في عام 2003 دخلت الولايات الامريكية بجيوشها الغازية العراق، ومنذ ذاك التاريخ رسم القدر لبوابة العرب الشرقية أن ترزح تحت الاحتلال، وبعد عشر سنوات من الغزو الأمريكي يبدأ العراق مرحلة جديد من الاحتلال الإيراني، وما فشلت طهران في تحقيقه في حرب امتدت لعشر سنوات مع العراق حققته بعد الغزو الأمريكي. خرجت عاصمة الرشيد من الاحتلال الأمريكي لتسقط في يد الاحتلال الفارسي، لكن هذه المرة، كان الاحتلال الفارسي أقبح وأشرس من الاحتلال الأمريكي لأنه استطاع أن يفرسن العراق، مفتاح المنطقة وبوابة العرب الشرقية ويمسخ هويته الإسلاميّة والعربية المستقلة، ويلقي به في أذرع أخطبوط الطائفية، ويجعل من تاريخه العريق عرضة للذوبان والتماهي في تيارات الفساد.في حديثه إلى صحيفة الوطن، شن رئيس الحركة الشعبية لإنقاذ العراق عدي الزيدي هجوماً عنيفاً على إيران، متهماً إياها «باحتلال العراق عبر 4 وسائل»، مشيراً إلى أن «طهران بدأت تصفية الرموز العربية العشائرية والتكنوقراط المثقفين في جنوب العراق الرافضين للتغلغل الإيراني، ومحاولة التغيير الفكري التي يقوم بها نظام ولاية الفقيه للشعب العراقي». وأضاف الناشط الشيعي الذي تحدث لوسائل إعلام من محافظة ذي قار جنوب العراق، إن «إيران تحتل بلاده عبر 4 وسائل، هي، التغيير الفكري، والتغيير الديمغرافي، والاحتلال الاقتصادي والسيطرة الأمنية»، موضحاً أن «الشيعة في جنوب العراق يعانون من الاحتلال الإيراني لبلادهم».وذكر أن «التغيير الفكري يهدف إلى جعل أكثر من 10 ملايين شيعي بخلفية إيرانية صفوية، بينما نحن شعب عراقي عربي مسلم جعفري لا ننتمي إلى إيران ولا نقبل أن ننتمي إليها، لذلك بدأت إيران بتصفية الرموز العربية العشائرية والتكنوقراط المثقفين في جنوب العراق الرافضين للتغلغل الإيراني، والتغيير الفكري للشعب العراقي».وأوضح أن «طهران لديها مسارين فيما يتعلق بقضية التغيير الفكري؛ الأول عن طريق رجال الدين المحسوبين على ولاية الفقيه، الذين يريدون أن يحولوا جنوب العراق إلى تشيع صفوي يسيطر عليه نظام ولاية الفقيه، أما الثاني فهو فتح حوزات لصغار السن، وإنشاء مدارس تستغل حصص مادتي الرياضة والتربية الفنية للترويج للفكر الإيراني، مثل مدرسة السياط في البصرة، ومدرسة الإمام الصادق في الناصرية، ومدرسة الإمام الهادي في الرفاعي، ومدرسة بنت الهدى في الشطرة، ومدرسة قتيبة في السماوة، ومدرسة ثورة العشرين في الديوانية، إضافة إلى عشرات المدارس الأخرى، حيث بأمر من المدير تخصص حصص الرياضة والتربية الفنية، لرجل دين من المنطقة يأتي ليبث السموم لهؤلاء الصغار كي يحولهم من المذهب العربي الجعفري الذي هم عليه إلى ولاية الفقيه، وهذا أخطر ما في الموضوع».وتحدث الزيدي عن التغيير الديمغرافي موضحاً أنه «يتضمن تصفية جميع العشائر وتهجيرهم قسرياً خصوصاً العشائر السنية، وهذا الأمر بدأ قبل عامين، وقد استفحل الأمر بعد ثورات مع يعرف بـ «الربيع العربي»، مشيراً إلى أن «الإعلام العربي أدار ظهره عما يجري في العراق»، لافتاً إلى أن «هناك أنظمة عربية تشارك بطريق غير مباشر فيما يجري لنا في العراق، بسبب تركها العراق أبواب مفتوحة لإيران»، وقال الزيدي إنه «لا توجد أية سلعة استهلاكية إلا وتصنع في إيران ويتم جلبها إلى العراق، وهو ما يعد احتلالاً اقتصادياً إيرانياً للعراق».ولكن لماذا تحالفت أمريكا مع إيران وسلمتها العراق؟ وما هي مصلحتها وأهدافها؟ وهل بالفعل سلمت العراق لإيران على طبق من ذهب؟نترك الإجابة على هذا السؤال إلى نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي والذي يجيب بالقول: «هناك ثلاثة عوامل؛ أولاً الكسل العربي والثانية التواطؤ الأمريكي الإيراني والثالثة سياسة إيران وتعاملها مع المشهد العراقي بذكاء وخبث أثناء ظرف المواجهة مع المحتل وعملت بهدوء من أجل توسيع نفوذها في كل مفاصل الدولة العراقية».وهو جواب منطقي وواقعي؛ فإيران دعمت فكرة التغيير في العراق دون أن يتغير خطابها تجاه أمريكا بوصفها الشيطان الأكبر، وبمجرد ما ألمحت سحب الامريكان لجنودهم بنهاية عام 2012، حتى بدأت التحضير لشغل المكان كوريث شرعي للتركة الأمريكية، وظهر للعلن أول اعتراف بالتغيير الذي حدث في العراق، واستقبلت طهران كل زعماء العراق، وزار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بغداد في 2 مارس 2008 ليصبح أول رئيس ايراني يزور العراق منذ الحرب التي خاضها البلدان في الثمانينات وأسفرت عن سقوط مليون قتيل، كما زار رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني بغداد فضلاً عن كل وزراء خارجيتها ورؤساء مجلس الشورى.وبدأ في هذا العام اتساع النفوذ ونطاق السياحة الدينية بشكل غير مسبوق (3000 زائر رسمي يومياً) في وقت ارتفع فيه معدل التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 11 مليار دولار سنوياً، وبدأ «ولي الفقيه» يتخذ وضعاً لوجستياً متقدماً من خلال جيوشه الرديفة ميليشيات الحشد الطائفية وعملائها الكثر وعناصر الولاء والخدم، وباتت ترسم الخطط والسيناريوهات لاستهداف أهل السنة وعبر برنامج تصعيد عسكري تحت مظلة الحرب على «داعش» مما يتيح للمشروع الصفوي التغلغل ومحاصرة أهل السنة وتغيير الديموغرافيا والطبيعة السكانية.ووفقاً للمعلومات الموثقة بصور الأقمار الصناعية التي ذكرتها منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية للفظائع التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الطائفي ضد الأبرياء المدعومة بمستشارين وقوات الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني، والذي بات يتبختر كالحاكم بأمره في قرى ومدن و بلدات العراق و يلتقط الصور في الجبهات مع المرتزقة وافراد عصابته، وفي تأكيد إيراني لدور سليماني الذي يصفه عراقيون بالقائد الفعلي للقوات العراقية، ذكرت قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني الموالي لإيران في تقرير نشرته في اكتوبر 2014 على موقعها الإلكتروني أن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني قاد شخصيا معارك ضد «داعش» برفقة خبراء عسكريين إيرانيين ولبنانيين.وقالت القناة في تقرير عنوانه «بغداد، يوم حطت طائرة سليماني»، إن الجنرال الإيراني، الذي نادراً ما يظهر في العلن، وصل إلى بغداد في طائرة خاصة بعد ساعات قليلة من سقوط مدينة الموصل في أيدي «داعش» في يونيو الماضي.وأضافت نقلاً عن «مصادر مطلعة مواكبة لما شهده الميدان العراقي» أن سليماني كان برفقة «خبراء عسكريين إيرانيين، إضافة إلى خبراء لبنانيين»، وهو معطى جديد يقارن بتدخل حزب الله في سوريا.ونقل التقرير عن مقاتلين عراقيين قولهم إن سليماني هو من أعطى أمر تحرير طريق سامراء بغداد في يونيو، وأنه «انضم شخصياً إلى الآليات التي انطلقت لتحرير الطريق»، كما أنه كان حاضراً في «أهم المعارك جنبا إلى جنب مع المقاتلين، يخاطبهم عبر الأجهزة اللاّسلكية، ويشحذ هممهم، ويدير تحركاتهم، ويعطي أوامره بالتقدم باتجاه خطوط العدو»، ورأى مراقبون أن الهدف من هذا الإعلان هو فرض دور إيران في العراق كأمر واقع.أما الأهداف الاستراتيجية الإيرانية لاحتلال العراق البعيدة المدى فهي تتلخص في الآتي: - احتواء شيعة العراق واستخدامهم كورقة ضغط في أي استحقاق إقليمي ودولي لتهدئة الوضع أو إثارته في العراق.- الاستحواذ على المرجعية الشيعية والمزارات والعتبات المقدسة للاستفادة من الأموال والخمس المودوعة فيها والحوزة في النجف والسيطرة على قراراتها كي تبقى مرجعية قم هي المرجعية الأولى لشيعة العالم.- منع سنة العراق من توحيد كلمتهم داخل العراق أو بسط سيطرتهم حتى لا يعاد حكم العراق إلى أياديهم من جديد وبشكل يهدد مصالح وأمن إيران.- خلق تغييرات ديموغرافية على الأرض العراقية بُغية تحويل جنوب العراق (خاصة بعد الانسحاب الأمريكي) إلى مقاطعة إيرانية أو إقليم عراقي تحت الوصاية الإيرانية من خلال تشكيل تجمعات إيرانية في تلك المناطق وتطهيرها من أهل السنة بالاعتقال أو الاغتيال أو التهجير.- التحكم في الاقتصاد العراقي عبر فتح فروع لبنوك إيرانية وجعله أسير البضائع الإيرانية، بجانب تنشيط طبقة قوية من التجار العراقيين الموالين لولي الفقيه لإحكام السيطرة على الاقتصاد العراقي. - إنشاء العديد من القنوات الفضائية التي تساعد على نشر فكر الولي الفقيه في العراق وبالأخص وسط السنة العراقيين.- كل من يعارض أو يشكل خطراً على المشروع الإيراني في العراق يتم اغتياله حتى لو كان العناصر والرموز الشيعية.