بكين ـ رئيس التحرير:لم يدر بذهن التاجر البحريني المعروف آخوند العوضي أنه سيفتح المجال أمام العلاقات بين الصين والبحرين قبل أكثر من 50 عاماً، عندما قرر في نهاية خمسينات القرن العشرين التوجه إلى السواحل الصينية للتعرف على الفرص التجارية، واستيراد بعض البضائع من هناك لبيعها في سوق المنامة العريق وبعض الأسواق الخليجية المجاورة. في السبعينـــات الماضية كان المجتمــع الدولي منقسماً بين معسكرين شرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، وغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن البحرين التي التزمت بمبدأ عدم الانحياز كمبدأ أساس في سياستها الخارجية أدركت أهمية السوق الصينية، وحرصت على التعاون مع الشركات الصينية التي استوردت أولى دفعات الألمنيوم من مصاهر شركة ألبا في البحرين، ولم تكترث المنامة للانتقادات التي أبديت آنذاك، وهي حادثة مازالت حاضرة في الذاكرة الصينية لعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي. رؤية البحرين للصين بأنها عملاق آسيوي، وحضارة عظيمة، وثقافة عميقة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي قديمة منذ لحظات الاستقلال في العام 1971. بهذه المعطيات كانت الزيارة التاريخية لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى العاصمة الصينية بكين كأول عاهل بحريني يزور الصين رسمياً. الاستقبال الرسمي الذي تم لجلالة الملك في قاعة الشعب الكبرى كان استقبالاً مهيباً تزامن مع استقبال شعبي وعرض عسكري رائع عكس الحرص الصيني على تطوير العلاقات مع المنامة، ودفعها نحو مرحلة جديدة من المصالح المشتركة بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات الهامة. محادثات جلالة الملك مع الرئيس الصيني وبحضور رئيس وزرائه كانت مهمة للغاية، فرغم أنها لم تتجاوز الساعات الثلاث بروتوكولياً إلا أنها طويلة جداً بما تضمنته من مضمون وما ترتب عليها من نتائج، وما ستكون عليه المرحلة المقبلة من العلاقات البحرينية ـ الصينية، خاصة وأنها ركزت على أربع محاور أساسية تشمل العلاقات الثنائية، والعلاقات الصينية ـ الخليجية، بالإضافة إلى المشاريع المشتركة، والقضايا الإقليمية. العلاقات الثنائية الرئيس الصيني شي جينبينغ رحب بزيارة العاهل باعتبارها الأولى إلى بكين، وأكد تقدير الصين واهتمامها بتطوير العلاقات، وقال إن البحرين والصين بلدان صديقان يتعاملان بصدق ولم تحدث خلافات بين البلدين من الناحية التاريخية. ورغم فوارق الجغرافيا السياسية بين البحرين والصين، إلا أن رؤية الرئيس الصيني كانت صادقة عندما قال إن بلاده تؤمن بأن البلدان متساوية مع بعضها بعضاً بغض النظر عن حجمها أو ثرواتها. مؤكداً ضرورة تعزيز المصالح المشتركة بين البلدين.من الواضح أن بكين متابعة جيداً للتطورات التي تشهدها البلاد والمنطقة، وهو ما دفع الرئيس الصيني للتأكيد على أهمية الحفاظ على استقرار البحرين باعتبارها مهمة لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. وأبدى تفهم الصين التام لكافة الإجراءات التي تتخذها البحرين في حفظ أمنها واستقرارها، وأعلن رفض بكين لأي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية البحرينية.خلال المباحثات أبدت الصين شكرها الكبير للبحرين على دعم المواقف السياسية الصينية في بعض القضايا الإقليمية والدولية، كما حظيت بالشكر والتقدير على الدعم الذي قدمته البحرين لبكين فيما يتعلق بترشيحات المناصب الدولية في مختلف المنظمات.جلالة الملك حرص خلال محادثاته مـــع الرئيــس الصينــي علــى إبــراز القواســـم المشتركة بين البلدين، فقال جلالته: «كثير من القيم والمبادئ المشتركة بين البلدين لأنهما تمثلان حضارات عريقة»، لافتاً إلى أن المنامة وبكين ستحتفلان في العام المقبل بمرور 25 عاماً على العلاقات الرسمية بينهما.كما شدد جلالته على أن البحرين تدعم وحدة الصين. معتبراً الاتفاقيات البحرينية ـ الصينية التي تم توقيعها الطريق الصحيح لتنمية العلاقات الثنائية.الرئيس الصيني أبدى تفهمه لموقع البحرين الاستراتيجي وما تمثله من عمق في المنطقة، وأكد أن بلاده مستعدة لتطوير العلاقات والتعاون في كافة المجالات. وقال إن «بكين لديها اهتمام بهموم البحرين بشأن علاقاتها مع إيران، وترفض التدخل في شؤونها الداخلية».خلال المحادثات الرسمية أيضاً وجه جلالة الملك الدعوة إلى الرئيس الصيني لزيارة البحرين، حيث أبدى الرئيس شكره وتقديره للدعوة. رئيس الوزراء الصيني أبدى تفاجئه بحجم الوفد البحريني المرافق لجلالة الملك والذي ضم عدداً كبيراً من كبار المسؤولين في الحكومة، وهو ما عكس الاهتمام البحريني بضرورة تعزيز العلاقات الثنائية. وأبدى رئيس الوزراء الصيني شكره وتقديره لجلالة الملك على المشاركة في المعرض العربي ـ الصيني بحضور العاهل شخصياً. وأوضح أن الصين تلتزم بالاحترام المتبادل في علاقاتها مع البحرين. وقال إن العديد من المسؤولين الصينيين سيقومون بزيارة البحرين قريباً لبحث تطوير العلاقات في ضوء نتائج الزيارة التاريخية لجلالة الملك.العلاقات الخليجية ـ الصينيةالبحرين تتولى حالياً رئاسة الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي، ولذلك لم يكن البعد الخليجي غائباً عن محادثات جلالة الملك مع الرئيس الصيني. وهو ما أبدى الجانب الصيني اهتمامه به، حيث قال الرئيس جينبينغ إن زيارة جلالة الملك تأتي في إطار تطوير العلاقات الخليجية ـ الصينية. داعياً إلى تكامل اقتصادي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ومتطلعاً إلى استكمال مشروع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول المجلس. دول مجلس التعاون الخليجي أطلقت منذ فترة سلسلة حوارات استراتيجية مع العديد من دول العالم الرئيسة والمؤثرة دولياً ومن بينها الصين، ولذلك أكد الرئيس الصيني اهتمامــه بإقامـــة الحـــوار الاستراتيجـــي الخليجي ـ الصيني المقرر إقامته في العاصمة بكين يوم 4 نوفمبر المقبل. ومن المتوقع أن يحظى هذا الحوار الإستراتيجي بزخم أكبر في ضوء زيارة العاهل للصين وما ترتب عليها من نتائج.جلالة الملك رئيس الدورة الحالية لمجلس التعاون أكد حرصه على دعم مشــروع اتفاقية التجارة الحرة، وقال إن الخليج من أهم المناطق للصين والعالم باعتباره مركز الطاقة العالمية. داعياً لأن يكون الخليج العربي والشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. العاهل قدم رؤية استراتيجية في بكين خلال محادثاته مع الرئيس الصيني، حيث أوضح جلالته إلى أن البحرين تتمتع بموقع إستراتيجي هام في المنطقة، ويمكن أن تكون حلقة الوصل بين الصين ودول الخليج العربي، بحيث تكون مركزاً إقليمياً للعلاقات مع دول المنطقة.ويبدو أن القيادة الصينية لديها اهتمام كبير بإنهاء مشروع اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أكد أيضاً رئيس الوزراء الصيني أهمية الاتفاقية، وضرورة إقامة الحوار الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي. وقال إن «الاتفاقية ستدفع بخطوات إيجابية في تنمية العلاقات الصينية ـ الخليجية». ودعا المنامة لأن تلعب دوراً هاماً في مفاوضات التجارة الحرة باعتبارها بلد الرئاسة الحالية في مجلس التعاون الخليجي. رد جلالة الملك حول الطلب الصيني بالشروع في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة كان واضحاً، وهو ما يعكس قناعة بحرينية بضرورة الشراكة الخليجية ـ الصينية للاستفادة من السوق الصينية والإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها الصين، بالإضافة إلى الاستفادة الصينية من احتياطيات الطاقة، والقوة الشرائية التي تتمتع بها. حيث بيّن جلالته أن البحرين ستبحث مع دول مجلس التعاون إعادة مفاوضات التجارة الحرة قريباً.المشاريع المشتركة بعيداً عن اتفاقيات التعاون المشترك التي تم إبرامها خلال زيارة جلالة الملك إلى العاصمة الصينية، فإن هناك آفاقاً واسعة للمشاريع المشتركة بين المنامة وبكين، كما قال الرئيس الصيني: «الأهداف مشتركة والأرضية مشتركة بين البلدين». أعلنت الصين خلال المحادثات الرسمية استعدادها للتعاون في المجالات الأمنية والعسكرية، وهي خطوة هامة لتعزيز أمـــن الخليـــج، وكذلك الأمـــن الوطنـــي البحريني بتنويع التحالفات الدولية الأمنية والعسكرية. ولم يتم الإعلان عن تفاصيل هذا التعاون الذي يتوقع أن يتطور سريعاً خلال الفترة المقبلة بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين، ولكن جلالة الملك أبدى تقدير البحرين للاهتمام الصيني بالتعاون العسكري.من الواضح أن المحادثات البحرينية ـ الصينية ركزت على استقطاب الاستثمــارات الصينية في مجالات الإسكان والبنية التحتية ومشاريع البناء، حيث أوضح جلالة الملك اهتمام البحرين بإشراك الصين للاستثمار في هذه المجالات. من جانبه بيّن الرئيس الصيني استعداد بلاده للمشاركة في مشاريع تشمل مجالات الإسكان والبنية التحتية والزراعة وصيد الأسماك. وأعلن رئيس الوزراء الصيني الاستعداد لدعم العلاقات المالية والتجارية. الجانب الثقافي والسياحي كان له نصيب أيضاً في المحادثات، حيث طلب الرئيس الصيني توسيع التواصل الإنساني من خلال إقامة أسابيع ثقافية متبادلة. وأكد توجه بلاده لإدراج البحرين ضمن قائمة المقاصد السياحية للصين، وهو ما يتوقع أن يزيد من أعداد السياح الصينيين الذين سيتوافدون إلى المنامة للأغراض السياحية. أيضاً شملت المشاريع المشتركة في المباحثات الرسمية المشاركة الصينية في معرض البحرين الدولي للطيران المقرر إقامته مطلع العام المقبل 2014، وهي دعوة وجهها جلالة الملك للرئيس الصيني الذي وجه الجهات المختصة للنظر في الدعوة البحرينية.القضايا الإقليميةتناولت مباحثات جلالة الملك مع الرئيس الصيني مجموعة من القضايا الإقليمية، وكان لافتاً درجة التطابق في المواقف تجاه هذه القضايا، وهو ما يعكس المصالح المشتركة بين البلدين. شملت القضايا الإقليمية في القمة البحرينية ـ الصينية العلاقات مع إيران، والملف النووي الإيراني، والملف السوري وكذلك القضية الفلسطينية. كـــان واضحـــاً تفهـــم الرئيـــس الصينـــي لحساسية العلاقات البحرينية ـ الإيرانية، ولذلك كشف أن الصين «نبهت إيران إلى ضرورة تحسين علاقاتها مع البحرين». مؤكداً موقف بلاده الرافض للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية البحرينية. معربـاً عــن شكره وتقديره للبحرين على جهودها تحسين العلاقات مع طهران. وكان الموقف الصيني موضع ترحيب بحريني خلال جلسة المحادثات.أما فيما يتعلق بالملف النووي الإيرانــي، فأكد الرئيس الصيني رفض بلاده تطوير طهران لبرنامج نووي للأغراض العسكرية. فيما قال رئيس الوزراء الصيني إن بلاده بذلت جهوداً لإنهاء الملف النووي الإيراني من خلال المفاوضات الدبلوماسية.