بيروت - (وكالات): تبدي الحكومة اللبنانية عجزاً كاملاً عن حل أزمة النفايات المستمرة منذ أكثر من شهر على الرغم من تصعيد ناشطي المجتمع المدني تحركهم الاحتجاجي ضد الشلل الحكومي والفساد، فيما شدد وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق على أن أي «احتلال أو اعتداء على مؤسسة عامة سيحسم بالقوة إذا لزم الأمر». ودخل عشرات الناشطين إلى مقر وزارة البيئة وسط بيروت واعتصموا داخلها لمدة «8 ساعات مطالبين باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق، متهمين إياه بالفشل في التعامل مع أزمة النفايات. وأخرجتهم القوى الأمنية بالقوة.وبدأ الناشطون منذ شهر سلسلة تحركات احتجاجية بينها تظاهرات حشدت للمرة الأولى في تاريخ لبنان، آلاف الأشخاص لدوافع مطلبية، معبرين عن استياء جماعي من شلل المؤسسات العامة وفساد السياسيين والعجز عن معالجة مطالب حياتية أساسية أبرزها جمع النفايات المكدسة في الشوارع وتنظيم التيار الكهربائي وغيرها من الخدمات. ولم يتمكن مجلس النواب اللبناني للمرة الثامنة والعشرين من انتخاب رئيس للجمهورية، فيما المنصب شاغر منذ مايو 2014، ما يشكل دليلاً إضافياً على الشلل والانقسام السياسي في البلد حول كل القضايا من أصغرها إلى أكبرها. وأرجئت الجلسة التي لم يكتمل نصابها القانوني إلى 30 سبتمبر الجاري.وعبر الناشطون الذين اعتصموا الثلاثاء الماضي في أروقة وزارة البيئة والمنتمون بغالبيتهم إلى حملة «طلعت ريحتكم»، عن تصميمهم على المضي قدماً في تحركاتهم.وقال أحد أركان الحملة أسعد ذبيان «كل الخيارات مفتوحة»، مضيفاً أنه سيتم الإعلان عن «مبادرات جديدة»، و»سندعو كل المناطق اللبنانية إلى الاستنفار والتحرك».ودعا القيمون على حملة أخرى بعنوان «بدنا نحاسب» إلى تجمع في ساحة رياض الصلح وسط العاصمة «للتأكيد على رفض قمع السلطة وتجديد المطالبة بمحاسبة الطبقة السياسية». وقال ذبيان من جهته إن «الحكومة مصرة على تجاهل مطالب اللبنانيين»، مضيفاً أن «المسؤولين في حالة إفلاس سياسي، وهم عاجزون عن اتخاذ أي قرار».وأضاف ساخراً «لم ننجح في إجبار الوزير على الاستقالة، لكننا أجبرناه على ملازمة مكتبه لثماني ساعات، وهو أمر نادراً ما يقوم به». وأشار إلى أن احتلال الوزارة «سجل نقطة تصعيدية في التحرك». وبدأ حراك المجتمع المدني بعد أن غزت النفايات شوارع بيروت ومناطق أخرى في أزمة نتجت عن إقفال مطمر رئيس للنفايات جنوب العاصمة وعن انتهاء عقد شركة مكلفة جمع النفايات من دون التوصل إلى أبرام عقد جديد. ومنذ ذلك الحين، يتم جمع النفايات بشكل متقطع وترمى في أماكن عشوائية من دون معالجة وفي شروط تفتقر إلى أدنى معايير السلامة الصحية. ولم تتوصل الحكومة إلى حل للأزمة بسبب انقسام السياسيين، وسط تقارير عن تمسك العديد منهم بالحصول على حصص وأرباح من أي عقود مستقبلية.وأضيفت أزمة النفايات إلى الأزمة السياسية الناجمة عن شغور في موقع رئاسة الجمهورية، وعن توترات أمنية متقطعة على خلفية النزاع في سوريا المجاورة، ما أعطى مجلس النواب ذريعة لتجديد ولايته للمرة الثانية في نوفمبر 2014 حتى يونيو2017.وقالت مهى يحي من مركز كارنيغي للأبحاث في الشرق الأوسط «الأمر لا يتعلق بالنفايات فحسب، بل بالإدارة»، مشيرة إلى أن السياسيين «يتعاملون مع البلد كأنه شركتهم الخاصة حيث يتقاسمون الأرباح في ما بينهم».وأضافت «في مسألة النفايات، الناس يتوقعون نتائج في اسرع وقت. هناك خطوات يمكن للحكومة القيام بها ستجد صدى في الشارع. إلا أنهم لا يريدون مواجهة الوقائع بان التحرك عفوي ناتج عن عدم قدرة الناس على التحمل بعد الآن». ويطالب المتظاهرون بحل دائم لمشكلة النفايات. كما يطالبون بإجراء انتخابات نيابية، وبمحاسبة المسؤولين عن استخدام العنف مع المتظاهرين.وفي العاصمة، اتخذت تدابير أمنية إضافية في محيط وزارة الداخلية بينما كان وزير الداخلية نهاد المشنوق يعقد مؤتمراً صحافياً يعلن فيه نتيجة التحقيق في استخدام القوى الأمنية العنف مع المتظاهرين الأسبوع الماضي.وقال المشنوق إن أي «احتلال أو اعتداء على مؤسسة عامة سيحسم بالقوة إذا لزم الأمر». وصرح بذلك بعد يوم من سيطرة المحتجين لفترة على وزارة البيئة.وأضاف المشنوق في مؤتمر صحافي بثه التلفزيون أن أي اعتصام سيجري تفريقه أولاً بالقانون ثم بالقوة إذا لم يلتزموا. وفي حين أقر المشنوق بالإفراط باستعمال القوة في 22 أغسطس، أكد أن أي مدني لم يصب بطلقة نار واحدة، وأنه خلال الأيام العشرة الماضية لم يتم إطلاق النار باتجاه المتظاهرين، بل في الهواء فقط. وكشف أنه تقرر تحويل ضابطين إلى المجلس التأديبي، وأن 6 عسكريين سيتعرضون لعقوبات مسلكية.كما أشار إلى أن عدد الموقوفين المدنيين جراء الاحتجاجات بلغ 18 بينهم سوداني وسوري، وقد ثبت على 4 منهم تعاطيهم للمخدرات. إلى ذلك، كرر المشنوق قوله إن دولة عربية وراء تلك التحركات.وكتبت صحيفة «السفير» في عددها الصادر أمس أن «أهم ما كشف عنه تحرك الأمس هو أن انتفاضة 22 و29 أغسطس ليس مجرد زوبعة في فنجان، أو هواية ثورية يمارسها المتحمسون في نهاية الأسبوع، بل هي تعبير عن مسار مستمر ومتجدد لن تنفع محاولات احتوائه أو تشويهه». ويرى خبراء أن على الناشطين ان يحصروا مطالبهم من أجل حصد نتيجة.وقالت سحر الأطرش من «مجموعة الأزمات الدولية، إنترناشونال كرايزيس غروب» «لاشك أن هذه التظاهرات تضع ضغطاً حقيقياً على الحكومة».وأضافت «في مواجهة حكومة تقود المؤسسات من شلل إلى آخر»، كسر التحرك «الخمول السائد داخل المجتمع اللبناني». إلا أنها أشارت إلى أن المطالبة باستقالة وزير قد تثير انقساماً بين المحتجين «ولن تحل أي مشكلة».واستغرق تشكيل الحكومة الحالية 9 أشهر بسبب عمق الانقسامات بين الأطراف اللبنانيين، وهي تضم ممثلين عن مجمل الأطراف، وشكلت بتوازن دقيق بين هذه الأطياف.وعبرت الأطرش عن أملها «في أن تحصل تعبئة هادفة وواقعية للمطالبة بحل لأزمة النفايات (...)، لأن الحركة قد تخسر من اندفاعتها إذا لم تحقق أهدافاً ملموسة في المدى القريب».