يأتي توقيع مذكرة التعاون الثنائي بين البحرين وبريطانيا أمس في سياق تحركات كثيرة طبعت علاقات البلدين في الفترة الأخيرة. إذ تبدو المنامة ولندن أقرب من أي وقت إلى تحالف عميق مدعوم بعلاقات تاريخية تعود إلى 1816 تاريخ توقيع أول اتفاقية صداقة بين البلدين، ومدفوعاً بظروف إقليمية جيوسياسية لم يعهدها الشرق الأوسط من قبل.صفقة شراء طائرات آيفون العسكرية، وضع حجر أساس بناء التسهيلات العسكرية البريطانية في ميناء سلمان البحريني، زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى قبل أيام للمملكة المتحدة ولقائه الملكة إليزابيث، زيارة وزير الداخلية البحريني للندن والحديث الصريح والمباشر الذي قاله أمام جمعية الصداقة البحرينية البريطانية، كلها أحداث ربما لا تظهر سوى رأس الجليد من طبيعة علاقة أمنية وسياسية واقتصادية باتت تتجذر بين البحرين وبريطانيا، وربما بين الخليج والمملكة المتحدة.يعرف الخليجيون والبريطانيون أكثر من غيرهم خصوصية العلاقة التي تربط بريطانيا بالمنطقة تاريخياً، وربما لم يكن صدفة أن يتزامن إنشاء التسهيلات العسكرية البريطانية في البحرين 2016 مع ذكرى مرور 200 سنة على العلاقات بين البلدين، الأمر الذي أظهر الطرفان اهتماماً واضحاً في التحضير للاحتفال به. فالتسهيلات العسكرية عبارة عن أول قاعدة بريطانية في المنطقة منذ 1971، وفي حين ذهب المحللون بعيداً في تقدير دوافع إنشائها بين مذهب يركز على تنافس أمريكي بريطاني مفترض، وآخر يرى في تهديدات إيران حجر زاوية رئيس دفع الجانبان إلى هذا النهج، فإن وزير الخارجية البحريني قال حين تدشين «التسهيلات» إن «وجود القوات البريطانية في البحرين كالأسطول الخامس (الأمريكي) يجعل الخليج العربي يتمتع بالأمن والاستقرار (..) لولا وجود هذه القوى العسكرية لأصبح الخليج شبيهاً لخليج عدن وما يشهده الآن». في حين قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند: «بينما تركز الولايات المتحدة بشكل أكبر على مناطق آسيا والمحيط الهادئ، فمن المنتظر أن تتولى بريطانيا وشركاؤها في أوروبا مزيداً من الأعباء الأمنية في الخليج والشرق الأدنى وشمال إفريقيا». إذن الهدف استراتيجي يرتبط بحماية أمن الخليج في منطقة وصل الصراع الإقليمي فيها وعليها إلى ذروته. ولم يعد بالإمكان تجاوز تداعيات هذا الصراع دون توسيع دائرة التحالف أفقياً وتعميقها شاقولياً. وفي حين تبدو «العسكرة» ضمن رؤى استراتيجية، فإن الامن أولوية ملحة مع تنامي ظاهرة الإرهاب وخطره العالمي، والبحرين التي نبهت من تعدد أشكال الإرهاب وأطيافه مبكراً، تبدو اليوم أكثر خبرة ودراية في سبل مواجهته الأمنية والفكرية والمالية بعد أن قدمت نموذجاً نجح في الخروج من عنق زجاجة سعى الإرهاب فيها يوماً إلى حرق البلد. ويذكر البحرينيون اليوم وقفة بريطانيا إلى جانبهم في محنة عصيبة كوقفة مميزة عن كل قريناتها الغربية، وهي وقفة رغم تفاوت حدتها من فترة إلى أخرى لعبت دوراً مهماً وخصوصاً في الجانب الأمني، فالتعاون البريطاني لتجاوز تداعيات الأحداث كان معلناً وشكل نقطة قوة للموقف البحريني في مواجهة منظمات كانت ومازالت تتقصد تشكيل صورة ذهنية لدى الرأي العام الغربي مخالفة لواقع البحرين وتطورات الموقف فيها.وإذا أضيف العامل الاقتصادي إلى كل العوامل السابقة فإن فهماً أعمق قابلاً للتشكل عن طبيعة علاقات البلدين، إذ تسعى لندن للحصول على حصة من سوق التمويل الإسلامي، ووقعت مذكرة تفاهم في مؤتمر قمة التمويل الإسلامي مع البحرين في 2014 لتعزيز التجارة التي يحركها التمويل الإسلامي. وشهدت السنوات الخمس الماضية ارتفاعاً في حجم الصادرات البريطانية، وتنظر الشركات الأجنبية إلى البحرين كبوابة للمنطقة. ومع وجود نحو 90 شركة بريطانية لها فروع في البحرين، و500 وكالة بريطانية، بجانب 350 شركة بحرينية لديها شركاء بريطانيون؛ فإن البحرين تشكل محطة مهمة وبوابة لنشر الأعمال والتجارة البريطانية على مستوى الخليج ضمن تحالف يبني من أحجار التاريخ برجاً مستقبلياً شاهقاً.