من لم يمت من السوريين بالرصاص مات بغيره، فبالإضافة إلى مئات الآلاف من المدنيين الذين سقطوا قتلى وجرحى بمختلف أنواع الأسلحة التي يستعملها الجيش السوري، يفارق سوريون آخرون -هجّرتهم الحرب ويعانون الأمراض المزمنة- الحياة نتيجة نقص الدواء والعلاج في مخيمات اللاجئين بدول الجوار.واكدت تقارير إعلامية اليوم الثلاثاء أن الأطباء يصفون بعض تلك الأمراض وعلى رأسها الفشل الكلوي والسرطان بـ"الباردة"، فهي لا تستدعي تدخلات عاجلة، وإنما يحتاج المصاب بها إلى علاج طويل الأمد ودواء غالي الثمن.تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان قال إن ما لا يقل عن 1800 مواطن سوري مريض فقد حياته داخل سوريا لأنه لم يصل المستشفى، وأضاف التقرير نفسه أن 52 مسعفا و66 صيدلانيا قتلوا من قبل القوات الحكومية السورية.في سياق متصل، أوضحت تقارير طبية أخرى أن أهم الأمراض التي تسببت في وفاة المرضى تحت الحصار وعدم وصول الدواء هي الفشل الكلوي -الذي يستدعي جلسات دورية لغسيل الكلى- والسرطان والأورام الخبيثة التي تتطلب جرعات كيميائية منتظمة، وكذلك الناعور الذي يستلزم توفّر البلازما المطلوبة لإيقاف النزيف، والربو القصبي الذي يحتاج مرضاه وجود موسعات القصبات بالإضافة إلى أمراض القلب.الطفلة ديمة دياب البالغة من العمر سنة ونصف السنة تعيش في مخيم الزعتري بالأردن وتعاني من سرطان جلد، أما فاطمة السلامات (12 عاما) -التي تشاركها العيش في المخيم ذاته- فتقاسمها أيضا معاناة مرض السرطان لكن في الكلية.حالات مستعصيةديمة وفاطمة نموذجان لحالات أخرى كثيرة من مرضى السرطان مهملة في مخيم الزعتري، حالات لا تحصل على أية جرعات علاجية أو مسكنات، كما لا توجد إحصائية دقيقة لعدد المرضى في كامل المخيم الذي تجاوز عدد سكانه 150 ألف نسمة.ونقلت قناة الجزيرة في تقترير لها عن مصدر طبي بالمخيم انه قال إنه على معرفة بقرابة 30 حالة في الزعتري، ورجح أن يكون العدد الحقيقي أكبر من ذلك، موضحا أن اثنين منهم فارقا الحياة مؤخرا دون أن يحصلا على العلاج.وأضاف "لم تقم أية جهة بإحصاء لمرضى السرطان في المخيم لأنهم غير مستهدفين بأية برامج علاجية".وعن حالتهم الصحية، أوضح ذات المصدر -الذي فضل عدم ذكر اسمه- أن المرضى يعانون من أعراض وآلام مختلفة، وأنه لا يملك ما يقدمه لهم سوى بعض المسكنات العادية، وهو ما عبر عنه بالقول "إحدى السيدات المصابات بالسرطان جاءت في الليل تشكو من الألم، أعطيتها مسكنا لكنها توفيت عند الصباح، ومشكلة السرطان أنه ينتشر بسرعة كبيرة".ومن هؤلاء المرضى فتحية (40 عاما) التي صرحت للجزيرة نت بأنها اضطرت لبيع الكرفان الذي تسكنه بمبلغ زهيد لتؤمن ثمن جرعة لعلاج سرطان الثدي الذي تعاني منه، وانتقلت للعيش مع أولادها في خيمة.وفي وصف جانب من معاناتها، تقول فتحية "سابقا قبل الحرب في سوريا كنت أحصل على العلاج بشكل دوري ومجاني في مركز طبي حكومي، ومنذ أن وصلت الزعتري لم أحصل إلا على جرعة واحدة بعدها قيل لي إن التمويل المخصص قد نفد".الحاجة للدعمفي جانب آخر من القضية يرتبط بالشق المادي، رأى رئيس المكتب الطبي السوري الموحد محمد الصمادي للجزيرة نت أن ارتفاع تكلفة علاج هذا النوع من الأمراض -كالسرطان وأمراض الدم وأمراض القلب الخلقية- لا يشجع المتبرعين على التكفل بالمرضى.وقال "حتى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين اقتصر دعمها لمثل هذه الحالات على أقل من خمسمائة دولار وهو مبلغ زهيد مقابل تكلفة العلاج الباهظة التي تتجاوز عشرة آلاف دولار".وتحدث الصمادي -الذي يعمل طبيبا- عن أوضاع لبعض المرضى بعينهم منهم شاب ثلاثيني يدعى أمجد الذي يصارع السرطان في مراحله المتقدمة دون أي دواء يخفف آلامه.وقد خرج أمجد من درعا بهدف العلاج، لكنه وجد نفسه في الزعتري وحيدا وعندما لجأ إلى المكتب الطبي الموحد بعد تدهور حالته الصحية حصل على سكن للجرحى بعمان.ويضيف الصمادي أنه ورغم أن حالة المريض أمجد تستدعي علاجا كيميائيا فإنه لم يحظ بأي مصدر للدعم.وأمام هذا الواقع، دعا رئيس المكتب الطبي السوري الموحد المنظمات والجهات المعنية إلى إيجاد "حل جذري"، مضيفا أن "كل الحلول الفردية أصبحت قاصرة عن تلبية القوائم الطويلة لمثل هؤلاء المرضى الذين تتدهور حالاتهم يوما بعد يوم".