نجحت المملكة العربية السعودية في كبح جماح إيران وتطويق نفوذ نظام ولاية الفقيه بعد ساعات من تفاقم الأزمة الحادة بين البلدين على خلفية تنفيذ الرياض حكم القصاص في 47 إرهابياً بينهم نمر النمر، الأمر الذي أثار حفيظة طهران وجعلها تتصرف وكأن النمر مرجعية إيرانية تابعة لطهران، تعيش في السعودية وليس مواطناً سعودياً من حق بلاده أن تحاسبه على إدانته بجرائم ارتكبها، وأدت البيانات المتلاحقة لقادة طهران إلى شحن غوغائيين قاموا بالاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد. وفي هذا الصدد تحركت السعودية لفضح إيران وعزلها على أكثر من جهة، بدءاً بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية ومغادرة البعثة السعودية الأراضي الإيرانية، وطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية من المملكة، وما تلاه من قرارات تصعيدية لم تبال فيها الرياض برد الفعل الإيراني، تمثلت في وقف حركة الملاحة الجوية من إيران وإليها، وقطع العلاقات التجارية وفرض حظر على سفر مواطنيها إلى إيران. وأيدت دول عربية وخليجية الحزم السعودي تجاه نظام ولاية الفقيه، وتسعى السعودية إلى استثمار نفوذها الاقتصادي في آسيا لعزل إيران من خلال الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى دول آسيوية مهمة. ويبدأ وزير الجبير جولة آسيوية لشرح الدور السلبي الذي تقوم به إيران تجاه المنطقة كلها وليس فقط تجاه المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي. وتشمل الجولة كلا من باكستان والصين وكوريا الجنوبية واليابان. وتحظى السعودية بعلاقات اقتصادية مميزة مع دول مثل الصين واليابان وباكستان والهند. ورأى مراقبون أن «العلاقات الدبلوماسية الدولية أصبحت تحتكم بشكل أكبر للمصالح الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وأن السعودية يمكنها أن تستثمر ورقة الاستثمارات والصفقات للوصول إلى رأي عام داعم لها في مواجهة إيران، خاصة أنها تمتلك الكثير من الحجج والمؤيدات».يأتي هذا فيما يكتسب الموقف السعودي المزيد من الدعم في محيطه الإقليمي وربما الدولي، خاصة أن إيران استثمرت حدثاً جزئياً لتحرك موجة احتجاجات بدأت غير متناسبة مع إعدام مدان سعودي بإثارة الفتنة الطائفية والإرهاب. ودفع البرود في العلاقة مع واشنطن المسؤولين السعوديين إلى استثمار الورقة الاقتصادية بعقد صفقات مع دول مثل روسيا وفرنسا، ويبدو أنهم يعيدون استعمال هذه الورقة لمحاصرة إيران من خلال الزيارة التي يقوم بها الجبير إلى عدة عواصم آسيوية. وقال الجبير إن طهران مسؤولة عن زيادة التوتر بعد إعدام المملكة الإرهابي النمر.واتهم طهران «بإرسال مقاتلين لدول عربية والتخطيط لشن هجمات في المملكة وجاراتها في الخليج».وقال «الإيرانيون هم من ذهبوا إلى لبنان، الإيرانيون هم من أرسلوا فيلق القدس والحرس الثوري إلى سوريا».وأضاف أن «النظام الإيراني يرعى الإرهاب، ولقد أنشأوا خلايا إرهابية في السعودية وفي عدد من الدول الأخرى». واتهم الجبير السلطات الإيرانية بالضلوع في هجوم السفارة. وتحتفل ايران كل عام باقتحام السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 وتشير إليه أنه ثورة ثانية. ومنذ ذلك الحين هاجم الإيرانيون عدة سفارات من بينها الكويتية عام 1987 والسعودية عام 1988 والدنماركية عام 2006 والبريطانية عام 2011، والسعودية عام 2016.وفي تطور آخر، سارع الحرس الثوري الإيراني إلى شجب إعدام النمر، بينما اعتبر مراقبون أن «تنديد الحرس الغاضب لا يمثل دعوة لصراع مباشر مع الرياض»، مشيرين إلى أن «الحرس الثوري الذي لديه اتصالات في السعودية ودول أخرى بالمنطقة لديه أساليب كثيرة ليخوض الحرب الباردة الطويلة بين طهران وخصومها العرب».وساهم فيلق القدس، جناح الحرس الثوري الذي يعمل خارج البلاد بمقاتلين وأسلحة وإمدادات عسكرية، في بسط نفوذ إيران ومصالحها وسياساتها في أجزاء مختلفة من المنطقة.ورأى مراقبون أنه «من المرجح أن يلعب الحرس الثوري دوراً وإن كان يرجح أن يكون دوراً تخطيطياً وليس مشاركة مباشرة». وقال الأستاذ بالجامعة الأمريكية في بيروت هلال خشان «الحرس الثوري له عملاؤه ورجاله واتصالاته في كل مكان بالمنطقة، سيصعدون، ربما في المنطقة الشرقية أو البحرين».وذكر أن «مسألة أن السعوديين قرروا قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران تعني أنهم يعتقدون أنهم مستعدون لمواجهة شاملة مع إيران». وربما يتشجع بعض وكلاء إيران بفعل التصريحات الصادرة من طهران لينفذوا هجمات. ورأى خبراء أن «الحرس الثوري كون شبكات معلومات بين السكان الشيعة في دول الخليج»، موضحين أن «لديه القدرة على استغلال الشيعة المتعاطفين في إثارة الاضطرابات السياسية أو المشاركة في هجمات عنيفة». وقال دبلوماسي غربي في بيروت «أعتقد أن الإيرانيين يظنون أن بوسعهم تحقيق انتصار في البحرين وهو ما سيكون خطاً أحمر بالنسبة للسعوديين»، مضيفاً أن «إيران صنعت فرانكنشتاين من الميليشيات الشيعية في العراق».ولن يسعد الرئيس الإيراني البراغماتي حسن روحاني بمزيد من العزلة الدبلوماسية بعد أن سعى بمباركة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إلى عقد الاتفاق لتوسيع نطاق العلاقات الإيرانية مع المجتمع الدولي.والآن وبينما يواجه أكبر أزمة دبلوماسية في عهده ربما لا يتمكن روحاني من إقناع الحرس الثوري بخفض أنشطته العسكرية لصالح الدبلوماسية. ويمكن أن يدفع هذا الحرس الى دعوة حلفائه لشن هجمات عنيفة.من ناحيته، اعتبر المحلل البارز في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض، جوزيف كيشيشيان، أن «السعودية كانت شفافة، وأن الإيرانيين يتحملون المسؤولية عن التصعيد، لأنهم ردوا الفعل بطرق غير مقبولة بموجب القانون الدولي». وقال إن «المملكة لن تسمح لإيران بتحديد ما هو في مصلحة أمنها القومي، ولن تتسامح مع التدخل الإيراني في الشؤون العربية»، مضيفاً أن «القرار السعودي كان قراراً شجاعاً، يجب أن يفخر العرب بأن هناك في النهاية من يقف للدفاع عن حقوقهم».وأثبتت الأحداث الأخيرة صواب الموقف السعودي من الانفتاح الغربي على إيران بعد توقيع الاتفاق النووي معها في 14 يوليو الماضي بفيينا، وتبين أن الإيرانيين كانوا يخادعون الغرب للوصول إلى اتفاق يسمح برفع العقوبات عنهم، على أن يستمروا في سياساتهم التي تستهدف استقرار محيطهم الإقليمي، ليبدو الاتفاق وكأنه يشجعهم على الاستمرار بإثارة القلاقل.