صنعاء - (بنا): منذ فترة ليست بالقليلة، وتحديداً منذ أبريل الماضي، وإثر قرار تعيينه مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة باليمن، يلعب الدبلوماسي الموريتاني المخضرم إسماعيل ولد الشيخ أحمد بحنكة ونزاهة دوره الأممي بعقد سلسلة من المشاورات المباشرة والهادفة مع كل الأطراف، والتوصل لتفاهمات محورية فيما بينها، خاصة فيما يتعلق بأولوية الحوار السياسي على ما عداه، وتخفيف معاناة الشعب اليمني كركنين رئيسيين للحل وإنهاء الأزمة هناك.والمتابع لكل المباحثات التي أجراها وما زال يجريها المبعوث الأممي، خاصة بعد لقاءاته الأخيرة يستطيع أن يخلص لنتيجة مهمة مفادها أن هناك فرصة كبيرة الآن وبالمقارنة بأي وقت سابق لإعادة الاعتبار للحل السياسي دون غيره للصراع في اليمن، وأن هذا البلد الشقيق سيعود قريباً لمسار انتقاله السياسي الصحيح بناء على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات الحوار الوطني، وبما يكفل في الوقت ذاته تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، خاصة القرار رقم 2216.وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، يبدو واضحاً مدى الجهود التي بذلها المبعوث الأممي منذ أن تولى مهمته لإعادة الأمور في اليمن الشقيق إلى نصابها الطبيعي، وتثبيت دعائم الشرعية هناك، وطمأنة جميع الأطراف، وإقرار الأمن والاستقرار بين ربوع هذا البلد الشقيق الذي تئن الأوضاع الإنسانية فيه من كثرة الخروقات التي تقوم بها أطراف معينة لحساب أجندات إقليمية غير وطنية ولا عربية، ولا تضمر الشر لليمن وأهله فحسب، وإنما لأمن المنطقة واستقرار العالم برمته، خاصة مع هذا الارتباط الوثيق بين ملفات الإقليم وبعضها البعض من جهة، والمستجدات الواسعة والتطورات الحاصلة على الأرض بالنظر لأزمات العنف والتوتر والفوضى التي باتت تضرب هنا وهناك من جهة أخرى.ويبدي مراقبون تفاؤلهم بنجاح أكبر للجهود التي يبذلها المبعوث الأممي في الفترة القادمة، خاصة على صعد وقف إطلاق النار، ومنح اليمنيين فرصة كافية لجمع شتات أنفسهم، والتخفيف من معاناتهم المتصاعدة من جراء الحرب الدائرة فصولها منذ أشهر وتداعياتها الممتدة إلى الآن، وهذا التفاؤل يعود لأكثر من سبب: أولها: النجاحات التي حققها الرجل نفسه خلال الأشهر القليلة الماضية، وتبشر بالمزيد، وهي النجاحات التي مكنته من جمع كل أطراف الأزمة اليمنية للتحاور والتشاور على طاولة واحدة، سيما خلال جولة المفاوضات الأخيرة بجنيف، وأتاحت له المجال واسعاً للتفاوض السياسي مع الأطراف المعنية، والبناء على قاعدة اتفاق واضحة قوامها، استئناف عملية الانتقال السياسي المنظمة، وتحسين الوضع الإنساني للأشقاء اليمنيين. ثانيها: الثقة التي بات يحظى بها الرجل على كافة المستويات والأصعدة، المحلية منها والإقليمية والعالمية، وإيمان جميع الأطراف بحياديته والتفافهم حوله، وهو ما سهل له الانخراط في كل تفاصيل الأزمة اليمنية، ومعرفة السبل المناسبة لحلحلة الصراع، ومعالجة أساسيات جذوره، والتي تعود بالأساس لعدم التزام الحوثيين ومن وراءهم بالتعهدات المتفق عليها، ونكوصهم عن الوعود التي قطعوها، وانخراطهم في ممارسات ممنهجة وغير شرعية كعمليات الاختطاف وغيرها، فضلاً عن خروقاتهم الواضحة للاتفاقات الرئيسية المقررة كالمبادرة الخليجية والقرارات الدولية، وفي مقدمتها: ضرورة الاعتراف بالشرعية السياسية القائمة، وترسيخ أطر التهدئة فيما بين قوى الساحة، وهي الالتزامات التي ما زالت تلك الأطراف غير النزيهة تحيد عنها تارة، وتتلاعب بها تارة أخرى بقصد إثارة التوتر وإشاعة الفوضى باليمن الشقيق، والعبث بمقدرات شعبه وموارد أهله لحساب أطراف إقليمية ثبت وبالدليل القاطع أنها وراء جل الأزمات السياسية والأمنية التي تشهدها دول المنطقة.ثالثها: الخبرة الكبيرة التي يستند إليها الرجل في أدائه لمهمته الأممية المحورية، ووفرت له المقومات اللازمة للعطاء والبذل من أجل تلبية التطلعات المشروعة للشعب اليمني الشقيق في تحقيق النماء والرخاء، علاوة على السلام والاستقرار الذي يجب أن ينعم به هذا البلد، وهي الخبرة التي اكتسبها من عمله الدبلوماسي الممتد على مدار أكثر من 20 عاماً، ومنحته فرصة التعرف عن قرب على الشأن اليمني بكافة مفرداته وتفاصيله، وفهم التعامل مع خريطة مكوناته القبلية والدينية والسياسية والحزبية، حيث يشار هنا إلى عمله كمبعوث لليمن بين عامي 2012 و2014، ناهيك بالطبع عن المناصب الإنسانية الأخرى في أمانة المنظمة الدولية كرئيس لبعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا عقب عام 2011، ومنسق الوضع الإنساني في سوريا بين عامي 2008 و2012، وغيرها. رابعها: القناعات التي يؤمن بها الرجل، ورسخت في وجدانه، وتمثل بالنسبة له خريطة طريق تيسر له أداء المهام الجسيمة المنوطة به، وعلى رأس هذه القناعات: حسه العالي بخطورة تردي الأوضاع باليمن بشكل عام، وموقفه من الأوضاع الإنسانية هناك بشكل خاص، والتي يرى أنها لم تعد تحتمل، ولا يمكن السكوت عنها أكثر من ذلك من جراء الصراع المسلح، وأنه يجب إيجاد السبل الكفيلة بإنهائها وبسرعة، إضافة إلى أن الشعب اليمني وقبل أي وقت آخر بحاجة لمن يريد الخير له، ويضمن له العيش مستقبلاً في عز ورخاء، وليس العكس، وذلك في إشارة لهؤلاء الذي يحاولون جره قروناً للوراء، وسعوا وما زالوا يسعون إلى إبقائه ضمن إسار أكثر الدول فقراً، وساهموا في زيادة إفقار قاطنيه من الأشقاء اليمنيين من 7 مليون بحاجة للمساعدة قبل الحرب إلى نحو 20 مليوناً الآن.إن الإيمان الراسخ للمبعوث الأممي بضرورة تبني سياسة جديدة لمعالجة الوضع في اليمن الشقيق ساعده كثيراً في مواجهة محاولات الأطراف المؤزمة في التمدد والسيطرة وعدم الرضوخ لتعهداتها والتزاماتها الدولية وما تفرضه عليها الشرعة الدولية، ولذلك ليس من المستغرب أن تحظى السياسة الجديدة للمبعوث الأممي بدعم كبير من جانب دول مجلس التعاون الخليجي التي لم تدخر جهداً في توفير البيئة المواتية للرجل كي يدرك حقيقة هذه الأطراف، ودورها الصريح في تأجيج الأزمة، والذي نأمل أن ينتهي عند هذا الحد من أجل مستقبل أكثر أمناً واستقراراً للشعب اليمين الشقيق.
مبعوث الأمم المتحدة لليمن.. دعم خليجي ثابت لجهود تسوية الأزمة
20 يناير 2016