عبدالرحمن صالح الدوسريعبدالله عبدالرحمن باقر، أنموذج للإنسان العصامي المكافح، من مراسل لدى إسحاق اليهودي بثلاثين روبية في الشهر من الصبح إلى الليل، إلى مراسل في البنك البريطاني ثم مديراً لقسم في البنك ليختم بها 42 عاماً قضاها في البنك، يمتلك باقر متحفاً فيه العديد من المقتنيات منذ الحرب العالمية الثانية والنوادر التي لا يمتلكها مثيل له في الشرق الأوسط.. وليس الخليج فحسب.عبدالله باقر، وهو من سكنة الرفاع، حريص على بناء تراث البحرين والحفاظ عليه، لأنه جزء من تراثنا في البحرين.. والعاملون فيه هم أبناء هذه الأرض الباحثون عن الحفاظ على تراثها وما فيها.نتواصل مع هؤلاء في فتح ملف العاملين في «الانتيك» في البحرين، والأسبوع الماضي كان لقاؤنا مع عيسى بلال، والعاملون فيه مطالبهم كثيرة.. من أجل الحفاظ على هذا التراث الجميل ولكن تحقيق هذه المطالب والتحاور معهم من المسؤولين سواء في السياحة، الآثار والتراث تكاد تكون معدومة فهم من يسعون من جانبهم للحفاظ على هذا الإرث الذي يحاولون التمسك ببقائه كما هي هوية البحرين وأهلها وتراثها، ولكن الجانب السلبي هو ردة فعل الوزارات والإدارات المسؤولة حالهم حال العاملين في هذا الجانب في العديد من الدول الشقيقة في المنطقة فهل ينجح هذا الصوت بأن يصل إلى ما هو أكبر منهم ويجعلهم يستجيبون لنداءات ستتكرر في هذه الصفحة مع العديد من أبناء البحرين العاملين في هذا «الانتيك» سواء في دكاكين صغيرة في السوق الشعبي أو في بيوتهم ومجالسهم التي يقتطعون جزءاً من مكان هو أصلاً لأبنائهم ليرصوا فيه «الأنتيك» من أجل الحفاظ عليه.الميلاد والنشأةعبدالله باقر من مواليد عام 1949، ومن فريج بوصره، لكنه الوحيد الذي ولد في فريج الفاضل، كانت ولادتي في بيت الحمر بفريج الفاضل، وقد ولدت على يد المرحومة «أم كمال»، بعد خمس سنوات من الإقامة في «الفاضل» حصل والدي على بيت من بيوت العمال «الشعبية» بالقرب من البناية الكويتية، وسينما الحمراء، بيتنا في منطقة العمال كان يحمل رقم 1 على 11 وسلمه لوالدي المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة كان والدي يعمل في البنك البريطاني مراسلاً، كان والدي يعاني من مرض في صدره وذلك بسبب الحرايق التي انتشرت تلك الفترة، كان جدي يمتلك عمارة وكانت العماير كلها قد بنيت من سعف النخيل «برستيه» وبسبب أحد الخبابيز اشتعل حريق كبير وأتى على كل العماير في تلك المنطقة ومن بينها عمارة جدي، وكان والدي يحاول أن يخلص بضاعة والده من دنجل وبامبوو والحصر والمداد والبوادقير والمنقرور وهو ما تسب له بأن انحشر وسط دخان الحريق وأصبح منذ تلك الفترة يعاني من ضيق في التنفس.والدي عمل مراسلاً في البنك لمدة 15 عاماً، كان البنك قد تم افتتاحه في البحرين عام 1944 فوق بناية البريد المقابل لباب البحرين.مرض الوالد فكنت المنقذيقول عبدالله بعد مرض والدي لم يكن هناك من يعيل الأسرة فنحن أربع أولاد وأربع بنات، فكان لزاماً علي أن أقوم بدور الوالد وبحثت عن عمل فلم أجد ضالتي إلا عند «يهودي» يدعى إسحاق حسين قحطان، كنت في تلك الفترة أبلغ من العمر 12 عاماً، وكنت طالباً بالمدرسة في الصف الخامس بمدرسة القضيبية للبنين، اتفقت مع إسحاق للعمل عنده براتب ثلاثة دنانير في الشهر واشترط علي العمل من الساعة السادسة والنصف صباحاً إلى الواحدة والنصف بعد الظهر ثم العودة بعد ذلك من الثالثة إلى السابعة والنصف ليلاً، إسحاق هو نسيب عزرا نونو ومتزوج من أخته، كان دكانه يقع في باب البحرين محل وضع بوسترات السينما تلك الفترة، وكان دكان إسحاق لصيقاً لدكان خان صاحب عبدالحسين، كان مسؤولاً عن براويز الصور في تلك الفترة.كان يوم العمل يبدأ منذ الصباح أقوم فيه بتنظيف المحل وكان يحتوي على أربعة كراسي و»تجوري»، وكنت بعد ذلك أنتظر وصوله يرسلني إلى البنك أودع بعض الشيكات وأحضر له المراسلات ثم بعد ذلك يرسلني للقهوة وأحضر له الشاي، و»الريوق» أحضره له من القهوة، وكان كل أسبوع يرسلني إلى سوق «الأربعاء» أشترى له الفواكه والخضار وأحملها في «كارتون» كبير على رأسي وأسير بها إلى منزله بالقرب من البناية الكويتية والنادي الباكستاني، في بيوت الديوان بالقرب من النادي الفردوسي.كنت أكرر هذه الزيارة أسبوعياً كل أربعاء، والغريب من العادات عند اليهود، في يوم السبت لا يذبحون الذبايح وفي اعتقادهم أنه حرام ويصومون، في ذلك اليوم رغم أنهم يدخنون السيجارة ويشربون الماء، وصيامهم عدم تشغيل «الليتات» ولا يذبحون الذبايح، وكنت أحضر لهم إحدى جاراتنا «أم عبدالعزيز» لتذبح لهم الدجاج، ليوم السبت، و»الليتات» أنا من يقوم بتوليعهم كل سبت قبل أن أتوجه إلى الدكان.عملت في هذه الوظيفة منذ سنة 1962، إلى 1965، يعنى لمدة ثلاث سنوات وبنفس الراتب حتى إنني طوال هذه المدة لم يأمر لي بكاست شاي ولو لمرة واحدة، كنت إذا ذهبت إلى البنك أوصل الشيكات أسألهم عن وظيفة شاغرة تنقذني من الورطة التي أنا أعاني منها، ولا بديل لي عنها، ولأن الثلاثين روبية لا تكفي لمعيشتي وأسرتي فقد كنت أعمل بعد أن ينتهي دوامي في المحل أذهب إلى سينما أوال وكان صاحب السينما المسؤول في أوال هاشم الذي وافق على عملي في السينما، وكان عملي يقتصر على حمل الكراسي وكانت الكراسي من حديد ونضعهم على بعضهم البعض حوالي عشرين كرسياً وأمسك أنا طرف وآخر يمسك الطرف الثاني ونقوم بحمل الكراسي إلى صالة العرض وتوزيعهم، وكنت أستلم عن هذا العمل الشاق أربع آنات كل ثلاثة أيام.خبز وشكر .. «وكوره»يواصل عبدالله تذكره عن تلك الأيام تصور كنا في حالة صعبة، راتب الوالد – الله يرحمه – كان ضعيفاً وكنا ثماني أولاد ، في المدرسة كان الطلبة يأكلون في الفسحة سندويشات روتي وزبد، واحنه لم نذق تلك السندويشات وكانت الوالدة - الله يرحمها – تحشي لنا الخبز بعد أن نحضره من الخباز بشوية دهن أو شكر، وكنت أقتسم القرص الواحد مع شقيقي بالنصف، كانت أيام فقر وبساطة لكنها حلوة ولا تنسى.كنت مولعاً بلعب الكرة، وكنت ألعب جناح أيسر، وأتذكر من اللاعبين زملائي، الشيخ دعيج مدير المرور سابقاً «بوتركي» كان يلعب مهاجم وسط وكان له زميل «بوحارب»، - كان ساكناً في فريج الزراريع خلف «القلعة» ويطلق على هذه المنطقة «فريج الشيوخ».بعد ذلك تطورت في اللعب واشتركت مع نادي المجد في فريج بوصرة، كان هناك ثلاث فرق هم المجد، اللولو والنيل، كنه ننافس الكثير من الفرق كالعربي والنسور والترسانة، والعلم الخليفي والمحرق، واتحاد الريف، بعد ذلك اندمج اللولو والنيل والمجد في فريق واحد، مع فريق السلمانية، وكان من أعضائه عبدالرحمن اللظي، وعبدالرحمن درويش.ومع حبي للكرة كنت حريصاً على التزامي بالدوام وهو رزقي وعائلتي، كما ذكرت لك أنني كل زيارة للبنك كنت التقى رئيس «الفراريش» كان يدعى جاسم علي باقر، الله يرحمه عنده الآن مطاعم «بوعلي للتموين» بمدينة عيسى، - كانت من عاداته جمع الأوراق التي ترمى من محلات جاشنمال، وأوراق الكمبيوتر وكنت أستغرب لماذا يقوم بجمعها وما الفائدة منها، سألته عن السبب قال لي «لا بد أن يأتي لهم يوم».. تصور فكرته بعيدة النظر رغم أنه كان مجرد مراسل في البنك.«فرانك فورد» طلبنييقول عبدالله من كثرة تردداتي على البنك ولقائي بجاسم في أحد الأيام شاهدني الإنجليزي المسؤول بالبنك ويدعى «فرانك فورد» فطلب من جاسم أن يحضر لمكتبه وسأله «هذا الولد ما قصته، فأنا كل يوم الصبح أشاهده يحضر إليك وتتبادلان الحديث» فقال له جاسم «هذا الولد مسكين يبحث عن عمل في البنك وطلب مني أن أتوسط له كمراسل أكثر من مرة، قال له «وين يعمل» قال له «عند إسحاق اليهودي» فقال له «خلاص من باجر خله يحضر إلى البنك علشان نرسله للدختر للفحص».كان الفحص في مستشفى دكتور تومسون، ودكانه عند ملعب النسور عند حديقة الأندلس، كان هناك ساب يأتي من البحر ونصطاد فيه العفاطي، هناك كان مستشفى «تومسون»، وهو مختص لفحوصات موظفي الشركات، بعد الفحص نجحت، وتقرر توظيفي في البنك في الأسبوع القادم وبراتب وقدره 12 ديناراً بحرينياً، ودوام من السابعة والنصف إلى الساعة الثانية والنصف، فرحت أحسن من العمل عن إسحاق بثلاثة دنانير صبح وليل.كان عملي تنظيف طاولات الموظفين «بالويس والباليس» وكانت الطاولات قديماً من الحديد، كنه كموظفين في الجيش نصطف من السابعة والنصف بعد أن ننظف المكاتب يحضر المسؤول الإنجليزي، كان يفتش علينا وأن تكون ملابسنا نظيفة ومرتبة لأننا سنمثل البنك أمام الزبائن.بعد أسبوع من عملي في البنك استدعاني المدير الإنجليزي واستدعى جاسم، وفوجئت بإسحاق موجوداً في مكتبه، أنا عندما توظفت في البنك كنت عن طريق المحاسب، وهو رئيس الحسابات والموظفين، فقال لي المدير العام كيف تترك العمل عند إسحاق دون أن تخبرنا بأنك كنت تعمل عنده، فهو واحد من أهم زبائن البنك وقد زعل كثيراً وقرر أن يسحب مدخراته وينقلها لبنك آخر، لذلك أنا آسف أنني سأضطر إلى «تفنيشك» لإرضاء إسحاق.فشرحت وضعي للمدير «لقد عملت عند إسحاق حوالي أربع سنوات وكان مرتبي ثلاثة دنانير، أنا أعيل عائلة وأنا فقير والراتب لا يكفي، وعملت عنده بكل إخلاص ولم يقم بزيادة مرتبي حتى دينار واحد، وحرام تقطع رزقي وأنا لم أقصر في عملي معك».بعدها تنازل إسحاق ووافق أن أواصل العمل في البنك وقال للإنجليزي «هذا الولد كان يخدمني بإخلاص وأنا لن أجد بديلاً له وهو ولد ذكي فأوصيكم الاهتمام به».الدراسة في «البلوغلوت»عملت في البنك إلى عام 1983 وكان مديرنا في تلك الفترة الله يرحمه أحمد الجابر، وحصلت على ترقية «خيط» كان رئيس الفراشين يحمل ثلاثة خيوط، وكانت وظيفتي نائب رئيس الفراشين، وكنت من عام 1966 حتى 1983 نائباً لرئيس الفراشين، وكنت مثال الإخلاص في عملي وفي أحد الأيام طلبني أحمد الجابر وقال للمدير الإنجليزي «أشعر أن هذا الولد ذكي، وأنه سينفعنا مستقبلاً، لذلك أقترح أن نقوم بتدريسه».اتفق المدير العام مع أحمد الجابر أن يبعثوني للدراسة في معهد البلوغلوت عند زليخ وقالو لي «منذ الغد ستذهب للدراسة وقد قمنا بحجز ذلك من أجلك» ترددت كثيراً وقلت لهم «أنا مرتاح في عملي، ولا أريد الدراسة»، قالوا لي «نريد أن تتطور وتترقى من عملك الحالي».بعد ذلك قرروا أن يقوم أحد الموظفين الهنود العاملين في البنك بتدريسي في الفترة المسائية في البنك، وعلى حساب البنك، وأضيف إلى مرتبي خمسين روبية أجر المدرس وانتظمت مع المدرس كل يوم بعد الدوام، وبعد ثلاثة شهور بدأت أتقن الإنجليزية وتخرجت من المعهد بنجاح، وأحضرت الشهادة لأحمد الجابر الذي أمر بتسجيلي في «المعهد البريطاني»، وبعد تخرجي قرر ابتعاثي إلى دورة في دبي، قضيت في دبي بضعة أشهر مع مجموعة من العاملين في البنوك البريطانية، وتخرجت بتفوق على العاملين في الفروع.من مراسل لرئيس الإدارةيقول علي بعد عودتي بنجاح من دبي فرح المدير الإنجليزي بتفوقي وقرر ترقيتي من مراسل إلى رئيس للإدارة واشترطوا علي ثلاثة شهور للتجربة إن نجحت سأثبت بوظيفتي الجديدة، وإن فشلت سأعود للعمل كمراسل، المشكلة أنني سأتدرب مع مسؤول إنجليزي راتبه 2000 دينار وأنا مرتبي 12 ديناراً، ومطلوب مني أن أحل مكانه وأستلم وظيفته.بعد أن علم بالأمر وأخبره المدير العام «درب عبدالله لأنه سيحل مكانك» لكنه تمنع في تعليمي، وكنت أداوم واقفاً بجانب مكتبه حتى لا يرضى أن أجلس على الكرسي، وكنت أراقبه في اتصالاته ومراسلاته طوال اليوم، وفي أحد الأيام ذهب للحمام، وإذا بالمدير العام يدخل ليجدني واقفاً فقال لي أين ذهب «رايت» قلت له «الحمام»، قال: ولماذا أنت واقف؟، اجلس على الكرسي، فلما ترددت بالجلوس صرخ في وجهي وقال لي «أنا آمرك أن تجلس على الكرسي «بعد أن جلست على الكرسي ذهب المدير لمكتبه.بعد ذلك جاءت صديقة «رايت « ووجدتني جالساً على مكتب صديقها، فنهرتني وقالت لي «أنت مراسل كيف تجلس على مكتب رايت» اذهب واحضر لي الشاي، وبعد أن أحضرت لها الشاي عاد هو إلى مكتبه فسمعتها تقول له - بدأت في هذه الفترة أفهم الإنجليزية - «هذا المراسل كان يجلس على مكتبك فطردته وأمرته بأن لا يكرر ذلك»، قال لها «هو يلبس بدلة مراسل، لكنه مرشح لأخذ منصبي مستقبلاً» فاعتذرت لي عن تصرفها، بعد ذلك الإنجليزي شعر أنني مجتهد ومثابر فدربني وبعد شهر استلمت العمل بدلاً منه، وقد أخطرت من قبل البنك بعد ثلاثة شهور يتحول راتبي من 12 ديناراً إلى خمسة وسبعين وبعد ذلك إلى مائة وأربعين وبالتالي إلى ثلاثمائة وخمسين.خمسون ألف دينار ..في الشهر الأوليقول عبدالله «بدايتي في الوظيفه كانت بالمطابع ووفرت للبنك في الشهر الأول من المطابع خمسين ألف دينار، وفي الشهر الثاني وفرت للبنك مائة ألف دينار من العمال والصيانة، وكانوا يحضرون في السابق شركات للصيانة ويأخذون مناقصات فكنت أوظف عمال بحرينيين منهم الصباغ والنجار وأوفر بذلك على البنك رواتب الشركات، فالشركة كانت تكلف البنك خمسين ألف دينار، وأنا كنت أحضر عمالاً بحرينيين يقومون بنفس العمل بخمسين ديناراً ففرحت الإدارة بما حققته وتم تثبيتي إلى «سوبروايزر» وتحول راتبي إلى 350 ديناراً.بعد ثلاث سنوات توفى المدير التجاري للبنك أحمد الجابر وتم استبدال المدير العام، لأنه من عادات البنوك استبدال المدير كل خمس سنوات، وجاء مدير تجاري جديد ليحل مكانه، واستدعاني وقال لي «عبدالله .. شوف هؤلاء التجار الثلاثة، من أهم زبائن البنك، يريدون يلغون حساباتهم من البنك، كل ذلك بسببك، سألته «ما السبب هل تسببت بخسارتهم وكنت موظفاً سيئاً في عملي».قال «نعم كانوا في السابق يستفيدون من البنك سنوياً ثلاثمائة ألف دينار، من القرطاسية «ولكن اليوم بعد أن تسلمت الوظيفة قمت بإقصائهم ولم يستفيدوا من البنك إلا مبالغ قليلة، وهم تجار مهمون وزبائن رئيسيون للبنك.قلت له «لأنني موظف في البنك، وراتبي من البنك على أن أتطلع لمصلحة البنك وليس التجار»، بعد مشادات معه طردني من المكتب وأحرجني أمام التجار، بعد ذلك قام المدير العام «لبسي» باستدعائي واستدعاء المحاسب، وقال لي «عبدالله باقر لقد وظفناك في هذا المركز، علشان تهتم بالزبائن ولا تزعلهم، فأنت الآن أضررت بالبنك والمدير التجاري اشتكى عليك أضررت بالزبائن، خلاص من الغد ستعود إلى وظيفتك «كمراسل».قلت اسمح لي بكلمة وبعد إصرار قال تكلم «قلت له أنا من وفر لكم في البنك آلاف الدنانير لأن البنك مكان عملي ومصدر رزقي وهو ما أزعج التجار الذين كانوا يتمصلحون من البنك فهل ما قمت به خطأ أم أنا على صواب». قال «لكنني لم أكن لأعلم بهذه الحكاية، وأنا يا عبدالله آسف، اذهب إلى مكتبك ومنذ الغد سترقى إلى «ستاف اوفيسر»، وسيصبح مرتبك من ثلاثمائة وخمسين إلى سبعمائة دينار»، عملت في هذا القسم مدة 12 عاماً ونقلت بعدها إلى مسؤول حسابات الزبائن، دوامي من الصبح إلى العاشرة ليلاً، وحتى يوم الجمعة أداوم إذا تم وضع نظام جديد من دبي أو لندن أفتحه وأدقق فيه. أول صراف آلي في البنكيقول عبدالله «تصور أن أول صراف آلي أحضر للبنك البريطاني، وهو أول بنك يستخدم الصراف الآلي، كان عام 1986، وافتتحه اللاعب العالمي في التنس «بورك» وصورت معاه هو والمدير التجاري يفتتح الصراف الآلي، كان أول بنك في البحرين ستاندر تشارتر بنك «استرن بنك» سنة 1929 بعدهم البنك البريطاني 1944 وبعدهم بنك البحرين الوطني في السبعينات 1971 – 1972.بعد 42 عاماً تقاعدتعن العمليضيف عبدالله «لقد عملت في البنك مدة 42 سنة من مراسل في عام 1966 إلى مسؤول قسم 1986 إلى أن تقاعدت كمدير قسم وعندي حوالي 40 موظفاً، وربيت أبنائي أحسن تربية، وحبيت أثبت لهم أن الإنسان المكافح بإمكانه أن يصل إلى أعلى المراتب إن أراد فهذه الأرض التي أسكنها اشتريتها بألف ومائتين دينار بقرض من البنك، وكونت نفسي.عندي اليوم أربعة أولاد ولدان وبنتان وقد تزوجت في عام 1976، وابني الأول محمد من مواليد نفس السنة يعمل في المرور بالداخلية وعنده أربع بنات، والثاني عبدالرحمن يدرس الحقوق بجامعة المملكة، وبناتي واحدة في ديوان الخدمة المدينة، والثانية في المحافظة، وأنا أعيش مع أحفادي وعندي مجلس يزوره المسؤولون والوزراء والتجار والكثير من الأصدقاء.مقالب .. ومقالب يتذكر عبدالله من الذكريات التي لا تمحى من ذاكرته «عندما توفى الوالد - رحمة الله عليه - كانت الفترة بعد صلاة المغرب وكما هو متعارف عليه لا يمكن دفن الميت والصلاة عليه في تلك الساعة، ولأنه توفى في مستشفى السلمانية اتفقنا والعائلة أن يحفظ في الثلاجة في المستشفى لنأتي في الصباح ونحمله إلى مثواه الأخير، عندما قررنا أن ننام لنصحو في الصباح باكراً مع صلاة الفجر.ولكن أخي إبراهيم قرر أن نذهب إلى المستشفى لنطمئن بأن الوالد قد تم حفظه في الثلاجة ولم يترك في الممر والسبب أنه في نفس الليلة انتشر في الديرة خبر احتراق إحدى السفن ونقل جثامين بحارتها والمسافرين عليها إلى السلمانية وكانوا أكثر من عشرين شخصاً، فخاف شقيقي أن يختلط والدي بالبحارة ومع إصراره والساعة عند الثانية عشر والنصف صباحاً اتجهنا مع العائلة لنطمئن على الوالد وكنا حوالي ثمانية من أفراد العائلة أولاد عمي وإخواني وأولاد خالي.دخلنا المستشفى ولم يكن أحد هناك واتجهنا إلى الثلاجة التي يحفظ فيها الأموات، وبدأنا نكشف وجوههم الأول تلو الآخر وبعد أن مررنا على ثمانية إذا بالتاسع يصحو ويعتدل في جلسته أول ما أزحنا عن وجهه الغطاء فإذا بالجميع يتسابقون إلى الخارج وقد أصابهم الهلع فكيف لميت أن يعود للحياة ومن ثم بدأ يصرخ فينا منادياً «تعالوا .. تعالوا وين رايحين»، وبعد أن خرجنا قررنا العودة لنأخذ ما تركناه خلفنا من الخوف من غتر وعقل ونعل وإذا بنا نكتشف أن هذا الرجل ليس بميت ونسأله بدهشة وروع «ولكن ما الذي وضعك في الثلاجة ومع ألأموات» قال «أنا الحارس ولم أجد مكاناً أنام فيه أبرد من هذا المكان فقررت أن أنام ولكنكم خربتم علي نومي».أما المقلب الذي لم أنسه يقول عبدالله «كنا في فترة الشباب وبعد عودتنا من السينما مع الربع إذا بأحد الأشقاء من مسقط يحمل بيده شنطة صغيرة تدل على أنه واصل من السفر استوقفنا ليسأل عن مكان يبيت فيه الليلة، فتبرع من بيننا واحد من الربع وصاحب مقالب يدعى ماجد سلطان قال «اتركوه لي .. نعم أنا عندي حجرة بإمكانك المبيت فيها لكن إيجارها خمس روبيات، وافق المسكين وحملناه وشنطته إلى المقبرة.كانت المقبرة في تلك الفترة بدون إنارة والمغسل عبارة عن حجرة صغيرة وحمام لغسل الأموات وأرض مسطوحة من الإسمنت ليتمدد فيها الميت ويكفن، قال له هذي غرفتك وآنه أجرها للذي يمر بظروفك ونام المسكين من التعب في المغيسل، وشاءت الظروف أن يأتوا بميت بعد منتصف الليل، وعندما شاهدوا الرجل نايم اعتقدوا أنه ميت تركه أهله بملابسه للصباح ليقوموا بتغسيله.عند الفجر صحا الرجل ليصلي الفجر وإذا به يشاهد بجانبه ميتاً ممدداً على الأرض فصرخ من الخوف، واكتشف أنه شرب مقلباً وأن الغرفة ليست سوى مكان لغسل الأموات وأن البيت هو مقبرة وذهب إلى شرطة القضيبية وقدم بلاغاً وإذا بالشرطة تزورنا في الفريج وتسأل عن ماجد سلطان الذي أجر المقبرة إلى الرجل لكننا أجمعنا للشرطة أنه لا يوجد بيننا هذا الاسم وكل ما في الأمر أن هذا الرجل قد يكون «زود الجيله» في الليل وتوهم هذه القصة، بعدها قالوا له الشرطة «بما أنك لم تستدل على الرجل الذي تبحث عنه فإن شكوتك باطلة»، وذهب الرجل وكنا قد اقتسمنا الخمس الروبيات واشترينا فيها «مشن اناناس» لكل الربع.«الأسبوع المقبل كاميرا اشتريتها من المعرض الزراعي بروبيتين من إنجليزي أدخلتني عالم «الانتيك»