استطاعت دول الخليج العربية بعد تأثرها بالأزمة المالية العالمية (2007 - 2008) وبنسب متفاوتة، تجاوز تبعات هذه الأمة بصور مختلفة، اعتماداً على ما حققته الطفرة النفطية من عوائد ضخمة، وإعادة توجيه اقتصادياتها والخروج بأقل الخسائر الممكنة من الأزمة.وإلى ما قبل أقل من سنة، كانت هناك برامج اقتصادية ضخمة ومشروعات كبيرة حققت الكثير من تطلعات الدول، بل حققت أيضاً وفرات نقدية كبيرة للغاية، ما ساهم في زيادة الإنفاق الحكومي على الخدمات وتحقيق دولة الرفاه، بل وتوجيه تلك الفوائض إلى استثمارات كبيرة، سواء في الداخل أو الخارج.ومع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 50 دولاراً منذ الربع الأول من 2015، واجهت دول الخليج معضلة جديدة، تتمثل في خطط إنفاق كبير دون أن توازيها مداخيل كافية، وهو ما أحدت أزمة مالية حقيقية سيكون لها تداعياتها على مستقبل المنطقة والعالم بشكل عام.وحسب بعض الخبراء فإن دول الخليج قد لا تواجه مشكلات مالية على المدى القصير بسبب امتلاكها احيتاطات مالية وأصول يمكن بيعها لسد عجز الموازنة، إلا أن استمرار انخفاض الأسعار في الأجل الطويل يستدعي خفض الدعم المقدم لقطاعات كثيرة مثل العلاج والتعليم والإسكان، ما قد يؤثر على مستوى المعيشة في هذه الدول.وتسعى البحرين حال دول الخليج العربية الأخرى، للعمل وبسرعة على تفادي ما تواجهه من أزمات مالية مقلقلة نتيجة الانخفاض الكبير في أسعار النفط، مصدر دخلها الرئيس، بتنفيذ تحولات اقتصادية كبيرة، تحاول من خلالها التخلص من الاقتصاد الريعي، الذي لازمها منذ منتصف القرن الماضي، نتيجة اكتشاف النفط والطفرات الكبيرة في أسعاره في السنوات اللاحقة.ويستتبع هذا التحول الاقتصادي بالضرورة تغييرات جذرية في بنية المجتمع البحريني، وفرض أنماط سلوك جديدة لم يعتد عليها المواطن، وحتى المقيم، وهو ما يمكن أن يواجه بعدم الرضا من مجتمعات «استسهلت» إلى حد ما الحصول على منافع كبيرة من الدول الريعية دون تقديم أي مقابل ولسنوات طويلة.فهل ساهمت العقود الريعية -بقصد أو بدون قصد- في إعاقة بناء منظومة اقتصادية حقيقية تقوم على تنويع مصادر الدخل؟ وهل كان للاقتصاد الريعي آثار على تحول المجتمع من منتج إلى استهلاكي؟ هل تستطيع دول الخليج التخلص من الأعداد الهائلة من العمالة الأجنبية وإعادة تأهيل مواطنيها ليكونوا القوى الأساسية المحركة في اقتصاديات ما بعد الريعية؟ ما رد الفعل المتوقع من المواطن على إعادة تنظيم الاقتصاد ليكون مشاركاً ومستفيداً منه وليس مستفيداً فقط؟ وما الفترة الزمنية التي ستستغرقها الدولة في التحول الاقتصادي؟ وأخيراً ما التبعات والكلف المتوجب على الدولة والمواطن والاقتصاد بشكل عام أن يدفعها ليتم هذا التحول؟الدولة الريعية وعلاقتها بالمجتمعيرى الخبير الاقتصادي ورئيس وزراء مصر الأسبق حازم الببلاوي، أن دور الغالبية العظمى من السكان في الدول الريعية يعتمد على استخدامات الثروة، وأن ما ينشأ عن ذلك من نشاطات تابعة يعتمد اعتماداً كبيراً على المصدر الأساس للثروة.ويمكننا القول إن الاقتصاد الريعي الذي تعتمد عليه الدول، بمختلف أشكاله، ساهم إلى حد كبير في محدودية التفكير في تنوع مصادر الدخل، ولم يقم على بناء اقتصاد حقيقي يعتمد على الصناعة، حيث استسهل الحصول على السلع المستوردة نتيجة ما توفر لديه من فوائض مالية كبيرة.الجانب الاجتماعي كان له نصيب كبير من الاقتصاد الريعي على مدى العقود الماضية، حيث أصبح التفكير في مشروعات إنتاجية حقيقية والعمل على زيادة دخل الفرد اعتماداً على الذات ضرباً من ضروب التفكير خارج الصندوق، لذلك اتجه كثير من الأفراد إلى إقامة مشروعات تجارية تعتمد أساساً على بيع الخدمات والسلع المستوردة من الخارج، يديرها عمال وموظفون غير محليين، ما عزز الحاجة إلى العامل الأجنبي، والذي في كثير من الأحيان يرضى بالقليل جداً من الدخل، حيث اعتمد هذا الأخير بدوره على الدولة الريعية في تقديم خدمات وسلع مدعومة.نخلص إلى أن الدولة الريعية قد ساهمت في خلق أجيال متعاقبة من «الاتكاليين» الذين تحول همهم الأكبر إلى الإنفاق، واكتفوا بما يقدم لهم من الدولة، بل وتجاوز الأمر إلى صدودهم عن المشاركة في الحياة العامة من خلال الجمعيات السياسية أو منظمات المجتمع المدني أو الأعمال التطوعية.
هل انتهى عصر الرفاهية في الخليج؟!
13 يناير 2016