^   إذا كان الشعب البحريني طيلة تاريخه المشرق يعتبر من أرقى شعوب العالم وأكثرها ذكاء، وإذا كانت البحرين الدولة السباقة في الريادة والعلم والثقافة والفنون والأدب، وحين يتأكد لنا أن البحرين بلد التسامح والتعايش والمحبة واحتضان الأطياف والديانات والأعراق والمعتقدات، وحين يَبْصُم كل من أقام في البحرين أو حتى مر عليها مرور الكرام، بأنها من أفضل دول العالم انفتاحاً على الآخر، وأن شعبها من خيرة الشعوب العربية والأجنبية على صعيد المعاشرة الخلقية على الإطلاق، بعد كل ذلك، ما الذي يمكن أن نطلق على ما يحدث اليوم، بعد حالات التشنج والتصلب السياسي والديني والمذهبي والوطني والاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد؟. ما الذي تغيَّر في البحرين؟ ماذا أصاب هذا الشعب من مصائب ومحن لم يكن يستحقها أصلاً؟ وإذا أمكن لنا أن نفسر كل تلك التغيُّرات، فكيف يمكن أن تقنعنا الأسباب والمسببات بأن كل الذي حصل من فوضى غير خلَّاقة حصل خلال عام واحد فقط لا غير؟ أليس هنالك أمر مريب جداً؟ نحن وإن كنَّا لا نؤمن بنظرية المؤامرة على الإطلاق، إلا أن ما يحدث أمام أعيننا من انتكاسات فظيعة في وعي هذا الشعب المتحضر، يجعلنا نتساءل في خبث بريء، هل أن هناك أمراً ما، وفي المسألة “إنَّ”؟!!. بالله عليكم، كيف يتجه غالبية الناس في البحرين لتلكم السقطات القاتلة بإرادته الحرَّة ؟ كيف يمكن أن نستوعب هذا الانتحار الجماعي لغالبية الشعب البحريني على الصعيد الاجتماعي، من دون أدنى مراجعة لمستقبل هذا الوطن والخوف على مستقبل الأجيال القادمة؟ كيف ينساق الشعب الذي يضرب به المثل الأعلى في الوعي والتمدن، خلف روايات طائفية سطحية تثير القلق بقدر ما تثير الشفقة؟. هناك فرضيات واحتمالات عديدة، لتفسير ما يحدث من ارتباك في وعي الإنسان البحريني، يمكن لنا أن تناولها هنا على عجالة. الاحتمال الأول، أن وعي هذا الشعب، لم يكن وعياً حقيقياً بل كان وعياً مزيفاً، وهذا الاحتمال باطل، لأن التجارب الممتدة عبر تاريخه العظيم تثبت عكس ذلك، أما الاحتمال الثاني فيقول، إن الأزمة السياسية التي ضربت البحرين ولهول حجمها، فاقت كل الاحتمالات والتوقعات، حتى أثرت بطريقة مباشرة على هذا المجتمع فضربته في مقتل، وهذا الاحتمال يسقط أيضاً، حين نقرأ التاريخ الحديث للشعب البحريني، والذي أثبت أنه حصل على مدى تاريخه من الضربات والأزمات السياسية المؤلمة جداً، ما جعله أكثر وعياً وإدراكاً بالأمور والمتغيرات، بل أصر في كل مرحلة من مراحل أزماته أن يتوحَّد في وجه كل تلك التحديات، وبالفعل وجدناه نجح. إذاً لم يبقَ من الاحتمالات إلا الاحتمال الثالث، وهو أن هناك أيادي خبيثة كانت تعمل في الخفاء ومنذ زمن بعيد بطريقة احترافية، على تفتيت نسيج المجتمع البحريني وضرب وعيه ووحدته عبر مؤامرات حيكت في الظلام. حقيقة هو ما نستطيع تسميته هنا باللهو الخفي، ليس الذي ورد في الفلم المصري “شنبو في المصيدة” ولا الذي تحدث عنه الفنان القدير سعيد صالح في مسرحية “العيال كِبْرِتْ” حين تم اختطاف يونس شلبي في عملية ساخرة، بل هو الواقع المرير، الذي يؤكد مما لا يدع مجالاً للشك، أن هناك أيادي تعبث في وعي هذا الشعب، وتمارس أبشع وأشرس أنواع الدهاء لحرْفِ مسار وعيه الوطني، نحو نزاعات طائفية رخيصة وطائشة. هذه الفئة التي نطلق عليها “جماعات اللهو الخفي”، هي فئة المنافقين الذين لا يمكن أن نكتشفهم بسهولة، لأنهم يتخفَّون بيننا، ليمارسوا لَهْوَهم الغادر، كلما زاد إيمان الناس بوحدتهم الوطنية، فهذه الفئة التي لم يستطع حتى الرسول الكريم “ص” من اكتشافهم لدقة تخفّيهم بين المسلمين آنذاك حين خاطبه الله تعالى بقوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)، هل باستطاعتنا نحن أن نكتشفهم؟. ليس من الضروري أن نكتشفهم، بل لن نتعب أنفسنا في هذا الأمر، وذلك لصعوبة المهمة، لكن من الضروري جداً ألا نشاركهم أعمالهم الدنيئة، فتنقلب علينا أعمالنا حسرات.