قيل في العين ما قيل من أشعار وغيرها، ولكن هناك نعمة لا تظهر لغالب البشر برغم أهميتها وعظمتها ألا وهي البصيرة، فالبصيرة عين خفية في ضمير ومكنون صاحبها، عين لا يراها إلا من رزقه بها الله سبحانه وتعالى، فيرى الدنيا بما فيها من المعاني والشفافية، يرى بقلبه وتسانده في ذلك عينه وباقي حواسه فكيف به أن يكون ذا بصيرة من يرى الحق باطلاً ويرى الباطل حقاً؟ وإن زرع الباطل فيه زرعاً أو بقي فيه دهراً لا ينساه أفليس من لحظة تستيقظ فيها بصيرته وتنتفض فيها فطرته فيرى أن الله حق؟عظيمة وجليلة هي نعم الخالق جل وعلا علينا نحن البشر. فالبصر نعمة عظمتها ظاهرة بجلاء ولا يختلف على ذلك اثنان، فالعين بوابة رئيسة واسعة من خلالها نرى الكون، وتتكون من خلالها الانفعالات والانطباعات وردود الأفعال، مع التكامل مع الحواس الباقية، وكيف يكون ذا بصيرة من لا يعرف ولا يميز ولا يقدر اليد الممدودة إليه خيراً؟ فيستنكرها وينكر حصيلها، بل ويعضها منصرفاً عنها. يمد بصره وكلتا يديه وكل حواسه لمن لا معروف لديه عنده، ولا ينتظر منه إلا شراً وغدراً، فيشكره ويكن له العرفان والجميل حتى يغدو له عبداً ، فأنى له البصيرة من لا يعرف ولا يميز بين ماس صقيل وحصى ثقيل؟ بين صديق طاهر وعدو جائر؟ وكيف به أن يكون ذا بصيرة من يرى بعينه ويلمس بحواسه جميل الخلق وعظيم الإبداع ودقة النظام في مناحي الكون الشاسع حوله، ثم يعزو ذلك كله وينسبه إلى غير ذي عقل وتدبير؟ إلى غير ذي حكمة وتقدير؟ أفي ذلك شيء من البصر أو البصيرة؟ وكيف يكون ذا بصيرة من يعامل الناس على مظاهرهم فيحترم من عنده ويحتقر من ليس عنده من ماديات الحياة الزائفة؟ ويجل من يلبس فاخر الثياب ويحط من قدر من لا يلبس فاخرها، وكيف يكون ذا بصيرة من يأمن عدوه جانبه ومن لا يسلم أخوه شره ومكره؟إن البصيرة هي قلب ولب الإنسان وهي بقعة طاهرة صادقة مضيئة، هي نور في القلب بل هي نور في قلب مؤمن ولايمكن أن توجد إلا في قلب مؤمن يؤمن بالنور، نور السموات والأرض فهي امتداد وانعكاس لنور الله على عبده، نور مبدأه السماء ومنتهاه قلب المؤمن ليشع نوراً وضياء وحقاً فيرى ما حوله ومن حوله بجلاء وصفاء، يرى بصيرته ببوصلته قبل بصره، فأي أمر لم تستعن ولم تستدع له هذا الوعي فيك فلن يوصلك إلى سوء السبيل، بل ستشتتك السبل وتضيع بك الدروب، فاللهم متعنا بأبصارنا وأنر بصائرنا واجعلها الوارث منا بفضلك العظيم علينا يا نور أحييت به قلوبنا وأضأت به دروبنا.الناشط الاجتماعيصالح بن علي
البصر والبصيرة
28 أغسطس 2015