أبوذر حسينأكد الخبير الدولي في الأخطاء الطبية د. خالد الدويري أن توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء بشأن ترقية وتنظيم عمليات العلاج بالخارج، سهلت إجراءات المتابعة القضائية للأخطاء الطبية التي كان يتعرض لها البحرينيون في الخارج. مشيراً إلى أن هناك ضحايا كثراً للأخطاء الطبية في الخارج، ولكنهم لا يستطيعون متابعة قضاياهم، وليس لهم جهات أو أفراد يتابعونها لهم.وشدد د. الدويري الخبير الدولي في الأخطاء الطبية ورئيس قسم القانون في الأكاديمية الملكية للشرطة في حوار لـ «الوطن»، أهمية التزام الأطباء بتبصير وإعلام المرضى بالنتائج المتوقعة قبل إجراء العمليات التجميلية، نسبة للمشاكل الكثيرة التي تنشأ في هذا الجانب بعد إجرائها. وأشار إلى أن ما ينطبق على العمليات التجميلية ينسحب على تصحيح البصر، في ظل التقنيات الحديثة والمستمرة في هذا المجال. وأوضح أن الأخطاء تبدأ دائماً منذ مرحلة التشخيص الأولي للمريض «إذا فشل التشخيص يصبح العلاج الموصوف خاطئاً». مشيراً إلى أهمية معالجة الخلل الذي ظل يشكو منه كثير المرضى من عدم استمرار فترة التشخيص بالمراكز الصحية أكثر من دقيقة أو دقيقتين. وقال إن «لائحة الحقوق والواجبات» التي تعلقها وزارة الصحة بالسلمانية والمراكز الصحية ممتازة جداً، ولكن ليس لها علاقة بالتوعية والتثقيف بالأخطاء الطبية.وأضاف بشأن براءة الطبيب المخطئ من لجان التحقيق الطبية في أغلب الحالات، أن «روح الزمالة لدى الأطباء لا زالت تلازمهم في لجان التحقيق الطبية». وتمنى الدويري تخصيص نيابة لجرائم الأخطاء الطبية، ودعا كليات الطب في الجامعات العربية إلى أهمية تدريس مادة قانونية تتعلق بالمسؤولية الطبية والأخطاء الطبية، ليتحلى الطالب بالمسؤولية المهمة في هذا الجانب القانوني والأخلاقي.التشخيص أولاً:من أين يبدأ الخطأ الطبي؟تعتبر مرحلة التشخيص هي مرحلة البداية في العلاقة مع الطبيب المعالج، وأن العمل الطبي يعتمد كلياً على صحة التشخيص وسلامته، وعلى ذلك إذا فشل التشخيص يصبح العلاج الموصوف خاطئاً. ويجب على الطبيب أن يبذل في التشخيص العناية واليقظة إذ عليه أن يسمع إلى شكوى المريض وأن يأخذ منه ومن أهله كافة المعلومات التي يحتاج إليها، ثم يبدأ بعملية فحص المريض بشكل دقيق لمواضع الألم عن طريق استخدام جميع الوسائل التي يضعها العلم تحت تصرفه، بحيث يكون رأيه في التشخيص بعيداً عن الغلط قدر الإمكان. خاصة أن هناك عدداً من المرضى يشكو عدم استمرار فترة التشخيص بالمراكز الصحية أكثر من دقيقة أو دقيقتين.ماذا يترتب عن خطأ التشخيص؟تشخيص المرض قد يكون مبنياً على معلومات من المريض أو ذويه عن مرضه والسيرة المرضية للعائلة، والفحوصات المختبرية، وبذلك فإن الطبيب ملزم بأن يبذل للمريض عنايته الصادقة اليقظة حسب الأصول العلمية المستقرة والثابتة عالمياً. ومن أهم صور الإهمال في التشخيص إذا كان الخطأ الذي ارتكبه الطبيب يشكل جهلاً وإهمالاً واضحاً بالمبادئ الأولية المتفق عليه عالمياً (أي الخطأ الجسيم) الناتج من جهل بأولويات الطب أو عن إهمال في الفحص الذي تم بطريقة سطحية أو سريعة أو غير كاملة، مثال ذلك إذا لم يستخدم الأشعة ليزيل الشي الذي قام به في ذهنه قبل أن يجري العملية.كما يعتبر الطبيب مخطئاً إذا كان هناك تسرع في تكوين رأيه الطبي، وعدم الاستعانة بما توصل إليه العلم من ضمانات في تكوين رأيه العلمي، مثال ذلك الاستعانة بأحدث وسائل الفحص التي وفرها العلم، والتي تكون ضرورية للوصول إلى نتائج صحيحة كفحوصات الأشعة والمختبر، وأجهزة التشخيص المتطورة التي تعطي نتائج دقيقة ومضمونة.بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الخطأ عائداً إلى عدم استخدام الطبيب الطرق والوسائل العلمية الحديثة والمتاحة، وأخذه بعين الاعتبار أن الطبيب لا يتحلل من مسؤوليته إلا إذا كانت حالة المريض والظروف المحيطة تمنع من استعمال بعض تلك الوسائل الحديثة كأن يكون المريض في مكان بعيد ومنعزل عن ذلك. وإذا كانت حالة المريض لا تتحمل التأجيل.وكذلك إذا استخدم أثناء التشخيص طرقاً ووسائل قديمة تخلى عنها الأطباء ولم يعد معترفاً به كلياً، مثل التشطيب في عمليات تصحيح البصر، فيعتبر ذلك إهمالاً في التشخيص وتكون مسؤولية الطبيب.وإذا لم يقم الطبيب المعالج باستشارة من هم أكثر منه تخصصاً في المسائل الأولية اللازمة للتشخيص حتى يتبين له طبيعة المرض، أو إذا أصر على عدم الاستعانة بطبيب آخر، وهو يدرك إدراكاً كاملاً بأن حالة المريض خارج قدرته كطبيب معالج.ويجب فوق كل ذلك الأخذ بعين الاعتبار الظروف المتشابه فيها الأعراض ويصعب تشخيصها، فلا مسؤولية على الطبيب في مثل هذه الحالات إذا أخطأ في التشخيص، لوجود ظواهر مرضية تختفي فيها حقيقة المرض على أكثر الأطباء خبرة ودراية وعلماً.متى يحاسب الطبيب على الخطأ؟ ومتى يكون بريئاً من ذلك؟إن العلوم الطبية لم تبلغ حد الكمال بعد، لأن عمل الطبيب ليس بعملية رياضية وإنما هو قائم نوعاً ما على الاحتمالية، ولا يزال هناك العديد من النظريات الطبية محل خلاف بين العلماء والأطباء، فإذا وضع الطبيب رأياً على آخر وأخطأ في التشخيص نتيجة لتشابه الأعراض المرضية فإنه يبقى في مأمن من المسؤولية حتى كأن الخطأ الذي وقع فيه أمر ممكن لتشابه الأعراض، ويحتمل وقوعه من الطبيب اليقظ إذا أحيط بنفس الظروف التي أحاطت بالطبيب الذي شخص المريض، فمثل هذا الخطأ ناتج عن خطإ علمي وليس من الطبيب، لأن الأمر يرجع إلى نقص العلوم الطبية، ومثل هذا الغلط من الممكن أن يتعرض له كل طبيب أثناء ممارسته لمهنته وحتى أكثرهم خبرة ودراية.وأشير في ذلك إلى أن أكبر الأطباء لم يسلموا من الغلط في التشخيص على الرغم من ممارسته الطب لسنوات طويلة، وبالتالي لا مسؤولية على الطبيب من غلطه في التشخيص الذي يقع فيه على الرغم من إثباته للأحوال الطبية واستعانته بجميع الوسائل الطبية المتيسرة وفي المنطقة التي يعمل بها.كما لا تتم مساءلته عن الخطأ في التشخيص، إذا كان الأمر يتعلق بمرض كثيراً ما تقع بشأنه الأخطاء كما هو الحال في صعوبة اكتشاف مرض السل في مراحله الأولى، وفي حين أن المريض بهذا المرض يتمتع بصحة جيدة ويصعب الاعتقاد معها بإصابته بهذا المرض.وفي بعض الحالات قد لا تساعد الأعراض الظاهرة على كشف الحقيقة.كما لا يساءل الطبيب إذا تبين أن الخطأ في التشخيص كان بسبب المعلومات المضللة التي أدلى بها المريض أو ذووه للطبيب عن المرض، أو بسبب اخفائه لبعض الحقائق الضرورية للتشخيص، لانتفاء العلاقة السببية.في حالات الغلط العلمي في التشخيص، فإننا نكون أمام أخطاء لا يمكن تلافيها في مهنة الطب، التي تختلف فيها وجهات النظر العلمية في شأن الكثير من الأمور الطبية، فالطبيب مهما بلغ من العلم والمعرفة، ومهما يبذل من العناية واليقظة وحسب التبصر ومهما استخدم من وسائل حديثة، فإنه قد يخطئ في تشخيص المرض في بعض الحالات، ذلك لأن الطبيب ليس ممنوعاً من الوقوع في الخطإ أحياناً.العلاج بالخارج:كيف ترى سياسة استضافة أطباء من الخارج بدلاً عن العلاج بالخارج من حيث حفظ حقوق المريض؟إن توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء في هذا الأمر تأتي في سياقات تطويرية مختلفة لترقية وتنظيم عمليات العلاج بالخارج، وما يعنينا في هذا الصدد هو الحفاظ على حقوق المرضى والسهولة في إجراءات التقاضي التي تتميز بها البحرين، إذا ما «لا قدر الله» حدث خطأ طبي. في حين أن هذا الأمر يكون معقداً بالنسبة للمرضى في حال تعرضوا لأخطاء طبية خلال علاجهم في الخارج أو أي نوع من الإهمال. فهناك ضحايا كثر لأخطاء طبية حدثت في أوربا أو غيرها من البلاد الغربية، ولكنهم لا يستطيعون متابعة قضاياهم.هل ترى أن هناك أهمية لربط الجانب القانوني في العملية التعليمية لطلاب الطب؟ أو العكس بالنسبة لطلاب القانون؟نعم إنني أرى أهمية ذلك من خلال تدريس مادة قانونية خاصة بالمسؤولية الطبية وأخطائها لطلبة كليات الطب في الجامعات العربية ولكي يكونوا على بينة من أمرهم بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه المجتمع مستقبلاً.إلى أي مدى يلتزم الأطباء بتحقيق نتيجة في العمليات الجراحية التجميلية؟الطبيب يلتزم هنا بتحقيق نتيجة في واجب الإعلام والتبصير ما قبل التدخل الجراحي التجميلي، حتى لا يدخل التدليس بذلك، ويؤدي إلى أن يكون العقد الطبي قابلاً للإبطال لكونه بني على معلومات غير صحيحة من الطبيب باتجاه المريض.أما في العمليات التجميلية بحد ذاتها فيكون بذل العناية المطلوبة من الشخص المريض وذلك ضمن القواعد والأصول العلمية المستقرة علمياً.وماذا عن عمليات تصحيح البصر؟الآن العلوم الطبية أصبحت متطورة في هذا الجانب من حيث توفر الأجهزة والمعدات الطبية فضلاً عن التقنيات المستخدمة في هذا الجانب، وفي مجال تصحيح البصر فإن هناك تقنية حديثة تسمى (سيموفيل) حيث أثبت دراسات طبية وتجارب أن نسبة نجاح تدخلها في تصحيح البصر تصل إلى ما يقارب 100% لكن يجب أن تأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل من بينها، إقدام مريض على تصحيح البصر وهو مصاب بالسكر، أو يكون كبيراً في السن، وغيرهما من العوامل الأخرى.لجان التحقيق:هل تعتبر لائحة (الواجبات والحقوق) التي تعلقها وزارة الصحة بجدران مجمع السلمانية والمراكز الصحية كافية وكفيلة بالتوعية والتثقيف بالأخطاء الطبية؟نعم هي كافية لمعرفة الحقوق والواجبات لكلا الطرفين سواء أطباء أو مؤسسات علاجية ومرضى، ولكن ليس لها علاقة بالتوعية والتثقيف بالأخطاء الطبية.لماذا الطبيب «في أغلب الأحيان» يكون بريئاً عندما يتم التحقيق معه من قبل لجنة طبية؟لأن روح الزمالة لدى الأطباء لا زالت تلازمهم، فإذا ما كلف طبيب بشهادة أو بخبرة من قبل لجنة طبية أو من قبل المحكمة في مسألة تتعلق بطبيب فإن نتيجة خبرته أو شهادته غالباً ما تأتي مبهمة أو غامضة ودون تعليلات، وبعيدة عن الحقيقة وهذا يؤدي إلى براءة الطبيب.ما هي الطرق المثالية التي يمكن أن يسلكها مريض تعرض لإهمال أو خطأ طبي لاسترجاع حقوقه؟هي ذات الإجراءات المعتادة في الجرائم المختلفة، وذلك من خلال تقديم شكوى لمركز الشرطة ذات اختصاص لكونه هناك اعتداء على سلامة جسم الإنسان مما يعتبر جريمة وتحول إلى النيابة العامة للتحقيق ومن ثم للقضاء.هل ترى أن البحرين بحاجة لنيابة تختص فقط بجرائم الأخطاء الطبية؟أتمنى وجود نيابة متخصصة في البحرين للنظر فقط بجرائم الأخطاء الطبية وذلك حتى يحصل المتضررون على الحقوق العادلة.
د. الدويري لـ «الوطن»: التشخيص مصدر معظم الأخطاء الطبية في البحرين
10 يناير 2016