تحظى قضية الحوكمة في المؤسسات الحكومية باهتمام خاص من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، انطلاقا مما تشكله هذه القضية من أهمية في دعم استراتيجية الحكومة على صعيد زيادة فاعلية الأداء الحكومي والحفاظ على المال العام، إذ أن الحوكمة في عالم اليوم أصبحت مطلباً اقتصادياً واجتماعياً لا غنى عنه، لأنها تجعل من المؤسسات الحكومية جسماً اداريا واحداً متكاملاً فاعلا ومنتجاً قادرا على ان يترجم الاهداف والسياسات الى واقع، وذلك من خلال مجموعة من الممارسات التي تضمن الاستخدام الأمثل للصلاحيات الإدارية التي يُمكن من خلالها تحقيق أهداف المؤسسة. وينبع اهتمام صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر بقضية الحوكمة في ظل ما تتضمنه من آليات تحقق رؤية وفلسفة سموه الرامية إلى تحقيق مبدأ الرقابة الذاتية في الجهاز الحكومي باعتبارها أحد أهم الخطوات نحو تطوير منظومة العمل الاداري في الجهاز الحكومي، بالاضافة إلى إعادة تفعيل دور إدارة المشاريع الحكومية بكفاءة عالية من خلال ضبط الصرف من الميزانية المتكررة، وميزانية المشاريع، والمتابعة الحثيثة للإنجازات الفعلية حسب الجداول الزمنية المحددة لها وبرنامج عمل الحكومة.كما أن دعم سموه للحوكمة يأتي انطلاقا من حرص سموه على تعزيز التنافسية في السوق المحلي والتي ستُحتم على الأجهزة الحكومية البدء في زيادة فعاليتها ضمن الإطار القانوني والأنظمة المعتمدة، وتحسين أدائها من خلال القياس والتقييم المؤسسي والإدارة المثلى للموارد المالية والبشرية والمعرفية والتي تؤدي جميعها إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية، وضمان حقوق المتعاملين، وكل ذلك سيساهم في تعزيز تنافسية مملكة البحرين كدولة مؤسسات وستساعد على إيجاد آليات للتخطيط السليم، وإدارة التغيير، ويحقق الانضباط المؤسسي في إدارة الوزارة أو المؤسسة الحُكومية.وفي سعيها لتحقيق ذلك، تبنت الحكومة برئاسة سموه برنامج عمل طموح لتعزيز الحوكمة في المؤسسات الحكومية والذي يُركز على تطبيق ونشر ثقافة الحوكمة على المستويين الحكومي والمؤسسي، وذلك من مراجعة وتعديل القوانين والتشريعات التي تسهم وتدعم الحوكمة، والعمل على نشر ثقافة الحوكمة في الوزارات والمؤسسات الحكومية، وتفعيل دور الادارات المسئولة بالمؤسسات الحكومية لتطبيق ونشر هذه الثقافة بما يلبي المستهدف منها.كما تم في أبريل الماضي تشكيل اللجنة التنفيذية لبرنامج العمل لتعزيز الحوكمة في المؤسسات الحكومية أنيطت بها مهام تنفيذ برنامج العمل المقترح لتعزيز الحوكمة في المؤسسات الحكومية والمتمثل في المهام التالية: إصدار كتيب للحوكمة للمؤسسات الحكومية وتعميمه على جميع الجهات ذات العلاقة، مراجعة ودراسة تعديل القوانين والتشريعات التي تساهم وتدعم الحوكمة، العمل على نشر ثقافة الحوكمة في المؤسسات الحكومية وتفعيل دور الإدارات بتلك الجهات للتطبيق ونشر هذه الثقافة، العمل على نشر ثقافة الحوكمة من خلال حملة إعلامية مستمرة تتضمن الصحف والتليفزيون ووسائل الاتصال المختلفة.ويعد اعتماد صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر لدليل "حَوْكَمة المؤسسات الحكومية" في مارس الماضي مرحلة متقدمة في العمل الحكومى ليواكب التطورات العالمية حيث أن الحوكمة هي أحد الملامح الرئيسية للدول المتقدمة. وتمثلت أهمية هذا الدليل الذي صُدر في مايو الماضي بمثابة مرجع للتأكيد على أهمية الالتزام بمبادئ وقواعد الحوكمة في المؤسسات الحُكومية، فقد تم إعداده بناء على القواعد والأنظمة الرقابية المعمول بها في مملكة البحرين، وأفضل الممارسات المطبقة عالميا. ويسري على كافة المؤسسات الحكومية التي يتم تمويلها من الميزانية العامة للدولة بشكل كلي او جزئي وتخضع لإشراف ديوان الخدمة المدنية، والتي تساهم في تحقيق السياسة العامة للدولة مع الالتزام بما تتطلبه القوانين والتشريعات المنظمة للعمل حسب طبيعة عمل هذه المؤسسة، ونوعية الخدمات والمنتجات التي تقدمها.وكان قد صدر قرار عن مجلس الوزراء في سبتمبر 2011 ألزم الهيئات والشركات الحكومية وتلك التي تساهم فيها الحكومة بما يزيد على (30%) من رأس المال بتطبيق أنظمة وإجراءات الحوكمة، وتكليف مركز البحرين للتميز بإعداد دراسة متكاملة عن التشريعات اللازمة لتطبيق نظم الحوكمة في جميع الوزارات والهيئات الحكومية وذلك بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية والجهات الأخرى ذات العلاقة.وتُعرف الحوكمة بأنها "الممارسات التي تضمن تحقق الاستخدام الأمثل للصلاحيات الإدارية، التي يُمكن من خلالها تحقيق أهداف المؤسسة، وتطبيق أفضل الممارسات والمنهجيات الموثقة التي يتم العمل بها، مع الحفاظ على حقوق ورضا المتعاملين وأصحاب المصلحة".ويُحدَد الإطار العام للحَوْكَمة بالممارسات التي يمكن أن تحققها الإدارة والرقابة للأهداف الاستراتيجية والأهداف التشغيلية، بناءً على القوانين والقواعد والعلاقات والنظم والعمليات التي تُمارس داخل المؤسسة، من خلال سُلطة ورقابة المسئولين والبيئة الرقابية وما يرتبط بها من ضوابط داخلية وخارجية.وللحَوْكَمة دورٌ فعّال على المستوى المؤسسي والحُكومي، فعلى الرغم من أهمية الحَوْكَمة في القطاع الخاص، إلا أنها لا تقل أهمية في القطاع الحكومي. وقد يختلف النموذج المقترح بعض الشيء عن القطاع الخاص، ولكنه لا يختلف كمبدأ لتغيير بيئة الأعمال وإحكامها بأخلاقيات وقواعد تضمن الثقة المتبادلة فيما بين المؤسسات الحُكومية والمجتمع، كما أن لها أثر فعّال وإيجابي في إدارة المؤسسات والمخاطر، وتساعد على الإشراف المؤسسي المباشر، وتطبيق مبادئ الإفصاح والشفافية وروح المساءلة وإدارة الموارد وتعزيز التنافسية ورفع الكفاءة والفعالية. إن حرص الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر على تعزيز الحوكمة في المؤسسات الحكومية لم يأت من فراغ، ولكنها ايماناً منه بالحكومة وأهمية الحوكمة في تعزز الثقة والعملية الإشرافية والرقابية والمساءلة وتحسين الأداء المؤسسي وتحافظ على سلامة الاقتصاد الوطني بما يُحسن مناخ الاستثمار، ويرفع معدلات النمو، بالإضافة لدورها الأساسي في صناعة القرار ونشر الثقافة العامة والوعي بالمسئولية والمساءلة من خلال تطوير الأنظمة والتحليل للمعلومات والمساهمة في تحقيق رسالة وأهداف المؤسسة.