استطاعت المملكة العربية السعودية تشكيل موقف عربي موحد يزيد الضغوط على إيران ويحجم نفوذها في المنطقة خلال الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء خارجية الدول العربية بناء على طلب السعودية في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة مؤخراً، بينما رأى مراقبون أن إيران تراجعت وربما اعتذرت بشكل غير مباشر عما صدر منها لتهدئة الوضع، خاصة بعد مطالبة المسؤولين في نظام ولاية الفقيه بمحاكمة سريعة لمثيري الشغب الذين اقتحموا السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، وهو ما يشير إلى تأكد نظام ولاية الفقيه من قوة السعودية، وتأييد دول عربية وأفريقية لها بقطع علاقتها مع طهران.وحصلت السعودية خلال الاجتماع على دعم عربي قوي في مواجهة إيران، بإعلان وزراء الخارجية العرب التضامن الكامل معها وإدانة الأعمال العدائية والاستفزازات الإيرانية، ودعم جهود الرياض في مكافحة الإرهاب ودورها في تعزيز الأمن والاستقرار والأمن في المنطقة.وقرر العرب تشكيل لجنة مصغرة لمواصلة بحث الأزمة والتشاور بشأن الإجراءات المستقبلية المحتملة ضد إيران.ولم تشهد الحرب الباردة التي قادتها إيران في المنطقة منذ صعود آية الله روح الله الموسوي الخميني إلى السلطة عام 1979 هذا التوافق العربي الواسع لردع الرغبة الإيرانية العارمة في الهيمنة الإقليمية.وواجهت إيران موقفاً عربياً أشبه بالإجماع على ضرورة تحجيم نفوذها المتزايد في المنطقة الأمر الذي ينذر بتراجع نفوذها الإقليمي في المنطقة أكثر من أي وقت مضى.وتحولت دول الخليج إلى «دول المواجهة» الجديدة مع إيران، لدحض توسع النفوذ الإيراني، وهذه المواجهة مع إيران في سوريا واليمن والعراق ولبنان.وأعاد الإجماع العربي ضد إيران إلى الذاكرة، موقف العرب الداعم للعراق في الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988، لكنه تطور بشكل ملحوظ في الأزمة الأخيرة بين الرياض وطهران إذ وصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية ومنع الرحلات الجوية وسحب السفراء وتخفيض مستويات التمثيل في حالة تضامن نادرة.وبعد قرار 6 دول عربية، هي المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين والسودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وسحب الإمارات وقطر والأردن سفرائهم من طهران، وإعلان أبوظبي خفض تمثيلها الدبلوماسي في إيران، واستدعاء الكويت سفير طهران احتجاجاً على الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، باتت طهران لأول مرة منذ سنوات في موقف دفاعي بعدما احتفظت منذ اندلاع احتجاجات ما يعرف بـ«الربيع العربي» بزمام المبادرة في التدخل في شؤون منطقة الخليج والدول العربية خاصة التي تعاني من اضطرابات. ووجدت إيران نفسها محاصرة أمام موقف عربي جديد لطالما تحكمت فيه انقسامات حادة في السابق بين الدول العربية، التي تبدو اليوم أكثر إصراراً على وقف تدخلات نظام ولاية الفقيه التي توظف الطائفية والسلاح كأداتين لتوسيع نفوذها من أجل إثارة الاضطرابات في دول مجلس التعاون بوجه خاص، وفي الشرق الأوسط بوجه عام. وأجمع وزراء الخارجية العرب على أن إيران تتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط وتعمل على زعزعة الأمن الإقليمي. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن الاعتداءات الإيرانية على سفارة بلاده في طهران وقنصليتها في مشهد «تعكس بشكل واضح السلوك الذي تنتهجه السياسة الإيرانية في منطقتنا العربية بالعبث في مقدراتها والتدخل في شؤون دولها وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية بها وزعزعة أمنها واستقرارها».وشدد على أن «بلاده ستتعامل مع التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي العربي بكل جدية وتتصدى لها بكل حزم»، مضيفاً أن «الرياض ستتخذ خطوات إضافية ضد طهران».بدوره، أدان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي «الأعمال الاستفزازية» لإيران في المنطقة وما اعتبره «محاولة لبث الفتنة الطائفية بين مواطني الدول العربية».وسارع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى التأكيد على أن بلاده لا تريد تأجيج التوتر مع السعودية وسائر جيرانها الخليجيين. وقبل نهاية الشهر الحالي، يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً تشاورياً مغلقاً في الإمارات «لبحث التدخلات الخارجية في المنطقة العربية بما فيها مشكلات تدخل دول الجوار في الشأن العربي»، في إشارة ضمنية إلى إيران. وبدأت الأزمة بين السعودية وإيران بعد أن أعدمت المملكة الإرهابي نمر النمر في 2 يناير الحالي مما أثار غضب نظام ولاية الفقيه، بدون مبرر.ورداً على إعدام النمر اقتحم مثيرو شغب إيرانيون السفارة السعودية في طهران مما دفع الرياض إلى قطع العلاقات مع طهران. وبعد الموقف السعودي المدعوم بالتوافق العربي والخليجي، تراجعت إيران عن تسمية الشارع الكائن به سفارة السعودية باسم الإرهابي نمر النمر.وفي محاولة لاحتواء الضغوط المتزايدة عليها، أعلنت طهران إلقاء القبض على المزيد من المتورطين في مهاجمة السفارة والقنصلية، ليرتفع العدد إلى 66 شخصاً، بحسب تصريحات مسؤولين في الجهاز القضائي الإيراني.من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية الإيرانية، حسين أميري، إقالة المعاون الأمني في محافظة طهران، صفر علي براتلو، من جانب وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي، بداعي تقصيره في عمله حيال الحفاظ على أمن السفارة السعودية بطهران.واتخذت إيران هذه الخطوات في محاولة منها للبحث عن مخرج من الأزمة الدبلوماسية التي أوقعها فيها حرق السفارة السعودية، ورأى البعض قرارات طهران الأخيرة محاولة للالتفاف على الغضبة الدولية والعربية باتخاذ إجراءات «خجولة» وإلقاء المسؤولية على من وصفتهم بـ«عناصر خارجة على القانون» أو «مندسين».
العرب يحشرون إيران في الزاوية
14 يناير 2016