بقلم - د. محمد نعمان جلال:إن الحديث عن مصر أو البحرين هو حديث ذو شؤون وشجون. أما الشؤون فتنبع من التشابه الحضاري والعمق التاريخي والموقع الاستراتيجي الذي تنبثق منه إشعاعات، ويترتب عليه التزامات تفوق قدرات وإمكانيات أي بلد منهما. وأما الشجون فترجع إلى ضخامة التحديات التي واجهتها وتواجهها كل من الدولتين، وكذلك متطلبات دورهما العربي والإقليمي والعالمي.وبما أن تاريخ أية دولة هو حلقات متتالية ومتتابعة فإننا ننظر لمصر 30 يونيو 2013 بأنها امتداد طبيعي ومنطقي لثورة 25 يناير 2011، التي قامت لتصحيح مسارها، كما قامت 25 يناير لتصحيح مسار 23 يوليو 1952، الثورة العظيمة في تاريخ مصر الحديث، بعد ثورة 1919، وهي ثورات متتالية ومتداخلة كل منها حلقة في تاريخ مصر الحديث، وأدى تراجع إنجازات بعضها لقيام حركات أو ثورات لتصحيح المسار. وكل منها واجهت تحديات متجددة أوقديمة في جذورها، لأنها نابعة من الضغوط الدولية والإقليمية المستمرة منذ عهد محمد علي وثورته الإصلاحية. أما البحرين فهي بدورها واجهت تحديات تكاد تكون مماثلة، منذ أكثر من مائتي عام، وقبل أن يطأ أرض البحرين آل خليفة عام 1783. ومرجع هذه التحديات لكلتا الدولتين ثلاثة أمور، أولها الموقع الجغرافي المرتبط بالعالم الخارجي، وهو موقع استراتيجي لا نظير له يحقق المنافع والمكاسب وفي نفس الوقت، يجلب الكوارث والأطماع الخارجية، أما الثاني، فهو ينبع من كون كل من الدولتين، تعرضت في العصر الحديث للغزو والاستعمار عدة مرات، من قوى متعددة، فتعرضت البحرين للغزو البرتغالي والاستعمار البريطاني، كما تعرضت مصر للغزو الفرنسي، ثم الاحتلال البريطاني لأكثر من مائة عام بصور مختلفة، والثالث يرتبط بوجود قوة إقليمية طامعة في السيطرة على كل منهما. فإسرائيل ترفع شعار تاريخي أن أرضها من النيل إلى الفرات، وترى في قيام مصر وقوتها تهديداً لوجودها وادعاءاتها التاريخية الوهمية. وإيران لديها ادعاءات تاريخية مشابهة بالنسبة للبحرين، وكل هذه الادعاءات غير ذات مصداقية تاريخية، بل هي أوهن من بيت العنكبوت، وهي نابعة من السعي لإضعاف الآخر، وفرض الهيمنة على الإقليم والحيلولة دون استعادة دولة ذات حضارة عريقة لقوتها، بعد أن نامت في سبات عميق لفترة طويلة من الزمن، وعندما جرى إحياؤها لم يرق ذلك لقوى دولية أو إقليمية استفادت من حالة التراجع الحضاري لمصالحها الخاصة.فإسرائيل عاشت على أرض كنعان سبعين عاماً في عهد الملك سليمان «سيدنا سليمان النبي»، ثم انقسمت بين أبنائه وزالت تاريخياً، ولا مجال للاستطراد لضيق المقام. والبحرين لم تخضع للسيادة الفارسية، وإنما في فترة ضعف القبائل والحكام قبل آل خليفة، دفع بعض حكامها جزية أو ضرائب لاتقاء شرها. وهذا ما حدث في مصر في عهد المماليك، وعلاقتهم بالدولة العثمانية، إنها علاقة استعمارية استغلالية باسم الدين، الذي هو بريء من تلك المطامع وسلوكيات الحكام، كما يفعل تنظيم الدولة «داعش» هذه الأيام باسم الإسلام، فقد قامت الدولة العثمانية بنفس الطريقة، فمصر أكثر حضارة وعراقة من الاستعمار العثماني، أو ما سمي زوراً بالخلافة العثمانية، والبحرين أكثر عراقة من الدولة الصفوية، التي قامت بطريقة مشابهة، إنها مطامع حاكم للسيطرة والاستعمار. وكما نهب العثمانيون الصناع والحرفيين من مصر، نهب الصفويون العلماء ورجال الدين من البحرين والعراق وفلسطين، لبلورة فكر مذهبي لإعطاء شرعية للسيطرة، وكلتا الدولتين الصفوية والعثمانية، تنافستا مع بعضهما باسم المذهب الذي هو بريء، فالدولة العثمانية خلفت الدولة البيزنطية، والدولة الصفوية خلفت إيران السنية، والسجلات موجودة لمن يرغب في البحث.كتاب «عامان على ثورة 30 يونيو.. مصر والبحرين مواقف لا تنسى»، هو من إصدار سفارة مملكة البحرين في مصر، ويقع في 375 صفحة من الورق الفاخر، وهو يسجل تاريخياً الأحداث والمواقف المتبادلة بين الدولتين منذ 30 يونيه 2013 حتى يونيو 2015، أي نحو عامين، وهوتسجيل وتوثيق، ومن ثم فهو لا يقدم تحليلاً أو بحثاً علمياً، وإنما يقدم مادة علمية ثمينة ونادرة وموثقة، هي أساس البحث العلمي لمن يرغب بعد ذلك.ويبدأ الكتاب بذكر كلمات للقيادة الحكيمة لمملكة البحرين عن مصر، وتدور تلك الكلمات حول «الريادة والمستقبل»، وهو مفهوم بالغ الأهمية، ويرتبط أيما ارتباط بالفكر السياسي والثقافي المصري، وتقتبس تلك الكلمات، من أقوال حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، وصاحب السمو الملكي، الأمير سلمان بن حمد، ولي العهد، ومن معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد وزير الخارجية، والشيخ راشد بن عبد الرحمن سفير المملكة في جمهورية مصر العربية في الفترة التي يغطيها الكتاب. ثم يتناول في فصل ثانٍ عنوانه «بانوراما الأحداث»، حيث يشير لثورة 30 يونيو 2013، ومبادرة جلالة ملك البحرين بتهنئة الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، وتهنئة مختلف القيادات البحرينية من المدنيين والعسكريين نظراءهم في مصر. ويضم هذا الفصل أنشطة سفير مصر في البحرين، وأنشطة سفير مملكة البحرين في مصر، ولقاءاته مع كل القيادات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية والدينية الإسلامية والمسيحية ورجال الاقتصاد واتحادات النقابات المهنية والعمالية والسياحة والبرلمان، وهذه البانوراما توضح مدى نشاط السفير راشد بن عبد الرحمن، ودوره وعلاقاته مع مختلف الأوساط في مصر، وهو يؤكد حقيقة دور السفير المتميز في البلد المعتمد لديها، وليس السفير النائم في العسل، الذي يستمتع بمزايا الدبلوماسية ولا يقدم أنشطة تتماشى مع متطلبات المهمة الجليلة التي تسند إليه.وهذا الفصل لا يقدم كلمات تمت في اللقاءات، بل مواقف محددة وواضحة وصريحة وموثقة أيضاً بالصور للمقابلات والاجتماعات، وكما يقول خبراء الإعلام «إن الصورة الواحدة تنقل تأثير أكثر من ألف كلمة». «يتبع».* عضو مجلس إدارة جمعية الصداقة المصرية البحرينية
عامان على ثورة 30 يونيو.. البحرين ومصر ومواقف لا تنسى «1-3»
10 نوفمبر 2015