قبل 12 عاماً، وإثر سقوط نظام الرئيس صدام حسين في عام 2003، إثر الغزو الأمريكي للعراق، جزم كثيرون بأن العراقيين سيعيشون أرغد العيش في ظل حكومات التحالف الشيعي المتعاقبة المدعومة من نظام ولاية الفقيه في إيران، لكن الإهمال، والفساد، وإهدار المليارات، وغياب الأمن، والمحاصصة الطائفية، أدت إلى ضياع هيبة الدولة، وسيطرة تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي على مساحات واسعة من البلاد، ليأتي انتشار وباء الكوليرا في البلاد، ليسجل أحدث «إبداعات» و»إنجازات» حكومة التحالف الشيعي بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي، فيما تؤكد مراكز بحثية متخصصة أن العراق وعلى مدى 10 أعوام يغرق في الفساد الذي يستشري في المقام الأول في رئاسة الوزراء، حيث وصلت مديونية البلاد أكثر من 250 مليار دولار. مئات من العراقيين استهدفتهم الكوليرا الفتاكة، بعدما استباحت مناطق عديدة من البلاد، خاصة في العاصمة بغداد، وكأنما كل ما ينقص هؤلاء، هو هذا المرض الذي أودى بحياة العشرات ويصيب المئات، وكأنما لا يكفي العراقيون التهجير والنزوح والأزمات الاقتصادية وتردي الأوضاع الأمنية، حتى تحولت المياه -التي تعد مصدراً للحياة- تهديداً لسلامتهم وحياتهم. وقد امتد خطر انتشار المرض إلى الدول المجاورة، بعد اكتشاف حالات إصابة في كل من البحرين والكويت، لمواطنين قادمين من العراق. واستفحال وباء الكوليرا في عاصمة كبيرة كبغداد دليل على غياب المسؤولية وانتشار ظاهرة الفساد في الدوائر الحكومية والوزارات، فمن شأن انعدام البنية التحتية وتعطل شبكات المياه أن يزيد خطر انتشار بكتيريا الكوليرا، علماً بأن هذا الداء اختفى من معظم دول العالم بسبب التطور العلمي الحاصل في مكافحته والقضاء على مسببات انتشاره. ويحتل العراق المرتبة السادسة لأكثر الدول فساداً بحسب «جمعية الشفافية الدولية» رغم ثروته النفطية التي تدر ثروة هائلة من الدولارات تجعل من هذا البلد أفضل الدول في ظل وجود حكومة وطنية من المفروض أن تعمل لصالح الشعب لا لصالح جيوب مسؤوليها.وأعلنت وزارة الصحة العراقية أن عدد الحالات المؤكدة بالكوليرا في العراق ارتفع إلى 1201 بعد أن تفشى الوباء في البلاد قبل شهر. وأضافت الوزارة أن حالة وفاة واحدة سجلت في محافظة بابل جنوب بغداد. وكان مسؤولون في القطاع الصحي تحدثوا عن 4 وفيات غرب بغداد في سبتمبر الماضي بسبب الكوليرا. وذكر مسؤولون في القطاع الصحي أن الوباء تفشى بسبب المياه الملوثة في نهر الفرات التي تراجع منسوبها كثيراً. والكوليرا من أمراض الإسهال الحادة الناجمة عن تناول أطعمة أو مياه ملوثة. وينتقل المرض بسهولة في المناطق المحرومة من البنى التحتية الأساسية كالمياه النظيفة والمراحيض وتجهيزات الصرف الصحي. وعزا أطباء عراقيون أسباب الإصابة بالكوليرا إلى شرب المياه غير الصالحة، واعتماد الأهالي على الشرب من نهر الفرات والآبار والماء الملوث. واجتمعت وزيرة الصحة العراقية عديلة حمود مع ممثلي 3 منظمات دولية، وهي منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر واليونيسيف في بغداد، للمساعدة في احتواء الوباء والحد من انتشاره بعد تسجيل حالات متزايدة يومياً. وأصبح العراق بلد الثروات والخيرات، والذي من المفترض أن يعيش فيه العراقيون في أرغد العيش، إلى مستنقع للأوبئة في القرن الحادي والعشرين، ما يؤكد تعاقب إهمال الحكومات السابقة في عدم توفير السكن اللائق والماء الصالح للشراب وغياب المرافق الصحية وهي أبسط حقوق يضمنها الدستور العراقي.ويعاني العراقيون من قلة توفير المياه الصالحة وغياب الصرف الصحي وتراكم النفايات ونقص تجهيز الكهرباء وهي كلها قطاعات لها علاقة بنظافة البيئة التي تعتبر أهم عامل في درء مخاطر الأوبئة في البلاد.ويرى البعض أنه عادة ما تحاول الحكومات الفاسدة عند انتشار الأمراض والأوبئة بسبب فسادها أن تقلل من أهمية ومخاطر تلك الأوبئة وتدعي أنها اتخذت إجراءات لمنع انتشارها أو لعلاج الحالات. وأكدت مراكز بحثية متخصصة ومسؤولون غربيون وعراقيون رفيعو المستوى أن موضوع الفساد في العراق يعد واحدا من أهم المواضيع التي تهدد بنية الدولة العراقية وتعرض شعبها إلى مخاطر جمة، كلفت البلاد ديوناً مرتفعة، بسبب تفاقم فضائح الفساد فيه، والتي بلغت حدود الـ250 مليار دولار فقدها في غضون 10 أعوام، وأن الفساد يستشري في المقام الأول في رئاسة الوزراء. وفي هذا الصدد، أعلنت الحكومة العراقية مؤخراً صرف 10 مليارات دينار لشراء مادتي الكلور والشب، لمواجهة وباء الكوليرا. وقال مسؤول عراقي رفيع بوزارة الصحة إن «الإصابات ارتفعت إلى أكثر من 1200 إصابة، وتم تسجيل وفاة 21 شخصاً، في غضون أسبوع، غالبيتها في بغداد ومحيطها»، مضيفاً أن «المدن التي ضربها الوباء هي بغداد والأنبار وصلاح الدين وبابل والمثنى والقادسية والبصرة ونينوى»، مؤكداً أن «أعلى الإصابات كانت في العاصمة بغداد». وكانت لجنة الصحة والبيئة البرلمانية قد دعت إلى ضخ كميات كافية من المياه، وتفعيل عمل المجمعات المائية، الأمر الذي اعتبره مهندسون دعوة متأخرة، إذ إن شبكات مياه الشرب والصرف الصحي تعاني من تلوث وخلل كبيرين ناتجين عن اختلاط مياه الشرب بالمياه الآسنة، بسبب تضرر أنابيب الصرف الصحي، وتهالك شبكات تنقية المياه ومحطاتها. في السياق ذاته، كشف تجار ومتعاملون في قطاع مصانع تعقيم المياه، أن الأسواق باتت شبه خالية بعد زيادة الطلب على مادة الكلور ومعقمات المياه من قبل الدوائر الحكومية والقطاع الخاص.وقال صاحب معامل إنتاج المياه وتعقيمها، إن «الأسواق التجارية في العاصمة بغداد، تشهد منذ أيام طلباً غير مسبوق على مواد التعقيم، وإن المشترين هم جهات حكومية ومعامل في القطاع الخاص». وأضاف أن «سعر غالون الكلور سعة 5 لترات تجاوز 30 دولاراً أمريكياً، بعد أن كان يباع بنحو 15 دولاراً قبل تفشي الكوليرا».وقال الناطق باسم وزارة الصحة، أحمد الرديني، إن «وزارة الصحة تعمل على تقديم الدعم والرعاية الكاملة للمصابين»، مؤكداً «الاشتباه بعشرات الإصابات في مدينة أبو غريب غرب البلاد يجري التعامل معها وفق الفحوصات الطبية». يذكر أن سكان مدينة أبو غريب، ومنهم المئات من الأسر المهجرة، يعانون منذ فترة طويلة من شح المياه النظيفة. وربط مراقبون بين انتشار الأوبئة واستفحال ظاهرة السكن العشوائي، حيث تسجل بغداد النسبة الأعلى في ظاهرة السكن العشوائي بحسب وزارة التخطيط العراقية التي أعلنت أن مليونين ونصف المليون عراقي يسكنون في 1353 مجمعاً عشوائياً في عموم البلاد.والعشوائيات هي تجمعات سكانية من العوائل العراقية المعدمة والفقيرة نشأت في غياب التخطيط العام وغير مستوفاة للشروط البيئية والعمرانية والصحية. وغياب المسؤولية جعل منها مناطق محرومة من كافة أنواع المرافق والخدمات الأساسية الضرورية، فلا مياه صالحة للشرب، ولا كهرباء، ولا شبكات صرف صحي، ولا طرقات، ولا مراكز صحية، ولا مدارس، ولا مواصلات، ولا حتى دوائر أمنية. ونتيجة لذلك تنتشر الأمراض ويتفشى الجهل وتسود الأمية، وتنتشر جميع أنواع الجريمة.
«العراق في زمن الكوليرا».. أحدث «إبداعات» حكومة «التحالف الشيعي»
09 أكتوبر 2015