بيروت - (وكالات): توافد آلاف المواطنين إلى وسط بيروت أمس للمشاركة في تجمع حاشد دعا إليه ناشطون في المجتمع المدني ضد الطبقة السياسية بمجملها التي يتهمونها بالفساد وبالعجز عن تأمين أدنى متطلبات الناس الحياتية. وهي التظاهرة الأكبر في لبنان التي تتم بدعوة من المجتمع المدني لا من طرف سياسي. ورأى مراقبون أن وزراء تكتل الإصلاح والتغيير بزعامة النائب ميشال عون ووزراء «حزب الله» الشيعي يتعمدون ركوب موجة التظاهرات بغرض الضغط على الخصوم السياسيين في الحكومة، خاصة مع فشل التوصل إلى حل للأزمة، وتلويح رئيس الوزراء تمام سلام بالاستقالة.وأمهلت حملة «طلعت ريحتكم»، الحكومة اللبنانية 72 ساعة لتحقيق مطالبها.وأكدت الحملة في كلمة ألقيت في تحرك وسط بيروت، أنها مستمرة حتى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان واستقالة وزير البيئة محمد المشنوق، ومحاسبة كل من أطلق النار على المتظاهرين العزل الأسبوع الماضي ومحاسبة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق. وأفادت قوى الأمن الداخلي بمحاولة نزع شريط الحماية ورمي المفرقعات في ساحة رياض الصلح وشارع المصارف. من جانبه أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق، العمل لحماية المتظاهرين من الاعتداءات.وفي ساحة الشهداء، وقف ناشطون يوزعون على الوافدين أعلاماً لبنانية كتب عليها «طفح الكيل»، بينما ارتدى العديد من المتظاهرين والمنظمين قمصاناً قطنية بيضاء كتب عليها «طلعت ريحتكم» وهو الشعار الأساسي الذي انطلقت منه الحملة منذ نهاية يوليو الماضي.وأفادت مصادر بأن القادمين إلى وسط العاصمة أتوا من مناطق مختلفة وهم ينتمون إلى طوائف متعددة، وهي ظاهرة نادرة في بلد يعاني من انقسامات سياسية وطائفية حادة. وسار بعضهم في مسيرات راجلة من نقاط عدة في العاصمة. وقالت ديانا الحكيم «32 عاماً» في منطقة الحمرا قرب مقر وزارة الداخلية حيث تجمع المئات قبل الانطلاق نحو ساحة الشهداء للمشاركة في التجمع الرئيسي، «جئت لأطالب بحقوقي، حقوقي الدنيا كمواطنة أن أحظى بالاستشفاء والكهرباء وببلد نظيف».وأضافت «لم أنتخب مرة في حياتي، ولن أنتخب إلا متى رأيت طقماً سياسياً جديداً ونظيفاً».وقال أحد منظمي التحرك، لوسيان أبو رجيلي «نحن ضد الطبقة السياسية كلها، ليست تظاهرة حزبية، هي مطلبية لكل شعب لبنان، لكل الأحزاب».وبدأ حراك المجتمع المدني بعد أن غزت النفايات شوارع بيروت ومناطق أخرى في أزمة نتجت عن إقفال مطمر رئيسي للنفايات جنوب العاصمة وعن انتهاء عقد شركة «سوكلين» المكلفة جمع النفايات من دون التوصل إلى إبرام عقد جديد.ومنذ ذلك الحين، يتم جمع النفايات بشكل متقطع وترمى في أماكن عشوائية، مثل مساحة أرض ملاصقة لمرفأ بيروت وتحت الجسور وفي أراض مهجورة، من دون معالجة وفي شروط تفتقر إلى أدنى معايير السلامة الصحية. ولم تتوصل الحكومة إلى حل للأزمة بسبب انقسام السياسيين، وسط تقارير عن تمسك العديد منهم بالحصول على حصص وأرباح من أي عقود مستقبلية.وقال أستاذ علوم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت جاد شعبان «يجمع كل الناس الذين قرفوا من السياسيين».وتابع شعبان «هذه الحكومة ساقطة، مجلس النواب غير شرعي، الحكومة التي شكلت على أساس أنها حكومة وحدة وطنية لم تقم بشيء».وتأتي أزمة النفايات لتضاف إلى الأزمة السياسية الناجمة عن شغور في موقع رئاسة الجمهورية منذ مايو 2014. وفي ظل الانقسامات والتوترات الأمنية المتقطعة على خلفية النزاع في سوريا المجاورة، مدد مجلس النواب ولايته بقرار صدر عنه في نوفمبر 2014 حتى يونيو 2017، في خطوة عارضتها شريحة واسعة من اللبنانيين معتبرة إياها غير قانونية.ويعاني لبنان من انقطاع في التيار الكهربائي مستمر منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل 25 عاماً، ومن بطالة وبطء في المعاملات الإدارية وديون عامة تبلغ نحو 70 مليار دولار.وحظر المنظمون رفع أعلام غير العلم اللبناني في التظاهرة. وحمل المتظاهرون لافتات هاجمت المسؤولين واصفة إياهم بـ «الزبالة»، في حين تنوعت المطالب من حل لأزمة النفايات إلى المطالبة بتأمين الكهرباء والماء إلى إسقاط النظام الطائفي وانتخاب رئيس للجمهورية واستقالة المجلس النيابي، وصولاً إلى حل لقانون الإيجارات.وارتفعت من مكبرات للصوت أغانٍ وأناشيد وطنية، بينها أغنية للفنانة باسكال صقر فيها «صوت الجوع لما الناس يجوعوا، أقوى كتير من صوت المدافع». وبين وقت وآخر، يهتف المتظاهرون «ثورة، ثورة، ثورة».وتغطي كل قنوات التلفزة على مختلف مرجعياتها السياسية، التحرك، وإن بكثافة متفاوتة.وواكبت مواقع التواصل الاجتماعي الحراك المدني وانتشرت بعد الهاشتاغ الأساسي طلعت_ريحتكم، حملات وشعارات أخرى مثل بدنا_نحاسب، عالشارع، مستمرون، وطفح_الكيل، وحلوا_عنا، وغيرها. في حين وضعت تظاهرة اليوم خصوصاً تحت شعار كلن_يعني_كلن، في إشارة إلى أن الاحتجاج هو على كل السياسيين دون استثناء. وشهد تجمعان شارك فيهما آلاف المواطنين المحتجين نهاية الأسبوع الماضي أعمال شغب قام بها من أسمتهم وسائل الإعلام ـ»المندسين» والذين أقدموا على تحطيم أعمدة كهرباء وإشارات سير وواجهات محال تجارية، وأحرقوا أشجاراً وقطع أثاث وآليات لقوى الأمن ومستوعبات بلاستيكية. كما أقدم هؤلاء على رشق عناصر قوى الأمن بالحجارة وعبوات المياه البلاستيكية.وردت القوى الأمنية بإطلاق الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وبضرب المشاغبين، ولم يسلم بعض المتظاهرين السلميين. وأصيب 200 شخص في المواجهات بين أمنيين ومدنيين.واتخذت تدابير أمنية مشددة تجنباً لتكرار أعمال الشغب، وانتشرت قوى الأمن والجيش في شوارع العاصمة خصوصاً في ساحة الشهداء ومحيطها.وذكر أسعد ذبيان، أحد منظمي الحملة أن «هناك 500 متطوع بين المتظاهرين نسقوا مع قوى الأمن» للحفاظ على الأمن.وشارك عدد كبير من الفنانين اللبنانيين في التحرك. كما شاركت عائلات بكاملها مع الأطفال. وقال الفنان غسان صليبا في مقابلة مع تلفزيون «ال بي سي» إن «ما يحدث لا يشبه أي شيء من قبل. في الماضي، كان زعيم يدعو إلى التظاهر، اليوم كل الطوائف ستشارك، لأن جميع الناس يشعرون بالوجع».