أكد المستشار القانوني والمحاضر الجامعي إبراهيم مبارك الدوسري أهمية القيام بعمل ما للخروج من وهم نظرية المؤامرة الذي ألزمنا أنفسنا به وفرضناه على الجيل الحالي وأيضاً القادم من دون أن يسعى العالم الإسلامي لإيجاد الحلول العملية البعيدة عن هذا الخمول الذي ولده لنا إيماننا المطلق بتلك النظرية.وأضاف، خلال محاضرة بعنوان «نظرية المؤامرة .. حقيقة أم وهم» بمجلس خليفة الكعبي بالبسيتين، أن المؤامرة يمكن تقسيمها إلى مؤامرة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، غير أن افتقادنا إلى العناصر التي يمكن أن نفرق بها بين هذه الأنواع من المؤامرة وبين الغايات التي تقف وراءها، جعل شعوبنا تربط بينها وبين الإخفاقات التي قد تكون مسبباتها مختلفة تماماً عن هذه النظرية ومتطلباتها، فعلى سبيل المثال أصبح الانحدار الأخلاقي عند الشباب يرتبط عندنا بهذه المؤامرة وهو ما ينطبق على تعثرنا الاقتصادي وتخلفنا الصناعي وسوء إنتاجنا العلمي والثقافي، وهو الأمر الذي تم استغلاله من قبل البعض للتغطية على فشل بعض الأنظمة وسوء إدارتها، حتى باتت جزءاً من تراثنا الفكري.وبين الدوسري، خلال المحاضرة، حقيقة المؤامرة كأسلوب بشري مرتبط بالمصالح، وبين رغبة أبقت على هذه النظرية متقدة طوال هذه السنوات لتحقيق مآرب أخرى من ورائها، لا تقل خطورة عن المؤامرة نفسها وانعكاساتها التدميرية على المجتمعات التي بات بعضها مؤمناً بها إيماناً كاملاً.وأشار إلى أنه في التاريخ الحديث مرت أمتنا بمراحل ثلاث فرضت عليها العمل وفق أوجه وآليات متعددة اختلف كل منها عن الآخر وولد في النهاية هذا التباين الذي عزز من وجود هذه النظرية والإيمان بها بهذا الشكل، فبعد المؤامرة الكبرى التي تعرضت لها الأمة عشية اتفاقية سايكس بيكو وتقاسم بريطانيا وفرنسا أجزاء الأمة، كان قرار الأمة مرهوناً بهذه الدول الاستعمارية التي كان استعمارها يشمل كل المقدرات بما فيها القرار السياسي الذي استفردت به بعيداً عن رأي الأمة التي كانت مغيبة في ذلك الوقت، أما المرحلة الثانية فهي ما تلت عام 1970 والذي نالت فيه جميع الدول العربية والإسلامية تقريباً استقلالها عن الدول المستعمرة وهو ما ألزم دولنا مواجهة ما يعرف بالمؤامرة بمفردها ووفق آلياتها وقراراتها التي لم تنضج بعد، أما المرحلة الثالثة فهي التي تلت انتهاء الحرب الباردة في عام 1991 وتفرد الولايات المتحدة بالشأن العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مما فرض على دولنا وضعاً مقيداً ومتأزماً لم تستطع فيه مواجهة رغبات القوى الدولية الجامحة في التغيير والتي آلت إلى ما نشاهده اليوم من قضايا إقليمية كثيرة متفجرة.وذكر أن تغير موازين القوى الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ولد الشعور عند الشعوب العربية بوجود هذه المؤامرة بعد أن تبخر حلم الوحدة العربية الذي نشأت الأجيال وتربت على أنه هدف يسعى الجميع للوصول إليه، بعد أن أصبح لكل دولة من دولنا رأيها وقراراها المنفرد وأيضاً مصالحها العليا، والتي أدى بالبعض منها بالتآمر على بعض الدول العربية الأخرى، وعدم السعي لاحتواء المشاكل البينية التي أصبحت سمة تميز العقود الأخيرة وترمي بظلالها على العلاقات التي وصلت إلى مستويات متدنية من السوء.وأفاد أن نظرية المؤامرة وعملية التآمر ليست مقتصرة كما نعتقد على ما يقوم به الغرب ضد الشرق العربي والإسلامي وإنما رصدت مؤامرات تمت بين دول الشرق نفسها التي وجدت في نظرية المؤامرة طوقاً للنجاة من مشاكلها وأيضاً باباً لتحقيق مصالحها الضيقة التي تأتي في الغالب على حساب أشقائها من الدول العربية والإسلامية الأخرى.وأوضح الدوسري أن نظرية المؤامرة بكل أبعادها وتجلياتها أصبحت داء عربياً لتحقيق مآرب كثيرة لا تقل خطورة عن المؤامرة نفسها، فعجزنا مثلاً عن مجاراة التطور التكنولوجي الرهيب الذي شهدته السنوات الأخيرة وتأثرنا بالغزو الإعلامي المباشر، دفعنا لاتهام هذا التطور وهذه التكنولوجيا بأنها جزء من المؤامرة على عاداتنا وتقاليدنا وثوابتنا التي لم نحرك ساكناً لحمايتها بنفس الآلية التي نرى أنها هددتنا بها، مع علمنا الأكيد أن الاكتفاء بالكلام لا يمكن أن يوقف المد ولا هذا التغيير الذي أصاب بالفعل ثوابت الأمة في مقتل والتي تخلينا عنها بإرادتنا وركنا إلى نظرية المؤامرة التي آمنا بها من أجل المداراة على عجزنا وفشلنا.ونوه إلى أن فشلنا في اللحاق بركب التكنولوجيا وفي التصنيع والزراعة والثروة الحيوانية فرض علينا التصديق بواقع المؤامرة التي تحاول دول الغرب تمريرها والعزف على وترها لفتح أسواقنا لمنتجاتهم والإبقاء على دولنا كدول مستهلكة وغير منتجة، علماً بأن الإنتاج الأمريكي في جميع الصناعات يتم استهلاك 70% منه في السوق الأمريكية الداخلية وأقل بقليل من 30% يتم تصديره لدول أوروبا وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا فيما لا تستهلك أسواقنا سوى النسبة المتبقية من هذه المنتجات بما يعني أنه لا يمكن أن تكون أمريكا قد سعت للتآمر على دولنا لفتح أسواقنا لها، وهذا الأمر ينطبق على الدول الأوربية والصين واليابان وغيرها من الدول المنتجة، وهذا يقودنا بالطبع للحديث عن بعض السيناريوهات التي يحاول البعض فرضها على عقول أبناء الأمة من خلال الترويج للمقاطعة والتي تعني في كثير من الأحيان مقاطعة السلع الأمريكية والأوربية للضغط على الدول لتغيير مواقفها من بعض القضايا التي عجزنا عن تغيرها بإرادتنا السياسية أو العسكرية.ولفت إلى أن لعبة المصالح التي استحسنت السير جنباً إلى جنب مع النظرية لتدمير المنافسين تارة والتغطية على الفشل تارة أخرى وإلباس الفساد ثوب الواقع في مرات أخرى كثيرة حتى باتت نظرية المؤامرة أسلوب حياة تؤمن به بعض الحكومات والأحزاب السياسية والأفراد على حد سواء.وشدد على أن دولنا ليست الوحيدة التي تعرضت للاستعمار وليست هي الوحيدة التي فتحت أسواقها لمنتجات الغرب وليست أيضاً الوحيدة التي زار بيوتها الغزو الثقافي والتكنولوجي غير إنها فيما أظن الوحيدة التي ربطت بين عجزها وفشلها وبين نظرية المؤامرة المستمرة من دون أن تضع لها إطاراً زمنياً ولو بعيد المدى للتخلص منها ومن تبعاتها.