زهراء حبيبأكدت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها في الطعن المقدم من مجلس الشورى، بخصوص قانون كشف الذمة المالية، أن القانون ساير التوجه الدولي الهادف إلى ردع الفساد واستغلال النفوذ، وتعزيز النزاهة والمساءله في إدارة الشأن العام، كما إنه لم يخالف الشريعة الإسلامية فالقانون لم يجبر الزوج على البوح للآخر بأسرار ذمته المالية، مؤكدة عدم إخلاله بمبدأ شخصية العقوبة.وكان رئيس مجلس الشورى قدم في 27 مايو 2015 للمحكمة الدستورية، بلائحة طلب بعرض المنازعة الدستورية بخصوص قانون كشف الذمة المالية، طاعناً في دستورية المادتين 2 و 8 والفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من القانون «32» لسنة 2010 بشأن الكشف عن الذمة المالية، بعد أن قرر المجلس بالأغلبية في جلسته 21 من دورة انعقاد الأول في الفصل التشريعي الرابعة في 24 مايو 2015 بعرض المنازعة على المحكمة الدستورية للقضاء بعدم دستورين المواد المذكورة سلفاً. وتشير الفقرة الأولى من المادة الثانية الطعينة أنه «يجب على كل ملزم أن يقدم إقراراً عن ذمته المالية وذمة زوجه وأولاده القصر خلال 60 يوماً من تاريخ تزويده بالنماذج والاستمارات الخاصة بالمعلومات المطلوبة لهذه الغاية والتي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون»، في حين اقتضت الفقرة الثالثة منها أنه: «وإذا امتنع زوج الملزم عن إعطائه البيانات اللازمة لعناصر ذمته المالية والتوقيع، وجب على الملزم تثبيت ذلك في إقراره، وعلى الهيئة تكليف الزوج الممتنع تقديم إقرار عن ذمته خلال شهرين من إخطاره». وينعى الطاعن على الفقرتين الأولى والثالثة من المادة الثانية، التي سبق ذكرها بعدم دستوريتهما على سند أنهما أجبرا كلا من الزوجين على تضمين إقرار الذمة المالية الخاص به، مفردات الذمة المالية للطرف الآخر، فإنهما أهدرا بذلك أحكام الفقرة «ب» من المادة «5» من الدستور وهي أنه: «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». وعقبت المحكمة على هذا الدفع، بأن الإجماع منعقد في الشريعة الإسلامية على أن استقلال الذمة المالية بين الزوجين مقطوع بصحته، وأن الزوجين وإن تكاملا من خلال الأسرة التي تجمعهما، إلا أن حقوقهما المالية لا تختلط ببعضهما، وأن وحدة الأسرة لا تخل باستقلال كل منهما بذمته المالية، فلا يحل أحدهما في الحقوق التي يطلبها محل قرينة، بل إن الشريعة كفلت لكليهما موئلاً لحقوقه. وأكدت أن نص المادة الثانية آنفه البيان، بفقرتيها الطعينتين، لم يهدر مبدأ استقلال الذمة المالية للزوج عن قرينة، ولم يمس من حق كليهما في الاعتصام منفرداً بحرية التصرف إن شاء في ملكه، عقاراً ومنقولا، وفي حقوقه المالية كافة، دونما حجر ولا قيد من القرين، وذلك أن النص المطعون عليه لم يدمج الذمة المالية للزوجين، ولم يجبر أياً منهما على البوح بأسرار ذمته المالية لقرينه كرهاً وغصباً إذا ابتغى غير ذلك سبيلاً، فإذا ما رفض الزوج البوح لقرينه الملزم بعناصر ذمته المالية، فقد تضمنت الفقرة الثالثة الطعينة بأنه على هيئة فحص إقرارات الذمة المالية تكليف الزوج الممتنع بتقديم إقرار عن ذمته المالية خلال شهرين من تاريخ إخطاره، وعليه فإن القول بمخالفة المادة الثانية للشريعة الإسلامية واخلالها بمقتضيات المادة «5/ب» من الدستور قولا غير قائم على سند قويم حرياً بالاطراح. ونعى مجلس الشورى على المادة الثامنه من القانون المذكور سلفاً بإخلالها بالمادة «20/ب» من الدستور، بأن النص الطعين إذ قضى بعقاب الزوج بالعقوبه ذاتها المقرره للملزم الذي يثبت في حقه الكسب غير المشروع، فإنه يكون قد أخل بمبدأ شخصية العقوبة. وتنص المادة الثامنة أنه «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر، يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن 500 دينار كل ملزم تخلف عن تقديم إقرار الذمة المالية في المواعيد المقرره، ويعاقب زوج الملزم بذات العقوبة إذا امتنع عن تقديم إقرار الذمة المالية في الموعد المقرر في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من هذا القانون، وتكون العقوبة بالحبس والغرامة المالية التي لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على 3 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا أثبت الملزم أو زوجه في الإقرار عمداً بيانات غير صحيحة أو مضلله، أو تعمد عمد تقديم الإقرار». وقالت المحكمة في ردها على هذا الدفع، إن المادة الثامنة الطعينة قضت بمعاقبة زوج الملزم بالعقوبات المحدده بها، إذا تخلف عن تقديم إقرار ذمته المالية في المواعيد المقررة، أو امتنع عن تقديمها خلال شهرين من تاريخ تكليفه من هيئة فحص إقرارات الذمة المالية، أو ثبت عمداً في الإقرار بيانات مضللة أو تعمد عدم تقديمه، فإنها تكون بذلك جرت بإيقاع العقوبة على الزوج عن امتناعه شخصياً عن تقديم الاقرار، أو عن أفعال ارتكبها هو شخصياً أو قارفها بنفسه عمداً، وبذلك لا يكون قد وزر وزر غيره بل باء آثما بما صنعت يداه، ليغدو النعي من ثم بمخالفة المادة للدستور نعياً مدحوضاً. وفيما يخص الطعن بالفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من القانون ونصها الآتي: «كما تأمر المحكمة في مواجهة الزوج والأولاد القصر الذين استفادوا من الكسب غير المشروع بتنفيذ الحكم بالرد في أموال كل منهم بقدر ما استفاد»، بعدم دستوريتها لإهدارها حق الملكية المنصوص عليه في المادة «9/أ،ج،د» من الدستور، فإنه نعي غير قويم يدحضه ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، من أن الدستور قد كفل حق الملكية الخاصة وأضفى عليها من سبل الحماية أوفاها.ووفقاً للفقرتين «أ» و»ج» من المادة التاسعة منه، فلا يجوز منع أحد من التصرف في ملكه إلا في حدود القانون، ولا أن ينزع عن أحد ملكه إلا بسبب المنفعة العامة، وبشرط تعويضة تعويضاً عادلاً، كما جاء في الفقرة «د» من المادة «9» من الدستور بأن: «المصادرة العامة للأموال المحظوره ولا تكون عقوبة المصادر الخاصة الا بحكم قضائي في الاحوال المبينة في القانون». ولفتت المحكمة إلى أن النص الطعين إذ اقتضى تنفيذ الحكم برد الكسب غير المشروع الذي داخل أموال الزوج والأولاد القصر، فقد حرص على أن يقرن هذا الرد بمقدار ما استفاد كل منهم من هذا الكسب، مشترطاً بذلك أن يكون الاموال محل المصادرة، متأتيه قطعاً من حاصل جريمة الكسب غير المشروع، وبأن يقوم الدليل قانوناً على هذه الاستفادة، عبر اشتراط أختصامهم في الدعوى الجنائية التي يقضي قبلهم فيها برد ما استفادوا به من الكسب غير المشروع.وأوضحت في حيثيات حكمها بأنه لا ريب في أن أستهداف موظفي الدولة للمصلحة العامة باعتبارها الغرض الدستوري الذي جرت به المادة «16/أ» فيما أقتضته من أن: «الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة»، إنما يقتضيهم أن ينأوا بأنفسهم عن مهاوي الريبة بكشف ذممهم المالية. واستقر قضاء هذه المحكمة على أن الحق في الحياة الخاصة، وإن كان لا يمنح تفضلاً ولا يتقرر إيثاراً فإنه لا يستعصي على التنظيم التشريعي، وليس له من نفسه ما يعصمه دونه، فالدستور لا يغل يد المشرع عن التدخل لتنظيم هذا الحق، بحسبان أن صون الحقوق الدستورية كافة يفترض بالضرورة إمكان مباشرتها من دون قيود جائرة تهدرها أو تعطل جوهرها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها، وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التي تقضيها مصالح الجماعة.