لأن الشعر هو الفصاحة في بلاغة البساطة. وهو الطبيعة التي تتنازل فيها الصحراء للمطر، للمزيد من اللون الأخضر.. للمزيد من الحياة. وهو الناطق باسم الأبكم، والمصغي باسم الأصم، والمبصر باسم الأعمى! لأنه الخطيئة الوحيدة التي لم يتب منها ابن آدم رغم أنها جعلته أمام حقيقة الهبوط من الجنة للأرض، فلم يجد غير شجرةٍ من القصائد التي تقتل فيك الحياة وتجبرك على العودة في آنٍ واحد. أجرت صديقة أمين عضو فريق البحرين للإعلام التطوعي لقاء مع الناقد الأدبي زكريا رضي حول «الشعر الحديث». متطرقة في بداية الحديث حول قدرة الشعر الحديث على إيصال الموسيقى التعبيرية والكلاسيكية كما الشعر العمودي. فأكد رضي أن الشعر يملك بكافة أشكاله القدرة على الأخذ بمخيلة المتلقي، عملية الاستقبال اختلفت في العصر الحديث واصبح المعنى كما يقول النقد الحديث في بطن القاريء لا الشاعر، وعليه فالشاعر الماهر هو الذي يجيد اللعب بأدواته لإقناع المتلقي بصدق تجربته فنياً ووجدانياً. قائلاً: إن الموسيقى والإيقاع هي روح العالم وهي روح الأشياء التي تسكننا. ولأن الشعر يحمل مسؤولية تجاه المجتمع تتعدى المسؤولية العاطفية فقط، أكد رضي أهمية الشعر الحديث في خدمة القضايا المعاصرة ونزوعات الإنسان المعاصر، حيث أن الشعر الحديث ارتبط تاريخياً وزمنياً بظهور موجات التحرر من الاستعمار والعودة إلى الذات وكان يشكل الخروج آنذاك على عمود الشعر خروجاً على النظام الاجتماعي التقليدي السائد، ولذلك حضرت فيه بقوة قيم التحرر والرغبة في الاستقلال والتأكيد على مركزية الذات الإنسانية في العالم مضافاً إلى قضايا العزلة التي فرضتها الأنظمة الاجتماعية التقليدية السائدة والموروث الثقافي. وحول رأيه في الأنواع المستجدة من الشعر كقصيدة النثر رأى أن قصيدة النثر تعد الشكل الأرقى لكونها استبدلت الإيقاع الظاهر بإيقاع خفي يكمن في حركة الدال والمدلول وفي تنوع الأساليب البلاغية. وبين تأييده لما قالته نازك الملائكة بأن بحور الطويل والمديد والبسيط والمنسرح لا تصلح للشعر الحديث، لأن عملية صناعة القصيدة الجديدة تتطلب رؤية جديدة وشكلاً مغايراً للموروث، فقد آن الأوان لتجريب مناطق جديدة غير مأهولة في ذاكرة المتلقي العربي. وحول ما إذا كان تسكين القوافي يدل على ضعف الشاعر بين رضي أن تسكين القوافي أو إطلاقها بالحركات هي عملية اجتهادية متروكة للشاعر، وتختلف نسبياً من نص لآخر، فلربما تجد نصاً جماليته في تسكين قوافيه وتفعيلاته ولربما تجد عكس ذلك، والقافية النشاز ستشعر بها من أول جرس، تماماً كمن يسمع صوتاً حاداً يخترق السكون. أما بخصوص ظهور ذاتية الشاعر في القصيدة قال زكريا رضي إن القصيدة هي مرآة الشاعر وصوته الداخلي ولكن المفارقة الأجمل أن القصيدة بقدر ما هي أنانية بقدر ما هي العالم كله أنا وأنت وكل الناس، والشاعر الجيد هو الذي يقنعك بأنه يسمع صوتك عبر صوته هو وألمه ووجعه. وحول رؤيته المستقبلية للإنتاج الشعري في مملكة البحرين التمس الناقد الأدبي هاجساً مقلقاً تجاه عزوف الجيل الجديد عن الإنتاج الشعري. ورأى بأن الملتقيات الأدبية أتاحت فرصة الترويج لتجارب الشعر العربي وأعطت الشعراء الجدد فرصة الظهور إلا أنها بقيت محدودة الجماهير مكررة الوجوه، لكن بالنسبة لدول الخليج فالبحرين والسعودية هما الأكثر غزارة في الإنتاج الشعري، فضلاً عما تملكه البحرين من تاريخ أدبي عريق منذ أيام الشاعر طرفة بن العبد وابن المقرب العيوني وحتى اليوم.صدِّيقة أمين مجيد علويعضو فريق البحرين للإعلام التطوعي