تستعد وزارة التعليم الإسرائيلية لفرض خطة تعليمية على طلاب فلسطينيي الداخل في العام الدراسي الجديد لتقوية الروابط الوجدانية بين الطالب وبين "أرض إسرائيل"، وزيادة محبته للشعب اليهودي. من جهتهم يؤكد فلسطينيو الداخل رفضهم لها باعتبارها تصعيدا في عمليات تهويد المكان والإنسان.وتعكس الخطة توجهات إسرائيل خلال السنوات الأخيرة نحو التشديد على يهوديتها في برامجها ومضامينها التعليمية المعدة لطلاب فلسطينيي الداخل في التاريخ والجغرافيا والأدب والمدنيات وغيرها وأحيانا يتم التشديد على رموز صهيونية أيضا.والخطة التعليمية الجديدة التي ستضاف في العام الدراسي الذي بدأ هذا الأسبوع تعرف بالعبرية بـ"خطة شيلاح" وتعني "الميدان والوطن والمجتمع"، وهي ستعمم على كافة مدارس فلسطينيي الداخل دون ملاءمتها لهويتهم الثقافية واحتياجاتهم رغم أنهم أقلية قومية يمثلون نسبة 17%.رؤية صهيونيةوخطة "شيلاح" المعدة لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، تشمل بالأساس رحلات ومعسكرات في الطبيعة بهدف معرفة البلاد وتنمية الروابط الروحية بين الإنسان والمكان.وتخصّص الخطة قسما هاما منها لزيارات إلى القدس وإطلاع الطلاب على معالمها وتاريخها برؤية صهيونية، إلى جانب زيارة نصب تذكارية عسكرية تمجّد المحاربين القدامى.ويستدل من موقع وزارة التعليم الإسرائيلية على أن الهدف الأساسي للخطة يكمن في تنمية الشعور بالمسؤولية المدنية والأخلاقية والديمقراطية وتعميق الالتزام الاجتماعي والانتماء لـ"إسرائيل وأرض إسرائيل".كذلك تشدد الخطة ضمن سلة أهدافها على إطلاع الطلاب على "الانقلاب الاستيطاني الذي شهدته البلاد مع ولادة الصهيونية وتبلور الثقافة اليهودية فيها".نسج الأساطيرويشار إلى أن كتابا هاما صدر قبل شهرين للمؤرخ الإسرائيلي البارز شلومو زند بعنوان "لماذا توقفت عن كوني يهوديا"، يؤكد أن إسرائيل بمناهجها التعليمية هذه تواصل مساعيها في اختراع "الشعب اليهودي وأرض إسرائيل" بواسطة الأساطير.وبذلك كرر زند المحاضر في جامعة تل أبيب ما جاء في كتابيه السابقين "متى وكيف اخترع الشعب اليهودي" و"متى وكيف اخترعت أرض إسرائيل".وفي جوهرها وتفاصيلها تأتي هذه الخطة ترجمة حرفية للمقولة الصهيونية التقليدية بأنها حولت فلسطين من قفار ومستنقعات إلى مزارع وحدائق غناء.تغييب التسمياتوهكذا تستبدل الخطة القدس بـ"يروشلايم"، وبئر السبع بـ"بئير شيفع"، وصفد بـ"تسفات"، وبيسان بـ"بيت شان"، وصفورية بـ"تسيبوري"، وعسقلان بـ"أشكلون"، وطبريا بـ"طفيريا" إلخ.وتغيّب التسميات الفلسطينية للجبال والأنهار فيصبح جبل فقوعة "جبل الجلبوع"، وجبل الجرمق صار "جبل ميرون"، وجبل سيخ بات "هار يوناه" ونهر العوجا استبدل بـ"اليركون"، ونهر المقّطع بات "نهر الكيشون" وبحيرة طبريا تدعى "يام كنيرت".لكن وزارة التعليم لم تكن هي البادئة بتهويد المكان فقد شرعت إسرائيل من خلال خرائطها ومطبوعاتها الرسمية بطمس الهوية العربية للبلاد مبكرا يوم سنت قانون التسميات في عام 1951كما بينّت ذلك بالتفصيل في كتابها "بجوانب الطرقات وعلى هامش الوعي" الصادر في 2008 للباحثة الإسرائيلية نوجا كدمان.سرقة الوعيفي خطتها التعليمية الجديدة "شيلاح" تطبق السلطات الإسرائيلية الرؤية الصهيونية القديمة هذه بشكل منهجي ومكثف وفي كافة المدارس العربية هذه المرة.من جهتهم يرى فلسطينيو الداخل أن المشروع عملية تهويد جديدة للمكان، ويعتبر المؤرخ والمربي جميل عرفات أنه يرمي لتحقيق أهداف ماكرة ضمن "سرقة الوعي" هذه المرة على المكان، ظاهره جغرافي ثقافي وجوهره سياسي.عرفات الخبير بالجولات الميدانية يشير للجزيرة نت، إلى أن إسرائيل لا تكتفي بعبرنة التسميات بالخطة الجديدة، بل تبادر لنسج أساطير تاريخية يهودية حولها تكتب وتروى بأسلوب روائي جذاب يهدف إلى صياغة وعي الشباب اليهود.تصعيد النضالوهذا ما يؤكده رئيس لجنة متابعة التعليم العربي في الداخل محمد حيادري، معتبرا أن "شيلاح" حلقة جديدة في مسلسل تهويد المكان والإنسان.ويؤكد حيادري للجزيرة نت أن المشروع يتضمن رواية تاريخية مشوهة ومرفوضة تستهتر بمشاعر الطالب العربي وهويّته وانتمائه وبذاكرته وهويته الوطنية.ودعا حيادري مديري المدارس العرب إلى عدم التعاون مع الخطة الجديدة والمطالبة بمضامين مستقاة من التاريخ العربي والرواية الفلسطينية.ويضيف "تعزز هذه الخطة الخطيرة من قناعتي بضرورة تصعيد النضال لإجبار وزارة المعارف على تلبية مطلبنا بحكم ذاتي تعليمي على غرار التعليم للمتدينين اليهود".وهذا ما يشدد عليه رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي في الكنيست جمال زحالقة الذي ينبه في تصريح للجزيرة نت إلى أن "شيلاح" وغيرها من الخطط الصهيونية تتناقض مع المعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق الثقافية للأقليات القومية.