سلطت سلسلة من الاعتداءات في السويد على المتسولين وكثير منهم من طائفة «الروما» الضوء على جانب مظلم في بلد يعتبر حصناً من حصون التسامح، وإن كان التأييد يتزايد لتيار اليمين المتطرف بزعم أن موجات المهاجرين تمثل خطراً على المجتمع.فقد كان تدفق آلاف المهاجرين، وأغلبهم من طائفة «الروما»، صدمة للسويديين ميسوري الحال، إذ أصبح وجود الشحاذين الآن مشهداً طبيعياً خارج متاجر السوبرماركت وفروع سلسلة متاجر «ايكيا» ومحطات قطارات الأنفاق في العاصمة.ولأن معظمهم يأتون من رومانيا وبلغاريا فلهم حرية السفر إلى السويد باعتبارهم من مواطني الاتحاد الأوروبي، غير أن وجودهم أثار اتهامات من جانب الديمقراطيين في السويد أن البلاد تتساهل مع المهاجرين الذين ملؤوها.وقال مواطن من رومانيا يدعى فاسيلي (38 عاماً) ويعيش على أداء أعمال بصفة غير قانونية في مجالات مثل البناء في مختلف أنحاء ستوكهولم «الاعتداء الأول كان في نوفمبر أو ديسمبر العام الماضي. وكان بطلقات الخرطوش».وقال فاسيلي الذي يعيش في سيارته مع زوجته إنه تعرض للاعتداء عدة مرات.وأضاف «زوجتي خائفة جداً جداً».وتستقبل السويد أكبر عدد من طالبي اللجوء مقارنة بعدد السكان من أي دولة أخرى في أوروبا. وبلغ عدد من تقدموا بطلبات للجوء في السويد العام الماضي 81 ألفاً، وجاءت بذلك في المركز الثاني بعد ألمانيا.لكن في حين أن معظم طالبي اللجوء يأتون في الأساس من دول مثل سوريا وأفغانستان وإريتريا ويحصلون على مساعدات حكومية؛ فإن كثيرين من المهاجرين «الروما» يحاولون كسب لقمة العيش وادخار بعض المال للعودة به إلى بلادهم من خلال التسول أو جمع الزجاجات.وفي كثير من الأحيان يبقون في السويد فترة قصيرة وأحياناً تتكرر عودتهم إليها بعد زيارة بلادهم.وتقدر الحكومة أن هناك نحو 5000 مهاجر بعضهم أيضاً من المجر موجودون في السويد بغرض التسول.ويعيش كثيرون منهم في الشوارع أو في مخيمات تنتشر فيها الأقذار. وفي الشهور الأخيرة ألقى مهاجمون مواد كاوية على المتسولين وأحرقوا خيامهم وعرباتهم التي يستخدمونها بيوتاً للإقامة فيها.ليس لديك ما تخسرهوفي منطقة أحراج على مسيرة 15 دقيقة من محطة هوجدالن لمترو الأنفاق على أطراف ستوكهولم أقام نحو 70 مهاجراً من طائفة «الروما» خياماً وأكواخاً بدائية من الأغطية البلاستيكية والألواح المعدنية المتعرجة وغير ذلك من قطع الخردة.وليس عندهم كهرباء. كما إنهم يشعلون النار في الهواء الطلق لطهي الطعام، وليس لديهم سوى بعض الدلاء لغسل ملابسهم.وقال ماريوس جاسبار في جمعية ستوكهولم ستادسميشن الخيرية التي تتولى تدبير الإسكان للمهاجرين في العاصمة «ليس لديك ما تخسره، فالبقاء هنا كشخص مشرد أفضل لك من العودة إلى الوطن».ويقول جهاز الإحصاء الأوروبي «يوروستات» إن متوسط الأجور في السويد يبلغ نحو 2800 يورو (3160 دولاراً) في الشهر. وفي رومانيا يواجه أفراد الطائفة تمييزاً في المعاملة أيضاً؛ إذ إن متوسط ما يحصلون عليه من أجر يقل عن ربع هذا المبلغ.وتعد طائفة «الروما» التي يبلغ عدد أفرادها في أوروبا ستة ملايين نسمة أكبر أقلية عرقية في القارة، وقد كانت الطائفة محل اضطهاد على مدار معظم فترات تاريخها.ويقول كثير من المهاجرين في السويد إنهم يريدون العمل لكن ليس لديهم من المقومات التعليمية والمهارات اللغوية ما يمكن معظمهم من العمل ما يجعل التسول البديل الوحيد المتاح أمامهم.في أغسطس بدأ الديمقراطيون في السويد حملة إعلانات في محطات مترو الأنفاق في قلب ستوكهولم يعتذرون فيها للسياح عن «الفوضى» التي أحدثها المتسولون. وكتب على لافتة أحد الإعلانات «حكومتنا لا تريد أن تفعل ما هو ضروري. لكننا سنفعل ذلك ونحن نتزايد بسرعة قياسية».واقتحم محتجون محطة القطارات فيما بعد ومزقوا اللافتات ووصفوها بأنها إفراط في الخوف من الغرباء.وقال سفين هوفمولر نائب رئيس منظمة «هيم» التطوعية لدعم المهاجرين «هم يريدون الفوضى، يريدون استقطاب السويد لتصنيف الناس إلى نحن وهم».تحمل المضايقاتيقول المجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة إن نحو 300 اعتداء تم الإبلاغ عنه وقع على طائفة «الروما» في عام 2014، بزيادة نسبتها 23 في المائة عن العام السابق، وتقول الشرطة إن الأرقام لا تكشف عن الحجم الحقيقي للمشكلة.ومما زاد من التوتر في السويد بسبب الهجرة أن الشرطة صعدت إجراءاتها الأمنية حول دور إقامة طالبي اللجوء في أغسطس بعد أن وقع اعتداء بسكين في متجر من متاجر «ايكيا» سقط فيه قتيلان. وكان المتهم بارتكاب الحادث من طالبي اللجوء.ويرفض حزب الديمقراطيين في السويد اتهامات بأنهم يصبون الزيت على النار، ويقول المتحدث باسمهم هنريك فينج إن الحملة الإعلانية لم تتحدث سوى عن عصابات إجرامية تستغل الشحاذين.ويريد الحزب خفض عدد طالبي اللجوء بنسبة 90 في المائة. وزاد عدد الأصوات التي حصل عليها الحزب في انتخابات العام الماضي إلى المثلين، ليصل إلى نحو 13 في المائة. وأظهر استطلاع للرأي نشر في أغسطس أن الحزب أصبح الآن أكثر الأحزاب شعبية في السويد، إذ يؤيده 25 في المائة من الناخبين.وقال مارتن فالفريدسون المنسق الوطني للمهاجرين في السويد إن بلاده التي أنفقت نحو 1.4 في المائة من ميزانيتها على سياسات اللجوء في العام الماضي مازالت تحتفظ بالتسامح، لكن عدداً كبيراً من السويديين مستاءون من رؤية المتسولين.وتبحث الحكومة اتخاذ تدابير لتسهيل طرد الناس من المستوطنات غير القانونية وتشديد القواعد الخاصة بتهريب البشر، كما صعدت الحكومة اتصالاتها مع رومانيا وبلغاريا والاتحاد الأوروبي للتصدي لهذه المشكلة.وقال فالفريدسون «لابد أن الحل في بلادهم الأصلية».وفي الأجل القصير لا يوجد شيء يذكر يمكن للحكومة أن تفعله، فلوائح الاتحاد الأوروبي التي تضمن حرية الحركة تفرض عليها ألا ترد المهاجرين على أعقابهم على حدودها، في حين أن طرد المهاجرين من مكان لا يعني سوى انتقال المشكلة إلى مكان آخر.وقالت آن بريت ديوفي التي شاركت في إعداد تقرير عن المهاجرين الرومانيين في إسكندينافيا إن هؤلاء المهاجرين يتحملون المضايقات إلى حد بعيد.وأضافت «هم في أمس الحاجة إلى المال، وهم على استعداد لتحمل المشاق الشديدة».