عبدالعزيز العسماويالأم بمعنى الأصل؛ فأم الشيء أصله، ومنها (أم الكتاب) (أم القرى) فالأم أصل الوجود، وهي منبع الخير ورمز العطاء والتضحية والفداء والإيثار، والطيبة بعاطفتها المتدفقة حناناً ورأفة وشفقة والإحسان دون مقابل وانتظار الجزاء، ولا منة، من هنا حث ديننا الإسلامي بقرآنه وسنته على تقديرها وتبجيلها وأعلى من مقامها، جاعلاً الجنة تحت أقدامها، قارناً رضاها من رضا الله سبحانه، إضافة إلى الوالد، وأحق بالصحبة والرعاية والعناية والاهتمام ورد الدين والإحسان إليها في كل مراحل عمرها؛ خصوصاً عندما تبلغ سن الشيخوخة، باعتبارها المربي والمعلم الأول للإنسان، فكل إنسان هو بحاجة ماسة لأمه مهما بلغ من العمر، لكونه يولد بالفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما قال الرسول الأكرم عليه الصلاة. ولكل ذلك وغيره كثيراً ما تغنى الشعراء والأدباء بالأم وبيان أفضالها ومقدارها، فتراثنا الأدبي الجمّ مليء بالمقطوعات الشعرية، فمنهم من اعتبرها مدرسة باعتبارها المربية الأولى للأبناء، فهي حين تهز المهد بيمينها تهز العالم بشمالها، كما قال أحد الفلاسفة، حيث قيل فيها: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقومنهم من اعتبرها ريحانة الدنيا وبهجتها حيث يقول : الأم ريحانة الدنيا وبهجتها هيهات ألقى كثل الأم إنساناوقال آخر في بيان أهميتها بالنسبة للابن، مصوراً إياها بالحياة: أماه أنت حياتي أنت بهجتها لولاك ما كنت في الدنيا بإنسانومنهم من اعتبرها سر الوجود في قوله: يا أم يا سر الطفولة والصبا يا ملجأ اللاهي وحصن اللاعبوقد لقبت في أدبنا العربي -لما لها من دور بارز وكبير وفعال وإيجابي في تربية النشء- بألقاب جمة معبرة مثل؛ أعز معاقب، والكنف الرحيم، أصدق ناصح، وأكرم صاحب، وسر الوجود وصفوها المتعاقب، أم الوفاء طيب من الجنة، لذا لابد من تكريمها في كل يوم من أيام حياتها، والإحسان إليها في كل الأوقات، والدعاء لها في حياتها ومماتها، بالرحمة والمغفرة، علنا وعسانا نوفي بعض أفضالها الجمة التي لا تعد ولا تحصى. فرب ارحم والدي واغفر لهما كما ربياني صغيراً، وأجزل لهما بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، آمين رب العالمين.