث صاغت عنوان الخبر كالتالي «الكويت تمنع النشر فيما يتعلق بالإغارة على خلية إرهابية»، دون ذكر مقدمات الخبر ومقتضياته المنطقية وأحداثه الأولية، ودون أي ذكر لكلماته المفتاحية الرئيسة: «حزب الله» و«إيران» أو «الشيعة»! وهذا النص تحديداً تكرر بكلتا التغطيتين: «Kuwait issues gag order after raid on suspected terror cell»، وهو نص يركز على رد الفعل الوقائي والمبرر لأجهزة الأمن الكويتية، وهو رد فعل لا يستطيع القارئ الأمريكي إدراكه في ظل التعتيم الغربي على أوليات الخبر وملابساته التي سبقت قرار السلطات بمنع النشر الإعلامي عن الخبر، وهذا «الاجتزاء من السياق» في العنوان والصياغة الإنجليزية يؤدي إلى إيصال رسالة سلبية للقارئ الأمريكي تتعلق بالشفافية والحرية الإعلامية في الكويت، وهي قضية بعيدة جداً عن أصل المشكلة الكبرى التي تشكلها خلية حزب الله بالكويت، وهذه ثلمة وخلل بمهنية الصحف الأمريكية التي أشرنا إليها.ننتقل الآن للصحف البريطانية، حيث تمت تغطية خبر تفجير مسجد الإمام الصادق بجميع الصحف الكبرى (ولكن على درجات متفاوتة التفصيل)؛ بدءاً من الصحيفة الأعلى انتشاراً وتوزيعاً وهي الديلي ميل Daily Mail، ثـــم الديلـــي ميرور Daily Mirror، والغارديــــــان The Guardian، والديلي تليغراف The Daily Telegraph، ثم ذا تايمز The Times، يليها الإندبندنت The Independent، والديلي إكسبرس Daily Express، أي بلغت نسبة التغطية الصحافية البريطانية المائة بالمائة بخصوص تفجير المسجد من قبل داعش.لكننا، وبشكل غريب، وجدنا نفس التجاهل وعدم التغطية لموضوع «خلية حزب الله الكويت»، حيث اختفى الخبر نهائياً من جميع الصحف البريطانية الكبرى، ولم يرد ذكره سوى بصحيفة الديلي ميل، التي اكتفت بنقله بصيغته من رويترز، دون تحليل أو صياغة خاصة بالصحيفة، وهذا التجاهل المطلق في الصحف البريطانية لموضوع خلية حزب الله الكويتية يتسق موضوعياً مع التجاهل الشبه التام للصحافة الأمريكية للخبر.وفي هذا السياق، لا نستطيع افتراض أن «تجاهل» و«تطنيش» خبر الكشف عن خلية حزب الله في الكويت وترسانتها الرهيبة القادمة من إيران هو محض صدفة: فالكويت تمثل عمقاً استراتيجياً لمصالح أمريكا وبريطانيا، ومثل هذا التهديد الأمني المرتبط بسياق إقليمي يستحيل أن يكون خبراً قابلاً للإسقاط من قائمة الأجندة الإعلامية لتلك الصحف، كما إن التغطية المكثفة للخبر الآخر الذي سبق الكشف عن الخلية، ونعني تفجير مسجد الإمام الصادق، ينفي فرضية أن الصحافة الكبرى في البلدين الاستعماريين غير مهتمة بالأحداث الحيوية السريعة المتغيرة في الخليج العربي. إذاً؛ كيف نحلل هذا التجاهل الغربي للخبر المتعلق بالشيعة وإيران؟ مبدئياً، نستطيع اعتبار أن هذا التجاهل هو قرينة أساسية تؤكد أن السياسة الغربية عموماً، ولسبب ما، ترفض رفضاً قاطعاً إدخال الجماعات الشيعية المسلحة في خانة «الإرهاب»، وتسعى بشكل واضح لشيطنة الجماعات المسلحة السنية فقط، وحصر الإرهاب بالمذهب السني حصراً، وربط كل العنف الحاصل في الشرق الأوسط بداعش، وغض الطرف عن العنف الطائفي وجرائم الإبادة البشرية التي تمارسها إيران والجماعات المدعومة من قبلها والغارقة بالإرهاب المسلح الشيعي!وبناء على المعطيات التي سقناها هنا، يبدو أن كشف الخلية الإرهابية المدعومة من حزب الله الشيعي جاء في توقيت «محرج» للعالم الغربي ممثلاً في الولايات المتحدة وبريطانيا، واللتين «أعلنتا» صلحهما، هما والنظام الدولي، مع النظام الإيراني بعد الاتفاق النووي.لذلك فإن أي «ممارسة مسلحة» من قبل النظام الإيراني أو مجموعاته الشيعية يجب «تجاهلها»، وفقاً للسياسة الإعلامية الغربية التي نستقرئها هنا، خدمة لذلك الاتفاق. فضلاً عن ذلك، نستطيع الاستنتاج أن التجاهل الغربي لتلك الخلية المسلحة ذات الأبعاد الموغلة بالـ«الإرهاب» المدعوم إيرانياً على أرض الواقع: هو دليل آخر لسعي الغرب إلى تبييض صورة إيران في المحفل الدولي، والنأي بها عن صورة البلد الداعم للعنف والحركات المسلحة، وجعلها «ملاكاً» جديداً للغرب مغروساً في قلب الشرق الأوسط، شأنه شأن الملاك الآخر: إسرائيل! بغض النظر عن ممارسات إيران القمعية العلنية خلال أكثر من عقد في العراق وسوريا ومؤخراً في اليمن. وهذا يؤكد نظريتنا التحليلية حول «الجمهورية الإيرانية الثانية» التي سبق نشرها.وهنا، يُـظهر التجاهل الغربي لخلية حزب الله الكويتية، أن الحقائق الدموية على الأرض والتي تدين إيران من قمة نظامها السياسي، ليست ذات وزن من المنظور الغربي. فمصالح الغرب، ومقتضياتها التصالحية مع إيران، هي ما يرسم سياسته عموماً، والإعلامية بوجه أخص، فقط لا غير! وهذا يطعن بشدة في حيادية ومهنية الإعلام الغربي، ويكشف انحيازه لصالح إيران والجماعات الشيعية، بل ويكشف تحالف تلك الجماعات، ضمنياً أو مباشرة، مع الغرب ضد الإسلام السني، الذي يسعون جميعاً لشيطنته (أي الغرب وإيران والجماعات الشيعية المتحالفة معها) من خلال الأفعال الخرقاء لما يُسمى «داعش» و«القاعدة» وغيرها! وعلى ضوء تحليلنا هذا، نجد أن هناك إجماعاً خفياً في الغرب على دعم الحركات الشيعية المسلحة في الخليج، وهذا وإن كان يمثل دعماً معنوياً مباشراً لإيران ومرتزقتها، فإن على الوطنيين الشيعة في الخليج أن يُدركوا أن إيران تستغلهم ضمن لعبة ضخمة تتم بالتواطؤ والاستدراج مع الغرب، وأن ثمة مدفع عملاق جديد يتم تشكيله من عظام «الشيعة» ليتم بها قصف أخوتهم بالمواطنة والإنسانية من «السنة»، فصمت الغرب تجاه خلية حزب الله بالكويت هو إقرار ضمني لحريق تظهر شراراته الصغيرة من بين رمال العبدلي، حيث رياح العراق المتفجرة القادمة من الحدود الشمالية تشعلها طائفية إيران، وستحرق السنة والشيعة معاً. لذلك، نأمل ألا تُشعل خلية حزب الله بالكويت سباقاً للتسلح لمواجهة تُعد لها إيران: فرياح الطائفية لن تستثني بنيرانها أحداً، لا شيعة ولا سنة، وبندقية الإرهاب المضاد للإنسانية سترتد على حاملها، عاجلاً أو آجلاً!«الخليج أونلاين»
دلالات تغطية الإعلام الغربي المنحازة لـ«خلية حزب الله» بالكويت
21 أغسطس 2015